نمو بطيء.. غياب الاستثمارات.. تدهور المنظومة البنكيّة والبنوك العالميّة ترفع يدها المتعارف عليه أن ثورة (17 ديسمبر- 14 جانفي) قامت أساسا ضدّ التهميش والفقر وغياب التنمية عن الجهات المحرومة، وكان الأمل في أن تأتي الثورة لتحقق هذه المطالب. لكن يبدو أن الأحلام تبخرت بعد سنتين من انتخاب حكومة "الترويكا" حيث لم يتمّ إنجاز أكثر من 60 بالمائة من المشاريع التنموية المرصودة للجهات في ميزانية 2012. هذا الوضع أدّى إلى تنامي المطلبيّة الشعبيّة بضرورة اتباع منوال تنمية يلبّي انتظارات المواطن في جهات محرومة بقيت على حالها خلال السنة الثانية بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 حيث لم تصرف سوى 23 % من الميزانية المرصودة للتنمية وهو رقم هزيل. وتبعا لذلك احتلت تونس المرتبة العاشرة عربيّا والثالثة والثمانين دوليا في مؤشر "الدول الفاشلة 2013" الذي تصدره مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية ممّا يعني انخفاض مرتبة تونس ب11 درجة مقارنة ب 2010. نموّ بطيء كان من المتوقّع أن تبلغ نسبة النموّ سنة 2013 ال4.5 % لكن وأمام الأزمة الاقتصاديّة التي تعيشها البلاد، من ضعف على مستوى الاستثمار وتطوّر الواردات مقابل تراجع صادراتها وتقهقر سعر الدينار في الأسواق المالية العالميّة توقع صندوق النقد الدولي والبنك المركزي أن لا تتجاوز نسبة النموّ للعام الحالي سوى 3 % ويعود هذا التراجع بحسب البنك المركزي إلى تقهقر كل من قطاعي الفلاحة والصّيد البحري (-1,6 ٪) والصناعات غير المعمليّة (-0,2 ٪) المرتبطة خاصة بالإنتاج المنجمي إضافة إلى تراجع مؤشرات النشاط في قطاع السّياحة. وتبعا لذلك عرفت نسبة النموّ خلال السنة الجارية تراجعا مقارنة بالسنة الفارطة 2012 والتي سجّلت نموّا ب 3.6 %. الاستثمارات.. في مهبّ الرّيح انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في تونس بنسبة 1،3 % العام الجاري اذ تراجعت قيمة الاستثمارات إلى 939 مليون دينار بعدما بلغت 951،1 مليون دينار العام الماضي 2012. ويعزو الخبراء ذلك إلى الصراع السياسي الذي تشهده البلاد منذ اغتيال شكري بلعيد ونائب المجلس التأسيسي محمّد البراهمي و8 عسكريّين خلال شهر جويلية الماضي. وجاء أكبر انخفاض في الاستثمارات في قطاع الخدمات الذي تراجع بنسبة 21 %، يليه القطاع الصناعي الذي انخفض بنسبة 5 % والطاقة بمقدار 4.3 %. وقد عرفت عدد المشاريع المصرّح بها تقلصا ب 12 % لتتراجع من 2508 مشروعا سنة 2012 الى 2205 مشروعا خلال سنة 2013. وبالنظر إلى تراجع الاستثمارات فقد تراجع أيضا عدد مواطن الشغل المزمع إحداثها ب 2.12 % ليبلغ 38 الف و489 سنة 2013 مقابل 43 الف و858 موطن شغل خلال ذات الفترة من سنة 2012. وسجّلت الاستثمارات المصرّح بها في عدد من القطاعات الصناعية نتائج سلبية من سنة 2013 على غرار صناعة الجلود والأحذية حيث عرفت تراجعا بنسبة 73 % وتقلصّ حجمها من 41 مليون دينار الى11 مليون دينار. كما تقلصت الاستثمارات المصرّح بها في صناعات النسيج والملابس ب 14.9 % لتتراجع من 91 مليون دينار سنة 2012 الى 77 مليون دينار خلال سنة 2013. تدهور المنظومة البنكية بدورها تعيش المنظومة البنكية أزمة حقيقية ممّا أدّى إلى مواصلة البنك المركزي توفير تسهيلات نقدية للجهاز المصرفي بعنوان إعادة التمويل، علما أن هذه التسهيلات تندرج في إطار تزويد السوق بالسيولة الضرورية على أساس تطوّر العوامل الموضوعية المحدّدة لها ويأتي هذا الإجراء بالنظر إلى استمرار حاجيات البنوك من السيولة في مستوى مرتفع، مقابل تواصل تباطؤ نسق الإيداعات لدى القطاع المصرفي خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة الحالية (زيادة القائم ب6،7 ٪ مقابل 5 ٪ خلال نفس الفترة من سنة 2012) خاصة الإيداعات تحت الطلب وحسابات الادخار، وهو ما أدّى إلى تسجيل تراجع على مستوى مساهمة البنوك في تمويل الاقتصاد خلال نفس الفترة (4 ٪ مقابل 6,9 ٪) نتيجة تراجع منحها للقروض متوسّطة الأجل وتباطؤ نسق القروض طويلة الأجل. غياب المشاريع الكبرى أعلنت الحكومات المتعاقبة منذ 23 أكتوبر عن إنجاز 100 مشروع في القطاع العمومي وعبّر كبار المانحين والمموّلين مثل البنك الإفريقي للتنمية والبنك العالمي والبنك الإسلامي للتنمية وكذلك البنك الأوروبي للاستثمار عن دعم مشاريع التنمية سيما في الجهات المحرومة قصد مساعدتها على الخروج من التهميش والفقر المدقع واستيعاب أكبر عدد ممكن من المعطلين عن العمل. لكن تعرف هذه المشاريع تعطيلا بسبب البطء في الإنجاز وغياب السيولة اللازمة خاصة أن الميزانية المرصودة للتنمية ذهبت إلى غير محلها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تونس وتراجع البنوك المانحة عن صرف القروض. تخوف البنوك العالمية.. وضياع 2.283 مليون دينار هذه الأوضاع العامة وغموض الرؤية جعل البنوك العالمية والصناديق المانحة تتراجع عن دعم تونس بالقروض من ذلك تراجع البنك الافريقي للتنمية عن منح تونس قرضا ب 183 مليون ديناروهو ما جعل وزير المالية إلياس الفخفاخ يؤكد أن الاقتصاد التونسي قد يشهد أزمة خانقة بالنظر إلى إمكانية تراجع باقي البنوك المانحة عن جملة الأقساط المتفق عليها والتي تقدّر ب2.283 مليار دينار من المؤسّسات المالية العالمية التي أعلنت في وقت سابق عن دعمها للاقتصاد التونسي، وهي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والصندوق الاسلامي للتنمية؛ وجميع هذه الأقساط بعنوان ميزانية 2013 التي لن يتسنّى إغلاقها في مثل هذا الوضع بما أنها ستشهد عجزا غير مسبوق.