وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ومنذ أسبوع يواصل جولته الأوروبية ويلتقي وزراء خارجية الدول العربية بحثا عن دعمهم لتوجيه ضربة عسكرية الى سوريا في ذات الوقت الذي كان يروّج فيه لتفاؤله بشأن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، مجددا بذلك مرحلة المهازل المتكررة في الآونة الأخيرة بعد فضيحة السيناتور ماكين وهو يلعب البوكر خلسة خلال احدى جلسات مناقشة ضرب سوريا، والتي كشفت استهانة القوى الكبرى واستخفافها بحق الشعوب في الحياة والبقاء وكشفت بالتالي حقيقة وموقع العرب في اهتمامات وأولويات ديبلوماسية الغرب ومقتضيات لعبة المصالح وهو موقع يتلون بانخفاض أو ارتفاع سعر برميل النفط. وفي انتظار تصويت الكونغرس المرتقب بشأن توجيه ضربة عسكرية لسوريا فإن الأكيد أن مسلسل المهازل لن يتوقف عند هذا الحدّ مع تسابق وتهافت عدد من الدول العربية لتمويل وتوفير الغطاء للتدخل في سوريا بدعوى أن ضربة عسكرية خاطفة ستوفر الحل المطلوب للأزمة المستمرة في بلاد الشام منذ سنتين متجاهلين بذلك أن أيّ ضربة عسكرية مهما كانت مدتها الزمنية لن تخلف غير مزيد المآسي والخراب والدمار والموت والانقسامات ولن تزيد المشهد إلا تعقيدا وتكريسا وفرضا لكل سيناريوهات وفرص تفكيك وتقسيم البلاد.. محنة سوريا ليست الأولى من نوعها ولن تكون حتما الاختبار الأخير أمام صناع القرار -إن كان لهم من قرار في العواصم العربية أو جامعة الدول العربية- والذين لا يبدو أن درس العراق حمل لهم في طياته القليل أو الكثير؛ وقد عايش أغلبهم ظروف وملابسات سقوط بغداد في فخ الاحتلال الأمريكي بتزكية الشرعية الدولية، ولا تزال بلاد الرافدين وبعد عشر سنوات تعيش على أفظع حروب القرن وعلى وقع نزيف دموي لا يتوقف وجراح ترفض أن تندمل، ولا يزال يسجل كل شهر ارتفاع في حصيلة ضحايا العنف والإرهاب بعد أن تحوّل هذا البلد الى ساحة مفتوحة للصراعات الطائفية وللحركات الإرهابية المتطرفة التي عجلت بتهجير من بقي من الجامعيين والباحثين والعلماء ودفعت بشبابه إلى العزوف عن الحياة والفنون. التاريخ يعيد نفسه، أو هو يوشك على ذلك، والأطراف ذاتها وإن اختلفت الأسماء وغابت بعض الوجوه ليحل محلها آخرون، تساهم في ذلك.. وربّما لا يكون من المبالغة في شيء الإقرار بأن حال العرب اليوم كحالهم عندما أقدم صدام حسين على اجتياح الكويت ليقدّم العراق هدية مجانية للغرب ويفسح المجال للتدخل العسكري الأجنبي ليستبيح العراق في ماضيه وحاضره ومستقبله وينتهك عرضه ويستبيح دماء أبنائه. ولا شك أن فشل العرب وهوانهم وعجزهم في تطويق الأزمة كان له دوره في حصول ما حصل وضمان خراب العراق وانهياره، والامر نفسه اليوم يوشك ان يتكرر في سوريا ويفسح المجال لحرب إقليمية لن يكون فيها للعرب غير نيل «شرف» لعنة التاريخ وإحصاء الضحايا وضخ الأموال والتسابق لنيل رضاء تجار السلاح.. ليس أمام السوريين اليوم بعد سقوط ما بقي من أقنعة تحجب سوءات الحكام العرب، إلا أن يعوّلوا على بقية من وطنية في النفوس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتجنب الأسوإ.. فلا بشار الذي مهّد الطريق لتدمير سوريا وفشل في حماية شعبه من الإرهاب والإرهابيين يستحق التضحية لأجله، ولا المعارضة التي تحوّلت الى معارضات وحوّلت سوريا الى محرقة وجعلت الأخضر يابسا فباتت حلبة للجهاديين من كل العالم، حريّة بثقة السوريين المتمسكين بالبقاء في سوريا، الرافضين لكل عروض دعوات اللجوء.. أخيرا وليس آخرا، وفي انتظار الرسالة القادمة من واشنطن، لعل في تنديد البابا فرانسيس بابا الفاتيكان بالحروب ودعواته للصلاة والصوم من أجل السلام في سوريا ما يعيد لنا ذاكرتنا وإنسانيتنا المسلوبة ويدفعنا إلى التعالي وتجنب حالة التدمير الذاتي الذي يندفع إليه العرب، والتيقن بأنه اذا تمّ ضرب سوريا فإنها لن تكون الحرب الأخيرة، وأن الدور سيأتي حتما على البقية الباقية، وأوّلها التي تعتقد أنها محصنة...