كشف المؤتمر الصحفي المطول الذي عقده امس ممثلو المنظمات الأربع الراعية لمبادرات الوساطة بين الاحزاب السياسية توافقات جديدة بين أبرز الاطراف السياسية في الترويكا والمعارضة.. لكنها كشفت كذلك "وصول الوسطاء الى مأزق" بسبب خلافات مع قيادة الترويكا وبصفة خاصة مع قيادة حركة النهضة التي وجه لها السيدان حسين العباسي وعبد الستار موسى انتقادات واضحة.. واتهموها ب"المناورة" وب"تعمد إضاعة الوقت" و"المغالطة"..
فما هي الخلافات بالضبط بين الأطراف السياسية الكبرى؟
وهل لا تزال تشقها خلافات جوهرية حول بنود "خارطة الطريق" التي اقترحتها القيادة العمالية وشركاؤها في اللجنة الرباعية؟
أم أن مختلف الأطراف لا تزال تلعب ورقة "ليّ الذراع" وتصعد سقف شروطها ومطالبها في محاولة لتحسين موقعها التفاوضي في المرحلة القادمة؟
حسب مصادرمختلفة من قيادات المعارضة والترويكا واللجنة الرباعية يبدو ان حصيلة الاسبوع الماضي من المفاوضات كانت لحسم خلافات سابقة حول النقاط التالية:
* أولا: مقترح حل المجلس التأسيسي:
وقد نجحت القيادة النقابية في اقناع المعارضة بمختلف مكوناتها بالعدول عنه.. لان حله يعني في نظر الترويكا وحلفائها "انقلابا ابيض على نتائج الانتخابات العامة" رغم تجاوز مدة أشغاله للعام "المتفق عليه".. وفي كل الحالات اعتبر غالبية قادة الاحزاب ان "شرعية الانتخابات العامة تبقى فوق كل الشرعيات".. و"المجلس المنتخب سيّد نفسه"..
* ثانيا: مقترح تنقيح "الدستور الصغير" المنظم للسلطات الذي سبق ان صادق عليه المجلس التاسيسي: وقد كان الخلاف جوهريا اول الامر بين الترويكا ومعارضين ونقابيين دعوا اول الامر الى ان يؤدي التنقيح الى "استبدال حل المجلس التاسيسي بتنازل غالبية اعضائه عن صلاحياتهم التشريعية وعن دورهم في مراقبة السلطة التنفيذية لفائدة حكومة الكفاءات المستقلة (او حكومة الانتخابات) التي ستستلم مقاليد الامور من الحكومة الحالية بعد انطلاق الحوار الوطني..".
وقد تنازلت المعارضة عن المقترح الثاني -بعد ان اقتنعت ان اكثر من نصف اعضاء المجلس رفضوها- وتقدمت مع اللجنة الرباعية بمقترح يهمّ النسبة المطلوبة لسحب الثقة من الحكومة القادمة هل تكون "الثلثين" مثلما طلبت "خارطة الطريق" او 50 بالمائة زائد واحد مثلما اقترحت حركة النهضة وحلفاؤها..
* ثالثا: مهام الحكومة القادمة: هل تكون "انتخابية فقط" اي التحضير لانجاز الانتخابات في ظرف اشهر معدودة -مثلما تريد النهضة والترويكا وحلفاؤها- ام شاملة بما في ذلك اصدار قرارات بعزل مئات المسؤولين الموالين لحزب النهضة وحلفائه الذين عينوا خلال العامين الماضيين. وهو مطلب يتمسك به عدد من زعماء المعارضة واللجنة الرباعية..؟
* رابعا: طبيعة الحكومة القادمة: هل تكون مستقلة عن كل الاحزاب مثلما تطالب المعارضة و"خارطة الطريق" أم "حكومة ترويكا ثالثة بوجوه جديدة" على غرار ما يريد بعض زعامات النهضة والترويكا وحلفاؤهم؟
والخلاف حول هذه المسألة برر الى حد كبير المؤتمر الصحفي الذي عقده امس زعماء "الرباعية".. بعد ان فهموا من النقطة الثالثة الواردة في بيان النهضة مساء الجمعة "ايحاء ضمنيا" بكون رئيس الحكومة "المستقل" القادم سيكون "نهضويا" او مقربا من الترويكا.. وكذلك غالبية الوزراء في الحكومة القادمة.. "مادامت" الكلمة الفصل في المصادقة على اسم رئيس الحكومة القادم "وأعضاده ستكون للمجلس الوطني التاسيسي.. حيث الاغلبية بحوالي ثلثي المقاعد لحركة النهضة وحلفائها داخل الترويكا وخارجها.. الأمر الذي فسّر مصادقة اكثر من 70 بالمائة من اعضاء المجلس على حكومة السيد علي العريض بعد أزمة فيفري مارس الماضي..
* خامسا: آجال تنفيذ "خارطة الطريق".. إذ كشفت وساطات "اللجنة الرباعية" ان اولوية النهضة وحلفائها التعجيل بتنظيم الانتخابات القادمة بينما تعتبر اغلب فصائل المعارضة ينبغي ان تكون "لإقالة المسؤولين الموالين للنهضة والترويكا في مختلف مؤسسات الدولة والادارات المركزية والجهوية".. ويعتبر بعض زعماء المعارضة ان "تلك التعيينات ستساهم في تزييف الانتخابات مباشرة وغير مباشرة بحكم تحالف غالبية رموز 'المال السياسي' مع الاحزاب الحاكمة والمسؤولين الفعليين عن تسيير شؤون البلاد".. ويرفض قياديون في الترويكا ان تسند الى الحكومة الانتقالية "المستقلة" القادمة صلاحية "طرد الولاة والمعتمدين والمسؤولين الموالين لاحزاب الترويكا" بحجة ان "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" ستكون المشرف الوحيد على العملية الانتخابية.. "والادارة" ستكون في خدمتها على غرار الادارة في عهد حكومة السيد الباجي قائد السبسي التي عين فيها آلاف الموالين لاحزاب مناوئة للنهضة والترويكا بمن فيهم اكثر من 1200 مدير مؤسسة تربوية لعب بعضهم دورا نشيطا في الهيئات الجهوية والمحلية للانتخابات"..
سادسا: شرط ابرام عقد هدنة اجتماعية تلتزم فيه كل الاطراف بوقف الاضرابات وهو مطلب تقدم به قياديون في الترويكا وحلفائها وترفضه قيادات نقابية ومعارضة..
هذه النقاط وغيرها من القضايا السياسية والتقنية المعلنة والمسكوت عنها بين الترويكا والمعارضة.. قد تسفر جهود الحكماء والوسطاء المستقلين عن تحقيق "توافقات حولها" قبل ان تندلع "ألغام جديدة" تعمق التناقضات بين "الإخوة الأعداء" مثل الاضطرابات الاجتماعية والامنية.. والمعارك "القضائية" مثل اعادة فتح ملف "الخلافات المعروضة على المحكمة الادارية حول لجنة فرز الترشحات لعضوية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات".. رغم غلق هذا الملف سابقا من قبل وفد يضم نوابا من الترويكا واخرين معارضين بينهم الشهيد محمد البراهمي.. بعد جلسة عمل عقدوها مع رئاسة محكمة التعقيب..
فهل لا تكون الطبقة السياسية الحالية بصدد لعب ورقة "مأساة حجرة سيزيف".