تونس -الصباح الاسبوعي يبدو ان تباين وجهات النظروالاختلافات بين قياديي حركة النهضة منذ انطلاق الازمة الراهنة حيال بعض المسائل الجوهرية بلغ درجة غير مسبوقة ازدادت حدتها في الأسبوعين الماضيين ولعل اختلاف المواقف حول التفاعل مع مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل عكس منذ البداية صراع الأجنحة داخل الحركة وهو ما كان يتجلى بوضوح مع مرور الأسابيع .ففي الوقت الذي عبّر فيه رئيس الحركة راشد الغنوشي عن قبوله مبادرة الاتحاد لتكون منطلقا للحوار كانت أصوات بعض القياديين تتعالى في اتجاه آخر منادية بضرورة التمسك بالشرعية وعدم القبول بحل حكومة علي العريض مهما كانت المعطيات وان أي تنازل في هذا الاتجاه يمثل تخليا عن المسؤولية تباين المواقف استمعنا الى محمد بن سالم وزير الفلاحة والحبيب اللوز والصادق شورو ووليد البناني وغيرهم من الذين عكست تصريحاتهم حجم التباين داخل حركة النهضة الى حد ذهاب بعض القياديين بعيدا من خلال تلويحهم باللجوء الى الشارع لحسم الأزمة .فقد كتب عبد الكريم الهاروني وزير النقل مؤخرا على صفحته على الفايس بوك "لا تتحدونا في الشوارع فأنتم لستم لها لان النهضة لا تخشى الشارع وقادرة ان تثبت حقيقة ميزان القوى فيه" ويأتي خطاب التحدي من قيادي مصنف من "الصقور" كما تابعنا غيره من الوعيد والتهديد في الوقت الذي كان فيه راشد الغنوشي والشق المعتدل بصدد التفاوض للتوصل الى حلول مع المعارضة للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد ويبدو ان الحوار الذي أدلى به راشد الغنوشي لقناة "نسمة" قد أشعل "الفتيل" وعمق الاختلافات أكثر داخل الحركة بشكل غير مسبوق باعتبار مواقفه المعلنة حيال عديد الملفات التي كانت عالقة يأتي في مقدمتها تأكيده على عدم طرح قانون تحصين الثورة .موقف تعالت ضده أصوات عديد القياديين الذين هاجموا راشد الغنوشي متمسكين بطرح القانون وعدم تأجيله لما بعد الانتخابات رغم ان بعض الاعضاء الفاعلين داخل الحركة يوافقون رئيس الحركة مما زاد في اختلاف وجهات النظر بين الشقين حجر في الماء ولئن تمسك الحبيب اللوز بموقفه حيال قانون تحصين الثورة فانه أشار الى ان الغنوشي " كان يقدم بعض الأفكار الأولية كمن يلقي حجرا في الماء لتحريك الحوارات "ورغم محاولات التقليل من حجم التباين الذي بدا واضحا بين شقين داخل الحركة فان هذه المسألة خلقت ضجة وأثارت اهتمام السياسيين والمحللين " يدنا ممدودة لحزب نداء تونس " هي الجملة التي نطق بها راشد الغنوشي قبل ان يكشف تقارب حركة النهضة مع نداء تونس وهي تصريحات أحدثت 'انقلابا' عليه وعلى شقه داخل الحركة بعد تواتر مواقف بعض القياديين الذين شددوا على ان كلام الغنوشي يلزمه وحده ولا يعبر عن الموقف الرسمي للحركة .ومازالت تداعيات هذه الاشكالية تلقي بظلالها على الحركة بما اعتبره البعض "تمرّدا" على زعيم الحركة راشد الغنوشي الذي نادرا ما استمعنا في السابق الى أصوات تنتقد خياراته وتشكك في نجاعة تمشيه وتدعوه الى اعادة النظر في مواقفه .بل ان مشهد مساءلته في المجلس التأسيسي من طرف كتلة النهضة يثبت ان الغنوشي بات يواجه تيارا مضادا داخل الحركة يدفع نحو فرض مواقفه عدم انضباط و"تمرّد" وبعيدا عمن اعتبر هذه الخلافات والصراعات مجرد مناورات وتقسيم أدوار تنتهجه الحركة لربح المزيد من الوقت ومواصلة سياسة الهروب الى الامام فان ما حدث داخل النهضة يعكس صراعا داخليا ازدادت حدته في الأسبوعين الماضيين بشكل غير مسبوق ويبدو ان تصنيف انصار الشريعة كتنظيم ارهابي قد زاد في تباين وجهات النظر داخل الحركة بين من ساند رئاسة الحكومة في قرارها وبين شق آخر عبر صراحة عن رفضه لهذا التصنيف الذي كان متسرعا من وجهة نظره ولا يزيد الأوضاع الا تعقيدا وما تابعناه من تضارب في المواقف وازدواجية في الخطاب عكس في جانب منه عدم الانضباط الحزبي الذي لم تتعود عليه حركة النهضة في السابق بل ان البعض اعتبره بمثابة "التمرّد" على زعيم الحركة في كثير من المواقف باعتبار اننا لم نتعود منذ تأسيس الحركة على معارضة راشد الغنوشي وانتقاده بهذه الكيفية لعب بالنار وفي ظل هذه التباينات والخلافات بين "الحمائم والصقور"دعت بعض الاطراف داخل الحركة الى ضرورة الوعي بدقة المرحلة وما تتطلبه من تغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الحزبية .وقد وصف نائب رئيس الحركة عبد الفتاح مورو مؤخرا بعض قيادات النهضة بنقص الوعي بخطورة الرهان السياسي وأكد على أن يكون هؤلاء في مستوى الحدث ويدركوا أنهم يلعبون بالنار ويؤثرون تأثيرا سلبيا في القواعد" ولاشك ان مسؤولية حركة النهضة باعتبارها الحزب الحاكم كبيرة في المساهمة في الخروج من الأزمة السياسية في أقرب وقت ممكن لان بلادنا في وضع حساس ولم تعد تحتمل المزيد من اضاعة الوقت