يتطلّع التونسيون إلى إنهاء مرحلة الانتقال الديمقراطي بتجنب أكثر ما يمكن من إضاعة الوقت والجهود. فالتجربة الأخيرة, تجربة محاولة إقناع الفرقاء السياسيّين بالجلوس حول طاولة الحوار لحل الأزمة السياسية التي تلت اغتيال النائب محمد البراهمي ( 25 جويلية ) أثبتت وجود نزعة نحو التمطيط والاسترسال في النقاش إلى ما لا نهاية له. واليوم وإذ نتوقع من السياسيّين والمنظمات الوطنية التي ترعى الحوارالوطني ببادرة من الإتحاد التونسي للشغل وبمشاركة الإتحاد الوطني للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وهيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن يكونوا قد استفادوا من هذه التجربة فإننا نتصورأن جميع الأطراف الفاعلة مقتنعة بان الحوار الوطني ليس غاية في حدّ ذاته. اليوم قطعنا شوطا مهمّا رغم صعوبة المرحلة وأعلن الجميع, الترويكا الحاكمة بما في ذلك حزب حركة النهضة وأحزاب المعارضة عن حسن النوايا ومهمّ جدا أن تنجح المرحلة القادمة ولكن الأهم من ذلك أن لا يكون الثمن أكبر بكثير من طاقة التونسيّين على مجابهته. يعلم الجميع أن الاقتصاد التونسي منهك وأن الوضع الإجتماعي هش وأن الوضع العام في تونس قابل للإشتعال في أي لحظة. تونس -ولا ينبغي أن نتعب من التذكير بذلك - لا تعوّل إلا على سواعد أبنائها وعلى فكرهم وكل يوم يمرّ تتعطل فيه قوى الإنتاج يضاعف من حجم الخسائر ويزيد في رهن مستقبل بلادنا. لا أمل لهذا البلد في أن يقلع مجدّدا ولا أمل في عودة البناء في غياب الاستقرار السياسي وتواصل حالة الفوضى التي تكاد تعمّ كل المجالات بلا استثناء. لذلك تتحمّل الأطراف المتصدرة للحوار الوطني من أحزاب سياسية ومنظمات وطنية راعية للحوار الوطني مسؤولية جسيمة بل نصل إلى حد القول أنه ممنوع عليهم الفشل. ممنوع عليهم الفشل لأن التونسيين يأملون في نتائج إيجابية ولأنه لا أحد يستطيع أن يضمن كيف سيكون الوضع لو حدث وفشل الحوار الوطني ثم لأن الوضع في البلاد لا يترك لهم الخيار. الانفلاتات متواصلة في مختلف المجالات. في الإدارات. في المؤسسات الاقتصادية العمومية وحتى الخاصة. لم تتخلص بلادنا من الانفلات الأمني وكل يوم يأتينا بكمّ جديد من الخروقات في هذا المجال. بل سجّلنا ابتكارات في مجال السّطو والاعتداء على المؤسسات وعلى المواطن, على أمنه الشخصي وعلى ممتلكاته إلخ... وقد لا نحتاج إلى التعريج على المسألة الأخلاقية وكيف حدث انزلاق خطير في هذا المجال وعلى السمعة التونسية التي تضرّرت كثيرا على المستوى الإقليمي والدولي لأن المسالة لم تعد خفيّة على احد. كل ذلك على خطورته يمكن ترميمه إذا ما وضعنا نصب أعيننا ضرورة التعجيل بإنهاء ما تبقى من المرحلة الإنتقالية.