◄ تونس بين «خيارين أحلاهما مر»! تتواصل محاولات المركزية النقابية وقيادات المنظمات الأربع للتقريب بين مواقف المعارضة والائتلاف الحكومي.. في ما يتعلق بالمواعيد السياسية والانتخابية القادمة.. وتعويض الحكومة الحالية بحكومة "شخصيات غير متحزبة".. تراسها "شخصية مستقلة".. وتكثفت لقاءات رئيس الجمهورية الدكتور محمد المنصف المرزوقي مع سياسيين وقياديين في عدد من أحزاب المعارضة والائتلاف الحاكم وحلفائه.. في نفس الوقت تنوعت مقابلات السيد الباجي قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس وزعيم المعارضة مع نخبة من ابرز صناع القرار السياسي في البلاد وعلى رأسهم السادة راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة واحمد نجيب الشابي ومية الجريبي وحمة الهمامي عن الحزب الجمهوري وائتلاف "الاتحاد من أجل تونس" وزعامات "الأحزاب الدستورية" لا سيما السادة حامد القروي وكمال مرجان ومحمد جغام.. في وقت تعددت فيه مبادرات رئيس المجلس الوطني التأسيسي الدكتور مصطفى بن جعفر ومشاوراته مع غالبية الاطراف السياسية والحزبية.. ومع قيادات المجموعات الممثلة في المجلس وممثلين عن النواب الذين علقوا عضويتهم او جمّدوها في المجلس بعد جريمة اغتيال النائب القومي العروبي محمد البراهمي.. وفي مونبليزير مقر قيادة حركة النهضة والبحيرة مقر حزب نداء تونس وبقية مقرات الاحزاب تتواصل "الاجتماعات الماراطونية". فإلى أين تسير تونس في ضوء آخر المستجدات؟ تكشف التصريحات المتباينة الصادرة خلال الساعات والايام القليلة الماضية اختلافات في الاجندات بين ساسة ونقابيين ينتمون اساسا الى قطبين سياسيين كبيرين: الأول مازال متمسكا بسقف إقالة حكومة السيد علي العريض وبمطلب تعويضها بحكومة لا ينتمي اصحابها الى الاغلبية الحالية في المجلس التأسيسي وحكومة الترويكا.. كما يطالب هؤلاء بإقالة غالبية المسؤولين الذين عينوا بعد انتخابات 23 اكتوبر 2011 في مناصب سياسية وادارية مهمة.. "كخطوة للقطع مع مرحلة الفشل التي استفحل فيها الفلتان الأمني والاجتماعي والاقتصادي".. الثاني وافق على مبدإ تغيير الحكومة الحالية.. لكنه يشترط البدء بانطلاق الحوار الوطني بين اهم الفاعلين السياسيين حول "خريطة طريق واضحة" تتضمن طريقة اختيار رئيس الحكومة الجديدة وأعضائها.. وروزنامة "ما تبقى من المرحلة الانتقالية".. بما في ذلك تواريخ انطلاق أعمال الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمصادقة على الدستور وموعد تنظيم الانتخابات.. وهل تبدأ بالرئاسية أم بالتشريعية؟.. الخ... تغيير الواقع على الأرض أولا وبالرغم من محاولة كل طرف البرهنة على "حسن نواياه".. وعلى حرصه على "المصلحة العليا أولا".. تكشف تصريحات زعامات "جبهة الإنقاذ" و"الاتحاد من أجل تونس" من جهة وقيادات الائتلاف الحاكم وحلفائه من جهة اخرى ان "الجبهتين" المتصارعتين تضعان على راس اولوياتهما "تغيير المشهد السياسي على الارض "قبل خوض مغامرة المشاركة في العملية الانتخابية السياسية الجديدة.. وتكشف استطلاعات الرأي المختلفة -على محدوديتها- تخوف جل ساسة الائتلاف الحاكم و"جبهة الانقاذ" من المفاجآت التي قد تبوح بها صناديق الاقتراع.. في صورة تنظيم الانتخابات "في مثل هذا المناخ الاجتماعي والامني الصعب".. الذي تضاعفت فيه انتقادات الشباب والنساء والمستقلين لقيادات الأحزاب بأنواعها.. ولغالبية النشطاء "السياسيين والنقابيين والحقوقيين" ولكثير من وسائل الاعلام.. بما يعني "استفحال ازمة الثقة" في غالبية المؤسسات. الرسمية وشبه الرسمية حسب عالم النفس الاجتماعي الدكتور عبد الوهاب محجوب.. تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى؟ واذا كان "تنظيم الانتخابات في أقرب الآجال" من أهم الشعارات التي يؤكد عليها قياديون في حزبي "نداء تونس" و"النهضة" وتصريحات السيدة وداد بوشماوي رئيسة اتحاد الصناعة والتجارة والسيد حسين العباسي الامين العام لاتحاد الشغل وشريكيهما في "الوساطة بين الترويكا والمعارضة" عميد المحامين محمد محفوظ ورئيس رابطة حقوق الانسان عبد الستار موسى، فان مواقف بقية الاطراف تبدو مغايرة.. وتكشف القراءة المتأنية لأغلب أدبيات قياديين في الأحزاب ال180.. ان التعجيل بصياغة الدستور وتنظيم انتخابات الخروج من المرحلة الانتقالية "ليس الهدف والأولوية".. وهنا يظهر تباين كبير جدا بين تيارين: * الأول ترمز له قيادات في "الجبهة الشعبية" وبعض الاحزاب "الدستورية" تريد ان تحسم "معارك سياسية مصيرية".. قبل الاعلان عن بدء الحملات الانتخابية واعمال الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.. وتحاول هذه القيادات المضي في مسار "استخدام ورقة ضغط الشارع" وتنظيم "مزيد من اعتصامات الرحيل" ضد حكومة الترويكا وحركة النهضة.. واحياء مسار "حركة تمرد".. أسوة بالتجربة المصرية.. وتعلن ان "أكثر من مليون تونسي وتونسية وقعوا عرائض" مساندة لهم ولمطلب إقالة حكومة السيد علي العريض.. وبالنسبة لفصائل من هذا التيار ف"الرحيل" لا ينبغي ان يشمل الحكومة الائتلافية الحالية فقط بل كل "الهياكل التي أفرزتها انتخابات اكتوبر 2011 بما في ذلك رئيس الجمهورية والمجلس التأسيسي".. * أما التيار الثاني الذي يقوده السيدان الباجي قائد السبسي والطيب البكوش فيبدو "أكثر واقعية وبراغماتية".. ويقدم قراءة "واقعية" لمباردة اتحاد الشغل وشركائه في المفاوضات.. ويسعى هذا التيار الى إقالة اكثر ما يمكن من "النهضويين" وحلفائهم قبل تنظيم الانتخابات القادمة".. مع تجنب "أساليب الفوضويين" ومقترحات العودة الى مداهمة "الولاة والمعتمدين والادارات ومؤسسات الدولة" بهدف "طرد" المسؤولين المعينين عليها.. ويراهن هذا التيار على مفاوضات السيد الباجي قائد السبسي والمقربين منه و"الدستوريين المعتدلين" مع قيادات النهضة ورئاسات الجمهورية والمجلس الوطني التاسيسي والحكومة.. ومع بقية صانعي القرار السياسي في البلاد.. خياران أحلاهما مرّ وبعد اكثر من 40 يوما عن جرائم اغتيال المناضل محمد البراهمي والعسكريين في الشعانبي يبدو الفرقاء السياسيون في تونس بين حلول كثيرة أبرزها اثنان "احلاهما مرّ": * بالنسبة للترويكا: كشفت الأسابيع الماضية والمستجدات الاقليمية -خاصة بعد انقلاب مصر- ان اوراق "قوى الاسلام السياسي" تقلصت.. وان شعبية الاحزاب الفائزة في انتخابات اكتوبر 2011 تراجعت بشكل ملحوظ.. وهي مخيرة بين ان "تخسر كل شيء" او ان تقدم "تنازلات مؤلمة" من بينها التضحية بمواقع سيادية في الدولة.. والقيام بنقد ذاتي علني يؤدي الى إبعاد بعض المسؤولين في قياداتها عن تعثرها وعن اضطرابات البلاد وخيبات الامل شعبيا.. وعن الهزات الامنية والسياسية.. * بالنسبة للمعارضة: تبين ان العنصر الوحيد الذي يجمعها هو المطالبة باقالة الحكومة والترويكا لكن ما يقسمها اكثر بكثير.. كما تبين ان عشرات الالاف الذين نزلوا للتنديد بجرائم الاغتيال السياسي وبأخطاء الترويكا في الحكم لم يتفاعلوا مع "اعتصامات الرحيل".. ولا مع شعارات "تغيير المسؤولين" بالقوة عبر "الزحف على مكاتبهم" وتعويضهم ب"تنسيقيات الثورة"؟؟ كما تشق المعارضة تناقضات جوهرية بين مكوناتها اليسارية والليبيرالية والدستورية والتجمعية والقومية.. إذن فلا مفر بالنسبة للمعارضة الا ان تقبل بحلول "وسطى".. و باعادة "توحيد صفوفها" في جبهات انتخابية.. بعيدا عن تناقضاتها الايديولوجية.. وعن صراعات قياداتها على "الزعامة".. قد تخرج تونس من عنق الزجاجة قريبا.. اذا قبل الجميع القيام ب"تضحيات مؤلمة" مثلما اورد زعماء الرباعية المفاوضة.. واذا لم تتدخل "عناصر خارجية" لمنع انعقاد الجلسة العامة ل"التأسيسي" الاسبوع القادم..