كنا نتمنى أن يكون تطرقنا إلى مسألة الإعلام في تونس ما بعد ثورة الكرامة.. ثورة الرابع عشر من جانفي 2011، من باب تعداد المكاسب التي تحققت له ولرجالاته في مجال حرية الوصول إلى المعلومة الصحيحة ونقلها للمواطن وتحليلها والتعليق عليها بلا معوقات أو ضغوط تسلط على الصحفي وخصوصا من جانب السلطات السياسية... كنا نتمنى أن يكون إعلامنا اليوم قد تخلص من كل ما كان يكبله في العهد البائد ويحول دونه والاضطلاع بدوره في كشف الحقائق وإنارة الرأي العام بعيدا عن كل توظيف سياسي شعاره خدمة الوطن ومصلحة المواطن لا غير... لكن ما بين الأماني والواقع الذي يعيشه اليوم القطاع، الفارق شاسع حيث تتعدد المضايقات التي يتعرض لها الصحافيون خلال ممارستهم لمهنتهم وبسببها يوما بعد يوم متخذة أشكالا مختلفة، فلم تعد المشكلات التي يواجهونها مقتصرة على الاعتداءات اللفظية أو الجسدية، بل تعدتها إلى حد أصبحت إحالة كل من تسول له نفسه من رجالات الإعلام انتقاد السلطة السياسية أو بعض رموزها أو التنبيه إلى انتهاكات أو تجاوزات منسوبة إليهم، أمام القضاء بناء على أحكام المجلة الجزائية -السالبة للحرية- عوض المرسومين عدد 115 و116 لسنة 2011 المتعلقين بممارسة حرية التعبير والصحافة والإعلام، عملة رائجة، حيث يجري استدعاؤهم لسماع أقوالهم ثم توقيفهم مباشرة في الغالب ضمن إجراءات لا توفر شروط المحاكمة العادلة كما حصل بالنسبة للزميل زياد الهاني وآخرون، ما اضطر نقابة الصحافيين التونسيين إلى التعبير عن الاحتجاج بالدعوة إلى الإضراب العام الذي شمل يوم أمس معظم وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية في البلاد. إننا وبعيدا عن المطالبة بحصانة مطلقة للصحافيين عن الملاحقة القانونية لاعتقادنا بأن احترام أخلاقيات المهنة الاعلامية يظل هو أساس كل عمل صحفي وأن كل تجاوز لتلك الأخلاقيات لا بد أن يجعل صاحبه عرضة للمساءلة، نشدد على أن لجوء السلطات الحاكمة في بلادنا إلى معالجة قضايا حرية الإعلام والتعبير خارج إطار المرسومين عدد 115 و116، وإحالتها إلى القضاء الجزائي يُعد تراجعا عن مسار اصلاح الاعلام القائم على مبدأ رفع يد السلطة عن القطاع، وتكريس منظومة التعديل والتعديل الذاتي لتنظيم المهنة، والحد من التجاوزات والإخلالات بأخلاقياتها، بالإضافة إلى كونه يذكر بذات الممارسة التي كان يعتمدها النظام البائد لتركيع الاعلام ومنعه من أداء دوره الطبيعي في خدمة الوطن والمواطن، وهي الممارسة التي اعتقدنا أنها قبرت إلى أبد الآبدين بعد الثورة. ولهذا نقولها صراحة أن أية محاولات لتركيع الاعلام بعد أن استعاد وعيه بهموم وطنه وشعبه سيكون مآلها الفشل حتما، لأن أهله غير مستعدين للتفريط قيد أنملة، ومهما كانت الممارسات والضغوط، في حريتهم التي اكتسبوها بفضل دماء الشهداء الأبرار.. فكفى تعسفا.. ولنبن معا تونس التي نريدها.. تونس الديموقراطية والحرية والعدالة...