مازال ملف من أطلق عليهم اسم القناصة أثناء ثورة 14 جانفي2011 غامضا إلى اليوم ولم تتوصل الأبحاث والتحقيقات التي أجرتها السلط القضائية المدنية والعسكرية ولجنة تقصي الحقائق (لجنة بودربالة) من تحديد هوياتهم أو حتى المسك بخيط قد يقود إلى نزع القناع عنهم والكشف عن الجهة أو الجهات التي عملوا لفائدتها وتحت إمرأتها بعد هروب الرئيس المخلوع لتبقى قضايا بعض الشهداء وخاصة من المنتمين سابقا لقوات الأمن الداخلي أو للجيش الوطني مجهولة المصير، على غرار قضية وفاة الوكيل بجيش البحر سفيان بن جمالة يوم 16 جانفي2011 أثناء مواجهات ضارية بين قناصة اعتلوا سطح إحدى العمارات بقلب مدينة بنزرت وعناصر من الجيش الوطني كان سفيان من بينها، وهي القضية التي قرر مؤخرا حاكم التحقيق العسكري بالمحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بتونس حفظها دون إعلام عائلة الشهيد أو محاميها، وهو ما يعتبر سابقة في القضاء عامة والقضاء العسكري خاصة، فالمتعارف عليه أن يتم إعلام كل من له علاقة بملف قضائي بتطوراته، ولكن أن يحفظ الملف وتتخذ الإجراءات بحفظه دون إعلام أي من الأطراف المعنية فهذا خطير من الناحية القانونية، إلا أن حاكم التحقيق ارتكز على نقطة عدم قيام عائلة الشهيد بالحق الشخصي ليغلق الملف دون إعلامها وفق مصدر مطلع. القناصة حقيقة ثابتة وهنا قالت أرملة الشهيد في اتصال مع"الصباح" إن: "الكل يعلم أن أعوان الجيش ألقوا القبض في ذلك اليوم على مسلحين اثنين من بين الأربعة الذين اعتلوا سطح عمارة، وتسجيلات الفيديو تؤكد ذلك ولكن لا نعرف لا مصيرهما ولا هويتيهما ولا مصير ولا هويتي المسلحين اللذين كانا معهما ولا أحدهما الذي قتل زوجي، وبعد أكثر من عامين فوجئت بحفظ القضية دون إعلامنا، إذ تفطنت لهذه التطورات التي اعتبرها خطيرة بمحض الصدفة عندما أردت معرفة مستجدات الملف أمس الأول عن طريق محامية عائلات الشهداء الأستاذة ليلى الحداد". وأضافت: "القناصة في بنزرت في ذلك اليوم حقيقة وزوجي قتله قناص، وأطالب السلط القضائية العسكرية بكشف الحقيقة فقد طال انتظارها وحان الوقت لنعرف الحقيقة، ومن غير المعروف غلق الملف وحفظ القضية بمثل هذه الطريقة.. ماذا سأقول لابني يوم يكبر ويسألني عمن قتل والده؟ بماذا سأجيبه؟؟؟". وختمت بالقول: "حاكم التخقيق ارتكز على تقطة عدم قيامي بالحق الشخصي لغلق الملف دون إعلامي ولكنه في المقابل كان يتسلم مني التقارير والوثائق التي تهم القضية كما أنه لم يطلب مني القيام بالحق الشخصي، أما الأستاذة ليلى الحداد فقد قامت بتعمير مطلب نيابة في القضية وكانت على اتصال دائم بحاكم التحقيق ولكنه لم يعلمها بقرار حفظ القضية إلا بعد فوات مدة الحق في الاستئناف وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن سبب مثل هذا التصرف.. سأقوم بإعادة نشر القضية على المسؤولية الخاصة فقط من أجل أن يعرف ابني هوية قاتل والده..". التستر عن الحقيقة وفي نفس الإطار قال علي المكي رئيس جمعية لن ننساكم :"القضاء العسكري تجاوز مرحلة عدم كشف الحقيقة إلى مرحلة التستر عن الحقيقة فقد صدمت أمس الأول عائلة الشهيد سفيان بن جمالة رحمه الله بأن قضيته قد تم حفظها بسبب عدم التعرف على القاتل بعد أن قام قاضي التحقيق العسكري بتونس بحفظ القضية دون إعلام عائلة الشهيد أو محاميها"، مضيفا:" إستشهد الوكيل الأول بالجيش سفيان على إثر مطاردته لقناصة فوق أسطح عمارة مما تسبب في إصابته برصاصة في الرأس أودت بحياته ورغم أن قوات الجيش يومها قد أمسكت بالمجرمين وتما توثيق ذلك بالصور والفيديوهات وشهادة الحضور إلا أن كل ذلك لم يقنع قاضي التحقيق العسكري حيث أصر على اعتبار الجريمة ضد مجهول وبالتالي حفظها ودون إعلام أي كان من المعنيين بها". مطاردة قناصة وبالعودة إلى وقائع هذه الحادثة التي تعهد بالبحث فيها حاكم التحقيق العسكري بالمكتب الثالث بالمحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بتونس يتبين أن الشهيد سفيان بن جمالة(من مواليد 1975) العون بجيش البحر(البحرية الوطنية) برتبة وكيل انضم بعد تدهور الوضع الأمني وإعلان حالة الطوارئ بالبلاد إلى قوات الجيش الوطني المرابطة بولاية بنزرت لحماية المنشئات العمومية ومقرات السيادة والمواطنين وممتلكاتهم والسيطرة على كل انفلات أمني قد يحصل. وفعلا فقد غادر سفيان منزله الكائن بمنزل بورقيبة قبل أسبوع من وفاته بعد أن ودع زوجته وعائلته وتوجه إلى مدينة بنزرت للمشاركة في إعادة الأمن للمدينة ومكافحة كل المظاهر المخلة بالأمن العام.. مرت الأيام الأولى بسلام رغم الانفلات الأمني، ولكن يوم 16 جانفي 2011 شهدت الأوضاع الأمنية ببنزرتالمدينة تدهورا غير مسبوق واندلعت مواجهات ضارية بين عدد ممن قيل إنهم قناصة اعتلوا أسطح العمارات وقوات الجيش الوطني مما أسفر عن سقوط جرحى وقتلى بالرصاص كان سفيان من بينهم أثناء قيامه بواجبه الوطني في الذود عن أمن تونس. سيارة وحقائب سلاح وذكرت مصادر عائلية ل"الصباح" أن شهود عيان لمحوا في ساعة مبكرة من صباح يوم 16 جانفي 2011 قدوم سيارة من نوع"مرسيدس"(طراز قديم) إلى وسط مدينة بنزرت وتوقفها أمام عمارة يقطن بإحدى شققها عدد من أعوان الأمن ثم نزول أربعة أشخاص منها يرتدون ملابس سوداء ويحمل كل واحد منهم حقيبة ودخولهم إلى العمارة، وبعد ساعات فقط ظهر عدد منهم يعتلون سطح البناية ويطلقون الرصاص على طريقة القنص. اشتباكات مسلحة مصادرنا أكدت أن قوات الجيش وحال ورود المعلومة عليها تحولت في حدود الساعة الواحدة والنصف بعد زوال ذلك اليوم إلى عين المكان وكان من بين عناصرها الوكيل سفيان.. لتدور مواجهات واشتباكات مسلحة بينها وبين هؤلاء"القناصة" نجحت إثرها قوات الجيش التي استعانت بمروحية عسكرية في القبض على اثنين من المسلحين فيما سقط سفيان شهيدا بعد قنصه برصاصة في الرقبة. سر آخر مكالمة هاتفية وهنا قالت أرملته إن زوجها كان يرتدي الزي العسكري المدعم بصدرية و"كاسك" مضادتين للرصاص،"غير أن خبرة المسلح ودقته تمكنتا من قنص سفيان بعد أن أصابه برصاصة في الجهة الخلفية للرقبة"، مضيفة أن زوجها أعلمها هاتفيا كما أعلم شقيقه مباشرة قبل وفاته بنجاح أعوان الجيش الوطني في القبض على عدد من المسلحين يستقلون سيارات مكتراة، ولكن بالتثبت في بطاقات تعريفهم الوطنية تبين أنها تحمل صفة"عامل يومي" وهو ما أثار تعجب الجميع، ويدل-حسب قول محدثتنا- ان جهة ما قامت بتسليح هؤلاء لإثارة الرعب والفوضى في البلاد. الأرملة الشابة الباحثة عن حق زوجها والمسؤول عن قتله قالت إن شهود عيان أكدوا لها أن قوات الجيش الوطني أوقفت ما لا يقل عن قناصين في ذلك اليوم أحدهما أدخل إلى محل تارزي قبل نقله إلى مقر قيادة الجيش بالجهة كما ان أحدهم سقط من علو مرتفع وأصيب بكسر في ساقه حين حاول الفرار.