منذ أسابيع والسفير الأمريكي بتونس يخوض لقاءات ماراطونية مع كل الفرقاء السياسيين ومع قيادة الاتحاد العام التونسي لحلحلة الأزمة السياسية الخطيرة التي انزلقت اليها البلاد عقب اغتيال النائب محمّد البراهمي.. الولاياتالمتحدة التي كانت لمخابراتها السبق المعلوماتي والاستخباراتي في الكشف عن مخطّط الموت المتربّص بالبراهمي الاّ أن الأمن التونسي أهمل أو تعمّد إهمال المعلومة التي وفّرها الجهاز الاستخباراتي الأمريكي ليلقى البراهمي حتفه قتلا بالرصاص، تبدو جهودها حثيثة في تطويق الأزمة السياسية في تونس وفي مساعدة حركة النهضة على تجاوز عثراتها.. ولكن نشاط جاكوب والس كان مكثفا ولافتا للانتباه الى درجة أنه بات طرفا قارا في اللقاءات السياسية والحوارات المفضية للحل.. وهو ما يدفعنا للتساؤل حول الأدوار الحقيقية التي يلعبها والس في تونس؟ في 24 جويلية 2012 وقع اعتماد الديبلوماسي الأمريكي المخضرم جاكوب والس سفيرا للولايات المتحدةالأمريكيةبتونس، وقد شغل قبل ذلك منصب نائب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى حيث كان المسؤول عن سياسة الولاياتالمتحدة فيما يتعلق بمصر وإسرائيل والأردن وسوريا ولبنان والفلسطينيين. كما شملت مهامه السابقة منصب القنصل العام الأمريكي ورئيس البعثة الأمريكية في القدس من جويلية 2005 إلى أوت 2009. وبصفته قنصلا عاما، قام بإدارة المحادثات الرسمية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والقيادة الفلسطينية. أحداث السفارة والاستنفار الأمريكي أحداث السفارة التي باغتت والس بعد حوالي شهرين من تولّي منصبه مثلت منعرجا في العلاقات الأمريكيةالتونسية ناهيك وأن السفارة كان موقفها حاسما في هذه المسألة وفي خرق واضح للأعراف الديبلوماسية لم تتردّد بعد ذلك في انتقاد الأحكام الصادرة ضدّ المورطين في هذه الأحداث وهو ما اعتبره شق كبير من الرأي العام تدخلا سافرا في الشأن التونسي الداخلي.. وبعد هذه الضجة ابتعد السفير نوعا ما عن الأضواء رغم لقاءاته المتفرّقة ببعض الزعماء السياسيين في تونس والذي لا أحد يعرف كنهها أو ما قيل فيها.. لكن اغتيال البراهمي وسقوط الاخوان في مصر أعاد السفير الى واجهة الأحداث حيث أصبح يتحرّك بقوة وعلى مرمى ومسمع من الجميع وبطريقة تنمّ عن تدخّل صارخ للارادة الأمريكية في رسم الواقع السياسي في تونس.. فجاكوب والس اجتمع تقريبا ولأكثر من مرة اجتماعات علنية وأخرى سرية بقيادات حزبية رفيعة المستوى في تونس، من اليسار واليمين ولو أن اللقاءات الثنائية التي جمعته بالغنوشي وبالسبسي هي التي كانت محل الاهتمام والمتابعة.. وبتطوّر وتعقّد الأزمة في تونس وتعنّت حركة النهضة وتمسّكها بمواقفها، ذكرت عدة مصادر ديبلوماسية غربية أن سفير الولاياتالمتحدة الأميركية بتونس جاكوب والس «أبلغ رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أن واشنطن قلقة على مسار الانتقال الديمقراطي في ظل الأزمة الحادة التي تعيشها البلاد منذ شهرين»، كما أوردت مصادر اعلامية غربية وعربية أن والس «أبلغ أيضا الغنوشي امتعاض واشنطن من الطريقة التي تدير بها النهضة شؤون البلاد، لافتا بالخصوص إلى تمسكها باحتكار الحياة السياسية وعدم انفتاحها على المعارضة العلمانية الأمر الذي عمق الأزمة». لقاءات رباعية الأبعاد.. جاكوب والس كان له لقاء أيضا مع الأمين العام لاتحاد الشغل (وهي من الأمور النادرة بالنسبة للديبلوماسيين الأمريكان في السابق) الذي يتزعّم الرباعي الراعي للحوار وتزامن هذا اللقاء مع اعتزام المنظمة الشغيلة المرور إلى مرحلة التصعيد عبر الاحتجاجات والإضرابات القطاعية لفرض مبادرة الرباعي على حركة النهضة وحلفائها. اللقاءات اللافتة التي قام بها والس تؤكّد أن علاقة تونسبالولاياتالمتحدة لا تقتصر فقط على التمثيل الديبلوماسي والانسجام في العلاقات الثنائية بل وصلت إلى حدّ التدخّل السافر في أبسط تفاصيل القرار السياسي التونسي، كما أن النشاط الاستخباراتي المكثّف للأمريكان في تونس، بالإضافة إلى تضارب الأقوال حول القاعدة العسكرية التي تعتزم أمريكا إنشاءها في تونس، يعطي لتونس ثقل استراتيجي أكبر من السابق ويعطي لجاكوب والس صلاحيات لم يحظ بها من سبقه من السفراء الاأمريكيين.