أشادت عدد من الدول العربية بينها تونس ومصر والجزائر بقرار السلطات السعودية رفض شغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي لمدّة سنتين والذي شكّل سابقة تؤشر إلى تحوّل محتمل في علاقات واشنطنوالرياض الاستراتيجية. وإذا كان لموقف هذه الدّول العربية مبرراته، وهي بالتأكيد كثيرة عندما يتعلق الأمر بإحصاء المواقف الهزيلة والمجانبة للعدالة الدولية إزاء قضايا المستضعفين والأزمات العالقة في العالم العربي منذ نشأة الأممالمتحدة قبل أكثر من ستة عقود وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية بكل ملفاتها، سواء باستمرار وامتداد سياسة الاحتلال، أو ملفات اللاجئين والأسرى وبرنامج السّلاح النووي الإسرائيلي، فإن فيها أيضا ما يستوجب التوقف والتساؤل، بل والمساءلة بشأن أداء الدّول العربية ذاتها وتغييبها في أكثر من مناسبة عن مناصرة ودفع تلك القضايا في الأوقات الحرجة عندما تكون عرضة للاعتداءات والحصارات. وبالعودة الى البيان السعودي الذي لم يخلُ من نبرة احتجاجية وغضب إزاء سياسة المعايير المزدوجة في مجلس الأمن الدّولي والذي مثل خطوة صدمت واشنطن خاصة بعد تصريحات الخارجية السعودية أنها ستغيّر بشكل استراتيجي علاقتها بأمريكا ما أثار أكثر من قراءة حول الأسباب المعلنة والخفية للموقف السعودي كما حول أبعاده السياسية والديبلوماسية على اعتبار العلاقة الاستراتيجية التي تربط واشنطنبالرياض منذ عقود.. علاقة وإن كان ظاهرها السلاح والنفط، فإن باطنها أعمق من كل ذلك بالنظر الى موقع المملكة ومكانتها في منطقة الخليج والخلافات مع ايران بسبب مشروعها النووي. وإذا كانت المملكة قد برّرت موقفها برفض الإنضمام إلى الدول غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي برفضها لسياسة المعايير المزدوجة على مدى نحو ستة عقود، وهي حقيقة لم تجانب فيها الصواب باعتبا أن خطيئة الأممالمتحدة ومنذ نشأتها كانت ولاتزال في السلطات التي تتفرد بها القوى الخمس الكبرى ذات العضوية الدائمة وحق الفيتو الذي يمكنها إشهاره في كل حين لإسقاط قرارات الشرعية الدولية عندما يتعلق الامر بلعبة المصالح الخاصة. على أن ذلك يجب ألا يحجب الجانب الآخر للقرار السعودي والذي يعني دون أدنى شك تطبيق سياسة الكرسي الشاغر وبالتالي تفويت الفرصة على بلد عربي في أن يكون له موقف صريح في مجلس الأمن الدولي برغم هناته وعلله الكثيرة وربما التفويت بالتالي في فرصة سانحة لكشف عيوب المجلس من الداخل وفضح السياسات والقرارات الظالمة التي تنبثق عنه انطلاقا من الممارسة القوية والمواقف المدعومة بما تضمّنه ميثاق الأممالمتحدة من مبادئ وقيم إنسانية، والدّفع من خلال ذلك الى المطالبة بضرورة إصلاح هيئة الأممالمتحدة وتجاوز سياسة الأسياد والعبيد عندما يتعلق الأمر بمصير الشعوب وهو ما كان بالإمكان فرضه لو توفرت الإرادة السياسية للدّول العربية التي ما انفكّت تتحوّل إلى مجرّد شعارات فضفاضة... ومن هذا المنطلق فإن الإجماع العربي الحاصل اليوم والذي قلما يحدث واقعيا في مختلف النكبات والازمات التي شهدها عالمنا العربي، يمكن أن يتنزل في اطار المجاملة الديبلوماسية وفق قاعدة اُنصر أخاك ظالما أو مظلوما وربما صدر تفاديا لغضب المملكة... صحيح أن اعتذار السعودية عن قبول المنصب الذي كانت ترشحت له في السابق وفي ظل نفس الأوضاع التي يعاني منها اليوم العالم العربي قد يكون فاجأ الأمريكيين وشكل صدمة سياسية لهم، لها دلالاتها وتداعياتها على مستقبل العلاقات الامريكية السعودية... وصحيح أيضا أن الكثيرين اعتبروا أنها قد تكون دافعا الى إعادة فتح ملف إصلاح الأممالمتحدة لا سيما في علاقة بالقضايا العربية والانحياز المعروف لإسرائيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية... على أنه يبقى من غير المحتمل أن يدفع إلى تغيير سياسة الامر الواقع على الأقل في هذه المرحلة، ولاشك أن في الدعوات غير المعلنة للدول العربية للمملكة للتراجع عن موقفها ما يمكن أن يعزز هذه القناعة. وفي انتظار الحسم في هذه المسألة يبقى من المحتمل أن تتجه الأنظار الى الكويت لتبوإ هذا المنصب للسنتين القادمتين. بقي الأكيد أن خلف الموقف السعودي المعلن حتى الان أسبابا فرضتها الاحداث الخطيرة المتواترة في المنطقة وفي مقدمتها الازمة الراهنة في سوريا وما يمكن أن يفرزه مؤتمر جنيف 2 اذا كتب له الانعقاد وإصرار الرياض ومعها أطراف أخرى على ضرورة التدخل لاسقاط نظام الأسد الذي وجد حتى الآن في الموقف الروسي والصيني حصنا له بعد أكثر من سنتين على اندلاع شرارة الحرب الاهلية في هذا البلد.. كل ذلك طبعا الى جانب ما سجل من تقارب أمريكي إيراني على هامش الدورة السنوية للجمعية العامة الأممية. لكن من المرجّح أيضا أن يكون وراء هذا الخيار السعودي حسابات سعودية داخلية وخاصة ما يمكن أن تواجهه المملكة من انتقادات بالنظر الى ملف الحريات وحقوق الانسان لا سيما مع بداية تسجيل تحركات في صفوف الشباب كما في صفوف المرأة السعودية التي كان يفترض أن تخرج اليوم للمطالبة بحقها في قيادة السيارة، قبل أن يتقرّرإلغاء ذلك... من الواضح اليوم أن السعودية تحتاج الى خطاب أكثر وضوحا لاقناع الرأي العام بأن ازدواجية المعايير وراء ترفعها عن قبول الدخول مجلس الامن الدولي للسنتين القادمتين... وكم كنا نتمنى أن يكون لنا صوت عربي فاعل وثابت في مجلس الامن إذا تحدث يصغى اليه بين الأمم، لكننا - وللأسف- أبعد ما نكون عن ذلك: فلا تركيبة وقوانين ومصداقية المجلس قادرة على منحنا ذلك، ولا مصداقيتنا ووزننا الإقليمي والدولي، على الأقل في الوقت الرّاهن...