قرار احدى المحاكم اليمنية هذا الاسبوع تطليق الطفلة نجود ذات الثماني سنوات من العمر بعد زواج استمر مدة شهرين نظمته وخططت له عائلة الطفلة شكل صدمة من الوقع الثقيل على كل من تتبع اطوار الخبر الذي جاء ليعيد الى السطح احدى اكثر القضايا المغيبة في جزء لا يستهان به من العالم العربي وجزء من العالم الثالث بما في ذلك الهند وباكستان وافغانستان وايران وغيرها من المجتمعات التي لا تزال تخضع لثقافة الكهوف المظلمة وتصر على مصادرة العقل والفكر وترفض تخليصه من رواسب الجهل والتخلف وتقبل بتطويع العقيدة والدين لفرض احكام لا يمكن الا ان تقود المجتمعات الى الخلف وتمنع تغييرها ورقيها الى مصاف الدول المتقدمة التي تجعل من كرامة الانسان وانسانيته هدفا مقدسا لا يقبل الابتزاز. وحكاية نجود بكل اطوارها المأساوية وما تكشفه عن زواج القاصرات من اغتيال للطفولة وللفكر لا تختلف في ابعادها عن مسيرة العبيد في موريتانيا عندما خرجوا للاحتجاج على الغاء قانون الرق الذي يضمن لهم توفير الغذاء والمأوى في بيت سيدهم بكل ما يعنيه ذلك من رفض للحرية والانعتاق وتقرير المصير وهي مواقف لا يمكن ان تصدر الا عن جهل وخوف من المستقبل وهي لا تختلف ايضا عن حكاية فتاة القطيف التي اهتزت لها السعودية قبل اشهر والتي اضطر العاهل السعودي للتدخل لوضع حد لها او كذلك عن المآسي المرتبطة بختان الاناث في عديد المجتمعات العربية او بجرائم الشرف من مصر الى الاردن والسودان... ولاشك انه عندما تجبر طفلة الثماني سنوات في بلد مملكة سبا التي امتد نفوذها قديما من طرف والدها وعمها على الزواج برجل في عقده الثالث فان العمل لا يمكن ان يكون بسبب الحاجة والفقر فقط فالابناء اغلى واثمن من ان يتم التفريط بهم من اجل حفنة من المال او قطيع من البعير وهكذا خبر في الحقيقة لا يمكن ان يكون عاديا في شيء ولا ان يمر دون اثارة السخط والاشمئزاز ورفض كل الاعراف والتقاليد التي لا تزال تقيد مصير الفتاة العربية في عالم القرن الواحد والعشرين وفي الوقت الذي كان فيه العالم يعتقد ان مثل هذه الامور دخلت اطار الماضي واندثرت مع جداتنا قبل امهاتنا قبل ان يدرك وللاسف حجم مأساة العقل العربي الممزق بين الظاهر والخفي في واقع المجتمعات العربية الاستهلاكية الواقعة بين مطرقة الامية المنتشرة في صفوفها وسندان الفقر والجهل والتخلف العلمي والضعف الاقتصادي وغياب الاصلاح السياسي الذي يجعل العالم العربي وبرغم ثرواته الطبيعية وقدراته البشرية في وضع لا يحسد عليه بما يدفع بفئة لا يستهان بها من شبابه المتعلم الى البحث عن فرص الهجرة والهروب من واقعه الاليم على متن قوارب الموت التي تلفظ يوميا اجساد الحالمين منهم بالوصول الى ضفة النجاة في اوروبا... نقطة اخرى كان لا بد من الاشارة لها في طريقة تعاطي الاعلام العربي مع قضية نجود ضحية الجهل والفقر معا اذ وعلى خلاف اغلب مصادر الاعلام العربية التي اقتصرت على نشر الخبر ضمن اخبار المنوعات التي تصلح لملء الفراغات فقد احتلت حكاية نجود موقعا بارزا على اعمدة مختلف الصحف الغربية التي نشرت صورتها وهي تستمع ببراءة ودون فهم لحكم القاضي وهو يعلن طلاقها ويطالبها بمنح تعويض قدره مائتان وخمسون دولارا للزوج الامر الذي تطوع احد الحضور لتسديده من اجل استعادة نجود حريتها المصادرة وعودتها الى اللعب في فناء البيت بعد ان حرمها الزوج المفروض عليها منه وذلك في انتظار عودتها الى مدرستها التي انقطعت عنها... ولعل ما منح خبر نجود كل الاهتمام الاعلامي الدولي انه لم يكن مجرد خبر شاذ يصنف في اطار الاخبار التي تحفظ ولايقاس عليها ذلك ان حكاية نجود التي اغتصبت طفولتها ليست حالة فريدة في بلد مثل اليمن بل انها حكاية متداولة وهو ما اكدته المحامية التي تطوعت للدفاع عن نجود والتي صرحت بان الاف الفتيات في اليمن يواجهن مثل هذا الوضع وذلك رغم اقرار قانون الاحوال الشخصية ومنذ 1992 في اليمن بتحديد سن الزواج بداية من الخامسة عشرة وهي سن قلما يقع احترامها في مجتمع تسيطر عليه عقلية القبائل والعمائم... ومع ذلك فربما تكون نجود التي وصلت حكايتها هذه النهاية محظوظة مقارنة بالكثير من اترابها اللاتي لم تتجاوز اخبارهن حدود الجدران التي يأوين اليها... ولاشك ان امة لا تزال شريحة اساسية منها تعاني ازمة وجود واعتراف بها كجزء مسؤول في مجتمعها لا يزال امامها الكثير للتخلص من رواسب الماضي وتصل الى مرحلة الاعتراف بابنائها حتى يعترف بها الاخرون...