ما يزال المأزق القانوني المتمثل في كيفية تجاوز مشكل الهيئة المستقلة للانتخابات محل أخذ وجذب..فقد بدا واضحا ان حل الاشكال ليس بالأمر الهيّن كما اعتقده بعض السياسيين.. وقد كنا نبّهنا في عدد "الصباح" ليوم الأحد 6 اكتوبر (راجع صفحة 4) الى المأزق القانوني لمشكل هيئة الانتخابات الذي لا يمكن حله في ظرف اسبوع باستكمال انتخاب تركيبة الهيئة دون الأخذ بعين الاعتبار لقرار المحكمة الإدارية التي دعت الى تجميد اعمال لجنة فرز ترشحات عضوية الهيئة واعادتها بسبب شوائب اجرائية وقانونية.. ولعل ما يؤكد "وعي" المتحاورين" بخطورة المسألة، وشعورهم بضرورة التأني في أخذ قرارات تهم المسار الانتخابي برمته..اتفاقهم على تأجيل انطلاق جلسة الحوار الفعلية الى ما بعد عيد الاضحى من اجل اعطاء فرصة لاستشارات قانونية معمّقة ومشاروات سياسية مكثفة خصوصا داخل الأحزاب المشاركة في الحوار الوطني للتوصل الى حل قانوني جذري. علما ان وفدا من رباعي الحوار الوطني التقى امس مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي وكان محور اللقاء مشكل الهيئة المستقلة للانتخابات وكيفية التعامل مع القرارات الاستعجالية الصادرة عن المحكمة الإدارية، ولجنة التوافقات.. حلان وموقفان متضادان وفي انتظار التوصل الى قرار سياسي على قاعدة حل قانوني جذري قبل كل شيء يضمن بناء مسار صلب غير اعرج في ما يتصل بتركيز هيئة الانتخابات وصولا الى تنظيم انتخابات حرة ونزيهة لا يمكن الطعن في نزاهتها لاحقا بسبب اخلالات قانونية او اجرائية..يمكن التفريق بين موقفين لا ثالث لهما: الأول يتعلق بإعادة فرز المترشحين لعضوية الهيئة وعددهم 400 ملف..حل تقدمت به هيئة الانقاذ الوطني..وتحديدا الأستاذ رافع بن عاشور ممثل حركة نداء تونس..ويبدو ان مؤيدي هذا المقترح ترددوا في التسليم بقبوله وطالب بعضهم بتنقيحه.. الاتجاه الثاني تقدمت به جمعية عتيد وتسانده جزئيا بعض منظمات الوطنية الراعية للحوار الوطني على غرار الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان، وأقلية من المساندين من السياسيين المشاركين في الحوار الوطني ويتمثل في اعادة فتح باب الترشحات لعضوية الهيئة المستثقلة للانتخابات، وبالتالي اعادة كافة مراحل الفرز اذعانا لقرار المحكمة الإدارية، واعادة تكليف هيئة كمال الجندوبي للعمل من خلال فتح باب التسجيل الإرادي للناخبين واعداد الأرضية للانتخابات بالتوازي مع الشروع في تركيز مسار الهيئة الجديدة.. بيان الرابطة والدعوة لتفعيل المرسوم 23 لكن بيان الرابطة الذي اصدرته امس والذي يقترب نسبيا من مقترح منظمة "عتيد" كان مفاجئا على اعتبار ان عضو رباعي الحوار الوطني خير اصداره منفردا،..ولا نعلم هل تم التشاور مع شركائها ونقصد هنا اتحاد الشغل، وهيئة المحامين، ومنظمة الأعراف..؟ كما يطرح بيان الرابطة أسئلة كثيرة : فهل غاب عن المنظمات الوطنية الراعية للحوار الوطني عمق الإشكال القانوني لهيئة الانتخابات؟ ولماذا لم تطرحه سابقا في خارطة الطريق ولم تعره اهتماما باستثناء ما تعلق بحرصها على الإسراع في استكمال تركيبة الهيئة؟؟ يذكر ان بيان الرابطة دعا الى إعادة تفعيل المرسوم 27 المنظم للهيئة المستقلة للانتخابات التي يراسها كمال الجندوبي..درءا لكل المخاطر والمطبات القانونية الناجمة عن مشكل لجنة الفرز.. واقترحت الرابطة في بيانها تفعيل هيئة الجندوبي التي " أشرفت بنجاح على انتخابات 23 أكتوبر 2011 بتركيبتها الأصلية باعتبارها هيكلا جاهزا لمباشرة العمل فورا لتوفر الخبرة والتجربة والكفاءة والمصداقية والثقة في أدائها وذلك بإعادة العمل بالمرسوم عدد 27 لسنة 2011 وتكليفها باستئناف عمليات تسجيل الناخبين فورا والإشراف على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة إلى حين انتهاء كامل المسار الانتقالي مع تعليق العمل بالقانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 المتعلق بالهيئة الجديدة إلى حين إجراء التعديلات الضرورية عليه إثر انتهاء كافة الاستحقاقات الانتخابية المرتبطة بالمرحلة الانتقالية".. وفق ما جاء في بيان الرابطة. وبررت الرابطة موقفها "..اعتبارا لضيق الوقت ولاسترجاع عنصر الثقة في المسار الانتقالي وحمايته من مزيد من الأزمات وتفاديا لمزيد تأجيل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة وتحسبا للتداعيات الخطيرة التي ستترتب عن عمليات التشكيك في الأعمال المتعلقة بتشكيل الهيئة المحدثة بمقتضاه والمهدّدة بالإبطال نهائيا من قبل المحكمة الإدارية." حلول ترقيعية وكان معز بوراوي في تصريحات صحفية اشار الى ان المسار الذي اقترحه في الجلسة الترتيبية ليوم أمس يفضي الى تنظيم انتخابات في ماي المقبل على اقصى تقدير واصفا الحلول الأخرى بالترقيعية قد تجعل المسار الانتخابي المقبل في خطر. ويقترب وصف ممثل عتيد من توصيف ادلى به عامر العريض ممثل حركة النهضة في الحوار الوطني الذي قال ان الحركة لن تقبل بحلول ترقيعية.. وبيّن أنّ إرساء مسار انتخابي صلب يتطلب التوصل إلى حل قانوني وسياسي توافقي للازمة المتعلقة بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وأكّد العريض أنّ النهضة لن تقبل بأي حل ترقيعي يهدف إلى تجاوز الإشكال فحسب باعتبار أنّ هناك مأزقا قانونيا متعلقا بالهيئة ومأزقا في مبادرة الرباعي في حد ذاتها من الواضح ان النخبة السياسية بين ائتلاف حكومي ومعارضة ومنظمات وطنية قد أدركت عمق المأزق القانوني لملف هيئة الانتخابات وان حله لا يمكن ان يكون الا قانونيا بشكل لا يمكن فيه توقع "رجة" قانونية أخرى قد تنبثق عن المحكمة الإدارية نفسها لو بعد حين..عندها سيكون مسار العملية الانتخابية برمته قد سقط في الماء وقد يؤدي ذلك الى ازمة سياسية جديدة قد تعصف بمسار انتقالي كامل لا قدر الله.. لكن الإشكال الحقيقي يكمن في الحل الذي سينتهجه الفرقاء السياسيون : هل سيقبلون بدعوة الرابطة لتفعيل المرسوم 27 وتجميد العمل بقانون 23 المحدث للهيئة الجديدة..، ام سيذهبون قدما في الحل الثاني المتمثل في إعادة فرز 400 ملف ترشح؟ لكن الحل الثاني محفوف بالمخاطر بالنظر الى ان القضايا الأصلية المتعلقة بلجنة الفرز لم تبت فيها المحكمة الإدارية بعد، ويرى مراقبون ان المحكمة لو اقرت بطلان إجراء ملف واحد من القضايا السبعة المنشورة لديها..سيكون جل اعمال الهيئة لاحقا حتى لو تم استكمال احداثها باطلة برمتها..حينها ستكون مسؤولية السياسيين الذين وافقوا على الحل الثاني جسيمة للغاية..