بعد القيام بعملية تقييم مدققّة للميزانية الحالية إثرانتهاء السداسي الاول، وطبقا لما سجّله اقتصادنا من أرقام ونسب لم تستجب لما كان متوقعا لها، اقرّت الحكومة اللجوء الى ميزانيّة تكميليّة يتمّ من خلالها إدخال بعض التعديلات والإضافات المالية مثلما هو الشأن في قانون الميزانيّة التكميلي لسنة 2012. ومن المقرران تتكفل الميزانية المقرّرة مثلما اقرت توصيات صدرت عن المجلس الوزاري المنعقد بقصر الحكومة بالقصبة في 22 اكتوبر 2013 للنظر في قانون المالية التكميلي لسنة 2013- بتسوية مجمل متخلّدات الدّعم بعنوان سنة 2012 والبالغة حوالي 880 م.د.، وتغطية الحاجيات الإضافية للمؤسّسات العموميّة بما قدره 140 م.د.، وترشيد نفقات التنمية غيرالمصروفة إلى حدّ الآن بما يساعد على التحكّم في نسبة العجز الجاري للميزانية النهائيّة لسنة 2013؛ لكن كيف ستتمّ تعبئة موارد هذه الميزانية في ظل نسب وأرقام جعلت وضع الاقتصاد حرجا وخطيرا نوعا ما بل إنه وصل مرحلة الاحتضار ووسط عدم قدرة الحكومة على الاقتراض؟ وهل يعني اللجوء الى ميزانية تكميلية للمرّة الثانية عدم قدرة الحكومة على ضبط ميزانية دقيقة؟ اكد وزير المالية إلياس الفخفاخ منذ تشهر قلقه تحديدا في شهرأوت على أن ميزانيّة الدولة تشكو عجزا هيكليّا قدّر ب 8 آلاف مليون دينار "متوقعة" وذلك بسبب صرف المبالغ الإضافيّة للزيادة في الأجور وارتفاع حاجيّات الدّعم في المحروقات ولتغطية النقص في المواد الغذائيّة إضافة إلى الترفيع في رسملة البنوك، وهي وضعيّة دفعت الى إرقار ميزانية تكميليّة. سوء تقدير عادة ما يتمّ إقرارالميزانيات التكميليّة لتعديل الميزانية العادية وذلك بسبب تفاوت غير منتظر بين النفقات والموارد، لكن هل يعقل ان يكون هذا التفاوت مسجّلا في سنتين متتاليتين تخطئ فيهما حكومتا الجبالي والعريض التوقعات فهل هو فعلا سوء تقدير ام قلة خبرة رافقهما تغييب للخبرات الوطنية في وضع الميزانيات؟ سؤال أجاب عنه الخبير الاقتصادي ورئيس جمعيّة "الحوكمة" معزالجودي في حديثه ل"الصّباح الأسبوعي" عندما شدّد على أن " سوء التقدير جعل من الحكومتيْن تلتجئان الى ميزانية تكميليّة لتغطية العجز" على حدّ تعبيره. ويعود سوء التقديرفي نظر عدد من الخبراء الاقتصاديّين ومن بينهم محدثنا الى تداخل في الأرقام والنسب وغياب للدقة، حيث يرى المتابع اختلافا بين ما تتحدّث عنه الحكومتان وما تذهب اليه المؤسّسات المالية الدولية ومؤسّسات الترقيم السيادي التي خفضت من ترقيم تونس الى "ب.ب.-" في حين ينوّه قادة هذا البلد بما حققوه من تقدّم ونهوض بالاقتصاد. فعلى سبيل المثال تتحدّث الدوائر الرّسميّة عن عجز في الميزانية في حدود 6% فيما يرى الخبراء ان هذا العجر قد يصل الى 7 و8 وحتى 10 % . توقعات خاطئة يقول معزالجودي:" قبل الحديث عن قانون ميزانية تكميلي فإن قانون ميزانية السنة الحالية خاطئ في توقعاته وأرقامه إذ فاقت النفقات العموميّة ما كان متوقعا ب3 مليارات فيما تقلصُ الموارد طبقا لما حملته الميزانية- ملياران أي أن هناك حصيلة عجز مبرمج في حدود 5 مليارات". ويتحدّث الجودي عن إثبات حالة خسارة مثلما أسماها- في 15 مؤسّسة عموميّة على غرار "الخطوط التونسيّة" التي فات ديونها 120 مليار دينار. وفي إشارة محدّثنا تساؤل طرحْناه عن من أين ستضخ الحكومة أموالا لتغطية عجزهذه المؤسّسات وغيرها؟ فلو كانت ميزانية السنة الحالية قادرة على ذلك لما كان هناك لجوء الى سنّ قانون ميزانيّة تكميلي، وبالتالي فمن أين ستوفر الحكومة موارد الميزانية التكميلية؟. من أين؟ عجزت تونس على توفيرما أوردته في ميزانية الدولة للسّنة الجارية. وفي ظل الوضع السياسي المبهم وعزوف البنوك الأجنبية مثل البنك الإفريقي للتنمية الذي جمّد ما وعد به من قروض وهبات والمؤسسات الدولية البنكية عن مساعدة تونس لعدم وضوح الرؤية السياسية في البلاد كيف يمكن للحكومة تعبئة موارد الميزانية التكميلية؟. وفي هذا السياق، يرى معزالجودي أن "الحكومة تتحدّث عن ميزانية تكميليّة في ظل غياب الموارد المالية" على حدّ قوله، حيث أجاب عند سؤالنا إياه عن الحل في هذا الوضع:" سيكون أمام الحكومة خياران لا ثالث لهما إمّا مصارحة الشعب بأن تونس في حالة إفلاس او البحث عن هبات وقروض من دول في أسرع وقت ممكن وهو أمر صعب. وقد اكدت تحرّكات وزيرالمالية وبحث الحكومة عن الأموال والاقتراض والهبات فشلهما عبررفض الدول والهيئات المالية الدولية منح تونس أي مساعدة حاليا مشترطة وضوح الرؤية السياسية في البلاد. أما الحديث عن طبع تونس للنقود والزيادة في الكتلة المالية فهي جريمة اقتصادية وفقا للقانون الدولي". وفي انتظارقادم الأيام كيف سيكون تصرّف الحكومة في تعاطيها مع موارد الميزانية التكميلية التي ستليها بالضرورة ميزانية الدولية لسنة 2014 خاصة في ظل الأزمة السياسية الحالية وعزوف البنوك الدولية عن إقراض تونس؟.