كاتب الدولة المكلف بالشركات الاهلية: قريبا الترفيع في سقف تمويل الشركات الأهلية الى مليون دينار    مقترح قانون: السجن لكل من يُساعد أجنبي أو يُسهّل دخوله الى تونس بصفة غير شرعية    قوافل قفصة تفوز على مستقبل سليمان...ترتيب مرحلة تفادي النزول للبطولة الوطنية    عاجل/ فتح تحقيق في واقعة حجب العلم بمسبح رادس    بالصور/بمشاركة "Kia"و"ubci": تفاصيل النسخة الثامنة عشر لدورة تونس المفتوحة للتنس..    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    ماء الصوناد صالح للشرب لكن التونسي تعود على شرب المياه المعلبة... مدير عام الصوناد يوضح    البنك المركزي التركي يتوقع بلوغ التضخم نسبة %76    قفصة: تأثيرات إيجابية لتهاطل الأمطار على مواسم الزراعات الكبرى والغراسات المثمرة والخضروات والأعلاف    القطاع الغابي في تونس: القيمة الاقتصادية وبيانات الحرائق    السلاطة المشوية وأمّك حورية ضمن أفضل السلطات حول العالم    الكاف: عروض مسرحية متنوعة وقرابة 600 مشاركا في الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    جندوبة: حريقان والحماية المدنية تمنع الكارثة    قليبية: الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    بطاقة جلب في حق سنية الدهماني    رادس: إيقاف شخصين يروجان المخدرات بالوسط المدرسي    اليوم: فتح باب التسجيل عن بعد بالسنة الأولى من التعليم الأساسي    بطاقة جلب في حق سنية الدهماني    عميد المحامين: نتعرّض للتحريض من قبل هؤلاء ما أدى لمحاولة قتل محام    بقيمة 7 ملايين دينار: شركة النقل بصفاقس تتسلم 10 حافلات جديدة    بلطة بوعوان: العثور على طفل ال 17 سنة مشنوقا    عاجل/ غلاء أسعار الأضاحي: مفتي الجمهورية يحسمها    رئيس منظمة إرشاد المستهلك: أسعار لحوم الضأن لدى القصابين خيالية    كأس تونس: تغيير موعد مواجهة مباراة نادي محيط قرقنة ومستقبل المرسى    حوادث : مقتل 10 أشخاص وإصابة 396 آخرين خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    بطولة روما للتنس: أنس جابر تستهل اليوم المشوار بمواجهة المصنفة 58 عالميا    الرابطة الأولى: برنامج مواجهات اليوم لمرحلتي التتويج وتفادي النزول    عاجل/حادثة اعتداء أم على طفليها وإحالتهما على الانعاش: معطيات جديدة وصادمة..    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    دائرة الاتهام ترفض الإفراج عن محمد بوغلاب    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    اسألوني ..يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    الكشف عن توقيت مباراة أنس جابر و صوفيا كينين…برنامج النّقل التلفزي    بسبب خلاف مع زوجته.. فرنسي يصيب شرطيين بجروح خطيرة    قوات الاحتلال تمنع دخول 400 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة..#خبر_عاجل    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين على سفينة في خليج عدن عبر زورق مسلحين    مدنين.. مشاريع لانتاج الطاقة    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    بلا كهرباء ولا ماء، ديون متراكمة وتشريعات مفقودة .. مراكز الفنون الدرامية والركحية تستغيث    أحمد العوضي عن عودته لياسمين عبدالعزيز: "رجوعنا أمر خاص جداً"    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    ممثلة الافلام الاباحية ستورمي دانيلز تتحدث عن علاقتها بترامب    المغرب: رجل يستيقظ ويخرج من التابوت قبل دفنه    اليوم: تصويت مرتقب في الأمم المتحدة بشأن عضوية فلسطين    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    بنزرت.. الاحتفاظ بثلاثة اشخاص وإحالة طفلين بتهمة التدليس    نبات الخزامى فوائده وأضراره    اللغة العربية معرضة للانقراض….    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    سلالة "كوفيد" جديدة "يصعب إيقافها" تثير المخاوف    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الشروق» حصلت على وثائق سرية : حقيقة لغز القنّاصة
نشر في الشروق يوم 29 - 01 - 2013

من الطبيعي أن يُخفي القاتل جريمته لكن من غير الطبيعي أن يخفي المسؤول بالدولة جريمة القتل، فما بالك اذا كان الضحية قدّم دمه من أجل انجاز الثورة. القاتل هو القناص، هل فعلا لا وجود لقنّاصة؟ ما الحقيقة؟ لماذا السعي لإخفائها؟

في وثيقة سرية تم تسريبها مؤخرا وتمكنت «الشروق» من الحصول على نسخة منها، وهي عبارة عن تقرير رفعه قائد عسكري ميداني كان شاهدا وفاعلا في أحداث جدت بأحد أحياء العاصمة يوم 15 جانفي 2011.

الوقائع جدت بحي 5 ديسمبر (الكرم) وفي فترة زمنية تمتد من الساعة الحادية عشرة صباحا من يوم السبت 15 جانفي الى الساعة الخامسة صباحا من الأحد 16 جانفي 2011 الوثيقة في شكل تقرير كتبه قائد عسكري اسمه «ع. ز» وهو آمر بمركز وصفته «العنصر العسكري المكلف بحماية الكرم الغربية (حي 5 ديسمبر)» يوم 15 جانفي 2011 والوثيقة تم توجيهها الى فيلق الشرطة العسكرية بتاريخ 5 أفريل 2011.

القناصة رسميا

وحسب نفس الوثيقة فإن «العنصر العسكري» وضعت تحت إمرته 14 عسكريا وكان مكلفا بحماية المنشآت الحساسة التابعة للدولة والتي لم يشملها التخريب.
حسب نفس التقرير، فإن يوم 15 جانفي كان مليئا بالأحداث لكن أول ذكر للقناصة كان في الصفحة الثانية وحسب الترتيب الزمني بداية من الساعة العاشرة ليلا و45 دقيقة.

اذ كانت الافادة عن وجود «3 قناصة بالقبة الخضراء بقصر المعارض بالكرم يطلقون الرصاص على أفراد الدورية فأصابت غطاء السيارة العسكرية «ديفندر» بعد ان تم كشفهم».

ويفيد التقرير بأن حرّاس المعرض الذين كانوا بداخله أفادوا عبر الهاتف بوجود أشخاص مجهولين فوق القبّة بمنافذ التهوئة ولم يتم تحديدهم».
تدخلت دورية عسكرية مكلفة بحماية بنك الزيتونة الذي لا يبعد أكثر من 2 كلم عن القبة وقاموا ب«الرمي المضاد» اي أطلقوا النار في اتجاه مكان القناصة.

القوات الجوية

الرمي في اتجاه سطح القبة لم يجد نفعا لذلك تم اللجوء الى سلاح الجو اذ تم طلب التعزيز بمروحية هيلوكبتر تدخلت في حدود الساعة منتصف الليل و25 دقيقة من فجر يوم الاحد 16 جانفي 2011 وقامت المروحية «بالرمي على القناصة بالقبة» ثم تمّ ابلاغ فرقة مقاومة الارهاب، اذ كانت حالة الطوارئ في البلاد وكان الجيش ينسق مع الأمن.
التقرير ورد فيه ان فرقة مقاومة الارهاب وصلت تحت «إمرة نقيب وملازم أول للقيام بالجولة على العنصر القناص المنتصب بالقبة الخضراء بقصر المعارض بالكرم على متن مدرعتين وسيارة من الحجم الكبير «STAFETTE» مجهزة بشاشات تمكن من متابعة العمليات».

8 قناصة

بعد ان تم القضاء على القناصة وفي حدود الساعة الخامسة وخمس دقائق «بعد القيام بالصولة من طرف فرقة مقاومة الارهاب رفعت الجثث على متن المدرعة الثانية» وقال العنصر العسكري انه لم تتم إفادته رغم انه كان يقوم بالحماية من الخارج وقال ايضا حسب احد أفراد الفرقة فلقد تم القضاء على ثمانية (8) قناصة.
ما يمكن استنتاجه ان الرمي بالطيران لا يمكن ان يتم الا بأمر من القيادة العسكرية العليا، وهو ما يعني ان القيادة استشعرت المخاطر المحدّقة لذلك أمرت بضرب الهدف.
الطلق الناري كان كثيفا، اذ ان الرمي كان من العناصر العسكرية البرية ومن المروحية اضافة الى رد القناصة، وهو ما يؤكد ما ذهبت اليه بعض الفضائيات العربية من ان مواجهات مسلحة دارت بين الجيش وعناصر من الحرس الرئاسي، اذ كان دوي الطلق الناري يسمع بوضوح في الاحياء المحيطة بالقصر الرئاسي، الا ان الخبر كانت تنقصه الدقة فالمواجهات كانت بين الجيش وعناصر من القناصة ولم يكن بين الجيش والحرس الرئاسي.

أحداث اضافية

الوثيقة ترتقي الى مستوى المنعرج في الارشفة العسكرية لأحداث الثورة اذ تعطي صورة من عسكري عن الاحداث في الكرم خلال كامل يوم السبت 15 جانفي وصباح الأحد 16 جانفي 2011 وقد أورد العنصر العسكري «ع ز» انه في حدود الساعة 11 و30 دقيقة من صباح يوم السبت، برزت سيارة من نوع «كيا Kia» بيضاء اللون كان على متنها شخصان، وكان السائق ماسكا بيده مسدسا ويطلق النار على المواطنين فأصاب مواطنة في مستوى الرأس فتدخلت الدورية العسكرية وأطلقت النار في الهواء ثم على اطارات السيارة المطاطية وكانت مسرعة «بسرعة جنونية» كما وصفها التقرير، فاصطدمت بعد اصابتها بالرصيف ثم تتجاوز مكان الدورية وتصطدم بحائط منزل.
لم ينته الحادث عند هذا الأمر، إذ بعد أن توقفت السيارة جرّاء الاصطدام نزل منها الراكبان وتمكّنا من التحصّن بالفرار وسط الأنهج ولم يتم إلقاء القبض عليهما.

في حدود الساعة الثالثة والنصف من مساء يوم السبت تمّت محاصرة سيارة مستأجرة من نوع «رينو سنبول Synbole» رقمها المنجمي التسلسلي 146 وكان على متنها 4 أشخاص مسلحين، تمّ الابلاغ عن وجودها من قبل المواطنين بعدما خرجت من المنطقة الصناعية المحاذية للكرم الغربي، في مستوى ملتقى الطرق قرب الباب الرئيسي لقصر المعارض بالكرم بجانب محطة الحافلات «من طرف دورية مترجّلة تابعة لعنصر حماية الكرم الغربي» إضافة الي ناقلة جند ودورية متنقلة تابعة للقوات الخاصة».

رفض ركاب السيارة تسليم أنفسهم وقاموا بإطلاق النار على عناصر القوات الخاصة وتمّ تبادل إطلاق النار، نتج عنه جرح أحد الركاب ووفاة البقية وخلال تلك الأحداث قدمت سيارة رباعية الدفع من الاتجاه المعاكس، في بادئ الأمر انصاعت الى الأوامر وتوقفت، ثم فجأة انطلقت بسرعة هاربة، فتمّ إطلاق النار عليها من ناقلة الجند فنتج عن ذلك انفلاق عجلتين وجرح امرأة من ركابها على مستوى الكتف الأيمن وجرح السائق على مستوى يده اليسرى».

السيارة كان على متنها امرأتان وثلاثة رجال.
أثناء تلك المواجهات، تمّ التعرّف على بعض الجثث كان من بينها أمنيون ومن لهم صلة بالمال والأعمال.

سيارات مأجورة

السيارات المكتراة التي تمّ استعمالها في العديد من الأحياء لقنص المواطنين وإحداث حالة من الترويع، لم يتم البحث في صلتها بالسيارات التي خرجت ليلة 13 جانفي إثر خطاب بن علي، كل المصادر تفيد بأن عددا من تلك السيارات لعبت دورا مسلحا في مواجهات ما بعد الرابع عشر من جانفي، إذ أنهم فوجئوا بفرار بن علي، وكان عليهم إفشال الثورة بأي ثمن وإحداث حالة من الانفلات الأمني والفوضى.

القناص العسكري

بالرجوع، أيضا الى تقرير الطب الشرعي في القضية عدد 27008/3 المسجلة بالمحكمة الابتدائية ببنزرت قبل أن تأخذ طريقها الى المحكمة العسكرية، فإننا نجد معاينة لإصابة شاب عمره 27 سنة توفي بالمستشفى الجهوي ببنزرت في حدود الساعة 11 و45 دقيقة من يوم الاثنين 17 جانفي 2011، إذ ورد بالتقرير أنه أصيب في مستوى الرأس، بين الاذن والعين بطلق ناري.
الهالك كان يعمل بالمستشفى لحراسة أحد المساجين والقاتل كان متمركزا ببناية تابعة للمدرسة التقنية لجيش البرّ.

حسب شهادة أمام قاضي التحقيق الأول بالمكتب الثاني لدى المحكمة العسكرية الدائمة بتونس بتاريخ 2 جوان 2011، فإن المدعو «م س» وهو عسكري قال إنه تمّ تعيينه يوم 14 جانفي 2011 من طرف القيادة بالمدرسة لحماية الثكنة بموجب إعلان حالة الطوارئ بكامل البلاد، وقال إنه «تمّ تزويده بسلاح ناري بندقية قناصة SSG عيار 7.62مم بحكم أنه مختص في الرماية بمثل ذلك السلاح، وبالفعل، فلقد كان مستشفى الحبيب بوقطفة الجهوي ببنزرت، وهو بناية عالية، موضوع اطلاق نار، إذ قال المدعو «م . س» أن تمّ إعلامه بوجود مسلّحين فوق المستشفى فتمّ إعلام مروحية عسكرية طافت بالمكان، وقال إنه رأى شخصا يحمل سلاحا وكان يصوّب نحو المروحية، فأطلق عليه النار من بندقية القنص SSG عيار 7.62مم.

الضحية لم يكن غير عون السجون أمين القرامي إذ أصابته الرصاصة على مستوى أسفل أذنه.

محاكمة العسكري «م . س» أعلنت رسميا عن محاكمة أول قناص، لكن أين بقية القناصة وخاصة أولئك الذين ظهروا في تالة والقصرين من 8 الى 12 جانفي 2011؟

أين الآخرون ؟

حسب ما صرّح لنا به الأستاذ شرف الدين القليل المحامي، الذي ينوب في جلّ قضايا شهداء الثورة وقتلاها، أن العسكري القناص الذي قتل عون السجون أمين القرامي اعترف بوجود قناصة آخرين.
وحسب كل الأبحاث، فقد نشط القناصة بشكل جلي في تالة والقصرين، وتحدّث الشهود في ساحة الشهداء بحي الزهور عن الرمي من فوق صيدلية المكان.
وبالرجوع الى كل الاصابات التي وقعت برصاص القناصة، فإنها تكون في المناطق القاتلة، وهي إما الرأس أو القلب أو الصدر أو الظهر لإصابة القلب، القناص يقتل ولا يجرح.

وبالرجوع الى عدد الشهداء والقتلى سواء قبل الرابع عشر من جانفي أو بعد ذلك، فإن تقرير «اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق في التجاوزات والانتهاكات المسجلة خلال الفترة الممتدة من 17 ديسمبر 2010 الى حين زوال موجبها» الصادر في شهر أفريل من سنة 2012 فإن العدد وصل الى 338 بين شهيد وقتيل، وبتعداد الاصابات الحاصلة في ا لأماكن التي يصوّب نحوها القناصة، أي القلب أو الصدر أو الظهر لإصابة القلب أو الرأس، فإننا نجدّد عددها في حدود 134، وإذا استثنينا الذين استشهدوا أو قتلوا بغير الطلق الناري وهم 62 فإننا نجد الاصابات في الرأس، أي المرتبطة بدقّة الرمي 39 إصابة في الرأس بطلق ناري فيكون العدد الجملي للشهداء والمتوفين بالطلق الناري في حدود 276، أي بنسبة 48.55٪ قرابة النصف يفترض اصابتهم من قبل قناصة أو رماة مهرة.

رماة ماهرون

بالرجوع إلى تقرير لجنة استقصاء الحقائق فلقد أكدت حصول عمليات قنص بهدف القتل من قبل أعوان تابعين لقوات الأمن أطلقوا النار من فوق أسطح البنايات وصوبوا نحو أماكن قاتلة مثل الرأس والقلب والظهر والصدر.
ويضيف التقرير أيضا أن ما جرى بعد 14 جانفي فلقد اعتلى أعوان أمن أو جيش أسطح مبان عالية في إطار تأمين بعض البنايات وتنفيذا لخطة أمنية.

العمارة 21

في 25 أفريل 2011 أمام قاضي التحقيق بالمحكمة العسكرية الدائمة بتونس، ثم تسجيل أقوال الشاهد «ع.بن.ر» إذ أورد انه يوم 16 جانفي وحوالي منتصف النهار في مدينة بنزرت، توقفت سيارة مرسيدس بيضاء اللون نزل منها 4 أشخاص غرباء عن المكان، كان أحدهم قوي البنية أسمر البشرة يرتدي جمازة جلدية، نظر حواليه ليستكشف المكان فيما صعد الثلاثة الآخرون إلى سطح العمارة رقم 21 المجاورة لورشة عمله، وكان أحدهم يحمل بيده حقيبة رياضية كبيرة الحجم سوداء اللون تبدو ثقيلة، صعد الثلاثة ثم لحق بهم رابعهم، فيما غابت سيارة المرسيدس ثم تم التفطن لهؤلاء وجرى تبادل اطلاق نار معهم، وألقي القبض على الأقل على أحدهم من قبل دورية عسكرية.

السؤال، من يكون القناصة بعد تأكد وجودهم؟

شهادة من القصرين

عندما بحثنا في الملفات القضائية لملف شهداء تالة والقصرين كان واضحا مثلا من خلال شهادة بديع السويلمي الذي التقى الشهيد صابر الرطيبي قبل إصابته قال «إن قناصة تابعين لوحدات التدخل كانوا يتمركزون لعدة أيام لمجابهة المسيرات وقنص الثوار فوق عدة بنايات في حي الزهور، إذ كانوا يتمركزون فوق صيدلية الحي ومقهى اليمامة ومنزلين قريبين» وقال انه شاهد امرأة قناصة وهو ما أكده عدد آخر من الشهود الذين التقيناهم في حي الزهور من ولاية القصرين.

تصريحات عسكرية: القناصة أمنيون

من جهة أخرى وبالرجوع إلى تصريحات العميد مروان بوقرة مدير القضاء العسكري، في جانفي من سنة 2012 تعليقا على موضوع القناصة فإنه يتهم بصريح العبارة أعوان الأمن إذ يقول «تبين قيام بعض أعوان من قوات النظام الداخلي كانوا بزيهم النظامي ويرتدون أقنعة على شاكلة القناصة قاموا باعتلاء أسطح مبان عالية، من ذلك مثلا كل من أسطح منطقة الحرس الوطني ومركز الأمن الوطني بحي الزهور بالقصرين، وبعض المنازل المجاورة، تسمح لهم باستهداف ضحاياهم في أماكن قاتلة وهو ما تم فعلا في حالات عديدة، من خلال تقارير الطب الشرعي، تبين اصابة العديد من الضحايا في مناطق قاتلة من الجسد على غرار الرأس والعنق والصدر بالإضافة إلى وجود إصابات بالبطن والكتف مما يؤكد أن عمليات الرمي كانت موجهة لازهاق أرواح المستهدفين».
ما قاله مروان بوقرة يتقاطع مع شهادة بديع السويلمي وعدد آخر من أهالي حي الزهور الذي أصبح اسمه حي الشهداء بمدينة القصرين.

التصريحات

بالرجوع إلى تصريحات كبار المسؤولين الأمنيين في عهد بن علي أمام القضاء العسكري، فإننا نجدهم جميعا ينفون وجود قناصة.
رفيق الحاج قاسم وزير الداخلية الأسبق قال إن المختصين في القنص في وزارة الداخلية يتبعون فرقة مقاومة الارهاب، وهي الفرقة التي لم تشارك في التصدي للمتظاهرين، كما قال بوجود مختصين في الحرس وفي الحرس الرئاسي.

من جهة أخرى قال جلال بودريقة العميد بوحدات التدخل والذي تمت إحالته على التقاعد الوجوبي، خلال استنطاقه من قبل المحكمة العسكرية «إن القناصة هم الرماة الممتازون بفرقة مقاومة الارهاب، ومقرها بوشوشة بالعاصمة، وهم يلبسون أقنعة ولباسا أسود وجمازات جلدية ويتدربون بمفردهم» وقال انهم لم يغادروا ثكنتهم ولم يشاركوا في قمع المتظاهرين.

أما مدير التفقدية العامة للأمن الوطني من 1997 إلى 26 جانفي 2011، علي منصور الذي أحيل بدوره على التقاعد الوجوبي فلقد قال أمام القضاء العسكري إن «القنص هو وضعية رماية صادرة عن رام ماهر، أكثر منها وجود قناصة من أهل الاختصاص».

وقال إن القناصة من داخل أعوان الأمن كانوا في وضعيات رماية ماهرة، واعتبر أنه لو كان هناك قناصة مختصون كما وجد جرحى ولأصابت كل رصاصة هدفها.
لماذا تنفي هذه القيادات الأمنية موضوع القناصة في الوقت الذي أكدته أحداث الكرم والتقرير الذي تحدث عن حادثة إصابة أمين القرامي؟

بالرجوع إلى تلك الاحداث وتقاطعا مع تصريحات الشهود أو حسب الملفات التي أمكن الاطلاع عليها مع ما قدمه العميد مروان بوقرة من معطيات، فإنه لا يمكننا أن نجزم بأن القناصة هم من أعوان النظام الداخلي، فقط بل ثبت ايضا وجود قناصة من الجيش استعملوا سلاح SSG عيار 7.62مم.

الإعلام الفرنسي

القناة الفرنسية الثانية في برنامجها «المبعوث الخاص»، الذي تم تصويره أثناء أحداث الثورة في القصرين تمكن خلاله فريق التصوير من التقاط صورة لشخص داخل مكان تحت حراسة عسكرية كان يضع على كتفه سلاحا رشاشا، يبدو انه من نوع شطاير عيار 5.56مم وسلاح آخر على كتفه الثاني ولكنه اخفي بغطاء صوفي.

وبمجرد ان تفطن عسكري الى وجود الكاميرا أمر الفريق الصحفي بإيقاف التصوير بشكل فوري وإثر ذلك قام فريق البرنامج عند بثه البرنامج بالتركيز على الشخص الذي كان يحمل سلاحين كان لسلاحه المخفي نفس المواصفات التي للأسلحة المستعملة للقنص.
المثير في البرنامج هو تعمد الفريق الصحفي إخفاء أرقام السلسلة لسيارات كانت بالمكان.

إذا ثبت وجود قناصة من تونس، ماهي حكاية الرصاص الذي لم يكن مطابقا للرصاص الموجود في تونس سواء في أسلحة أعوان الأمن او الحرس او الحرس الرئاسي او الجيش.

كانت تصريحات علي السرياطي لدى القضاء تفيد بوجود رصاص لم يسبق للقوات المسلحة في تونس ان استوردته وقد أكد هذا الأمر أكثر من تقرير فضلا عن بعض المحامين الذين ينوبون في قضايا الشهداء والجرحى، وهو ما يعني بأن هذا الرصاص تم جلبه لمجابهة المسيرات أثناء فترة الثورة وعملية الجلب لا تتم الا من الخارج وهو ما يرجّح اكثر من فرضية.

فرضيات

إما أن السلطات التونسية استوردت في الايام الأخيرة ذخيرة جديدة غير الموجودة لدى القوات المسلحة او ان جهات أجنبية أمدّت بعض الأشخاص في تونس بتلك الأسلحة او ان عناصر أجنبية هي التي قامت بعمليات القنص.

بالنسبة الى الفرضية الأولى غير ممكنة لأن كل الأبحاث والتقارير والشهادات تؤكد انه لم يتم استيراد الا قنابل مسيلة للدموع من ليبيا وكان من المنتظر وصول كميات من البرازيل في حين لم يتم استيراد اي نوع من الذخيرة من الخارج.

أما بالنسبة الى الفرضية الثانية أي وجود جهات أجنبية أمدّت بعض الاشخاص في تونس بتلك الاسلحة فهو أمر مرجّح بالنظر الى حالة الانفلات الأمني التي أصبحت عليها البلاد وبالنظر الى ما يمكن ان نسميه بحالة التفكك الحدودي في بعض الوضعيات هذا فضلا عن المبالغ المالية الهامة التي صاحبت عمليات السلاح.
إضافة الى تحوّل تونس في تلك الفترة الى مرتع للعديد من أجهزة المخابرات العالمية.

أما الفرضية الثالثة وهي وجود أجانب فإن إيقاف شخصين سويديين بنهج المختار عطية في قلب العاصمة على متن سيارة أجرة تاكسي كانا متجهين للإقامة بنزل في نهج خلفي لشارع الحبيب بورقيبة وحجزت لديهم أسلحة، قيل لاحقا انها أسلحة صيد وإنهم جاؤوا الى تونس يوم 16 جانفي 2011 لاصطياد الخنازير.

هذا السيناريو علّق عليه الخبير الروسي نيكولاي ستاركوف Nikolai Starkov بالقول «أية سخرية، سواح يصطادون الخنازير يوم 16 جانفي» وبترخيص من وزارة الداخلية؟

متى سلمتهم هذا الترخيص؟ مع العلم أن يوم 16 جانفي 2011 كان يوم أحد ومتى فتحت وزارة الداخلية أبوابها لتسليم أجانب رخصة لاصطحاب أسلحة من الخارج لاصطياد الخنازير؟

حكاية العيار 10 ملم

كل المؤشرات تؤكد كذب تلك الرواية ولا يمكن ان يكون «السائحان» الا جزءا من «منظومة» القتل والاغتيال اذ ان نفس السيناريو تقريبا عرفته اليمن ثم مصر وسوريا!!
وما يؤكد هذه الفرضية، هو ما قالته الأستاذة ليلى حداد المحامية النائبة في قضايا الشهداء أمام القضاء العسكري، اذ قالت إنه تم دفن جثمان الشهيد محمد أمين المباركي، الذي استشهد يوم 9 جانفي 2011 بعد إصابته في الرأس وسط حي الزهور وكانت اصابته دقيقة ومتعمدة وفقا للأبحاث التي تم اجراؤها ودفنه دون اجراء اختبار بالستي اي اختبار على الرصاص الذي تم استعماله، وقالت إن القضاء اصدر قرارا باستخراج رفات الشهيد وتبيّن ان عيار الرصاصة التي اصابته غير موجود في تونس وغير مستخدم لا من قبل قوات الامن ولا الحرس الجيش ولا الحرس الرئاسي، اي غير مستعمل من قبل اي قوة من القوات المسلحة في تونس.

الأستاذة الحداد قالت إن الرصاصة التي أصابت الشهيد محمد أمين المباركي كانت عيار 10 ملم وهو من الأعيرة التي لم يسبق استعمالها في تونس.
وهو ما يؤشر على وجود سلاح غير مسجل، اذ حسب الخبراء والمختصين فإن أي سلاح يدخل الى تونس لابدّ من تسجيله وإعطائه رمزا عدديا من قبل المؤسسة العسكرية.

ان وجود عيار لرصاص لم يسبق استعماله في تونس لا يعني بالضرورة ان من يستعمله هو أجنبي بل يمكن لبعض الاجهزة التي كانت نافذة في عهد بن علي مثل الرئاسة ادخال أسلحة دون أن تمر عبر المؤسسة العسكرية، لكن السؤال الذي يظل مطروحا، هل كان الغرض من استعمال القناصة هو القضاء على الثورة واخماد انتفاضة الشعب من خلال القتل؟

استراتيجيا القناصة

بالرجوع الى ما قاله الخبير والباحث الروسي «نيكولاي ستاركوف»، في دراسات أو في وسائل اعلام روسية أو فرنسية، فانه لابد من خلق حالة من أجل الدفع نحو تفاقم المواجهة حسب رأيه، وذلك باستعمال قناصة يطلقون النار على المتظاهرين، وقال لقد ظهر القناصة في تونس وفي اليمن وسوريا وفي ليبيا خاصة بنغازي.

وقال أيضا، إن التقنية المتبعة واحدة في كل دول ما يسمّى بالربيع العربي، وتساءل قائلا، لماذا تلجأ سلطات البلاد الى استعمال القناصة في حين هي قادرة على تفريق المتظاهرين بوسائل اخرى؟

وقال أيضا، ان القناصة، لم يظهروا اطلاقا في العراق، وأرجع ذلك الى أن الامريكيين يسيطرون على البلاد والبلد خاضع لهم تماما وقال انه لا يمكن الدفع نحو اسقاط حكومة العراق قبل انهاء مهمتها.

وسخر الخبير والباحث ستاركوف، من القول بأن السويديين الذين ألقي عليهما القبض بنهج المختار عطية وسط العاصمة تونس يوم 16 جانفي 2012، جاءا لاصطياد الخنازير وقد تم اطلاق سراحهما.

وفي شهادة سائق التاكسي التي كانت تنقلهما الى نزل الكنتينونتال، «continental» الذي يقع خلف شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة فإنه تم التركيز عليه في الاعتداء بشكل هستيري، بعد أن تفطن اليهما أحد الشبان، وقال سائق التاكسي «كان أعوان الأمن يستهدفونني بالضرب المبرح دون التوجه الى السائحين».

ستاركوف أرجع الأمر الى أن الثورة التونسية نجحت ولم يعد أحد وقتها يسأل عن أولئك، فتم استغلال الظرف وتمّ اطلاق سراحهما، وانهي موضوعهما بشكل مريب. ويضيف الباحث بأن استعمال القناصة كان بغاية احلال الفوضى في البلاد.

واعتبر أن موضوع القناصة يتم توظيفه في الثورات لاحلال الفوضى، واتهم الولايات المتحدة الامريكية بالوقوف وراء موضوع القناصة، وتوقع ألا تكون السعودية بمنأى عن ذلك، وقال إن الولايات المتحدة تتفق مع «طالبان» والقاعدة لاسقاط بعض الانظمة وسوف تتحرّك لاحقا نحو طاجكستان ومن ثم أوزباكستان باستعمال طالبان، وذلك لخنق روسيا.

وقال إن المرحلة الأولى هي الدول العربية والمرحلة الثانية سوف تكون باكستان حليفة الصين والثالثة هي استهداف روسيا واعتبر أن استعمال القناصة يدخل في استراتيجيا احداث الفوضى والارباك.

شرطة جيش أجانب

إن كل المعطيات تؤكد بأن القناصة هم حقيقة، وليسوا مجرّد رواية، وهو ما تؤكده الوقائع والملفات والاستنتاجات فاستعمال بنادق ذات أعيرة 7.62 ملم، هي بنادق قنص مثل نوع SSG، كما وجدت أعيرة 5.56 وهي أعيرة الرشاش شطاير، التي استعملت أحيانا للرمي بدقة وهو نوع من القنص، كذلك وجود رصاص عيار 10 ملم، عثر عليه في جثة أحد شهداء الثورة، وهو من نوع الاسلحة غير الموجودة في تونس.

وكان علي السرياطي مدير الأمن الرئاسي في عهد بن علي قد تحدّث أمام المحكمة العسكرية بصفاقس عن استعمال الرصاص 7.62 والرصاص عيار 10 ملم، وأكّد على وجود جهات أخرى والخبراء يتحدّثون عن أن هذا العيار هو نوع من أسلحة الكلاشنكوف، وهو سلاح غير مستخدم من قبل أجهزة الدولة الرسمية، وقد تحدّثت بعض المصادر بعد أكثر من عام عن الثورة، بأنه يتم من حين الى آخر حجز أسلحة مخفية في مبان وأماكن غير مؤمنة، تعتقد تلك المصادر أنها أسلحة أخفيت مباشرة اثر سقوط نظام بن علي وتم استخدامها في تلك الفترة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.