اعتاد المسؤولون الامريكيون عدم قول الحقيقة فيما يتعلق بجرائم اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، إلا بعد انتهاء مهامهم وعهداتهم في البيت الأبيض، أي عندما يخرجون جزئيا من دائرة ضغط اللوبي الصهيوني الذي يمارسه على الساسة الأمريكيين في تعاملهم مع الصراع العربي - الاسرائيلي، وبالتحديد مع القضية الفلسطينية. فالرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر الباحث عن السلام في الشرق الاوسط، والذي شهدت مرحلة رئاسته أهم ميثاق سلام بين مصر واسرائيل يأتي اليوم إلى المنطقة للبحث عن حلول لتفعيل عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين بعد أن عرقلت اسرائيل كل المساعي والمبادرات بدءا من «اوسلو» حتى «أنابوليس»، ورغم أن رئاسة البيت الأبيض، واسرائيل التي استقبلت كارتر ببرود، وليستا راضيتين عن هذه الجولة، فإنه أعطى تشخيصا دقيقا للوضع المزري للفلسطينيين جراء الحصار الاسرائيلي، كما تجاوز كل التحذيرات والتهديدات الاسرائيلية واقدم على عقد لقاءات مع أهم مسؤولي حركة «حماس» الموصوفة بالإرهاب بعد أن أصبحت في قلب المعركة مع إسرائيل... فهل أن ما يقوم به كارتر هو من أجل التهدئة، والتفاوض حول الجندي الاسرائيلي الأسير لدى «حماس»، أم أن ما يقوم به كارتر يصب في مصلحة أمريكا التي اتسع العداء لها بسبب اسرائيل ثم غزو العراق؟ أم هي قناعة ذاتية تنبع من احساسه بمعاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال الاسرائيلي؟ كارتر ليس في وظيفة رئيس الدولة العظمى، حتى ولو عومل «بروتوكوليا» بنفس مراسم الرؤساء. صحيح أنه كشف حقائق عن اسرائيل انتقد فيها التصرف اللامنطقي للاحتلال ضد الفلسطينيين، فهو لم يتجنّ وانما تحدث عن صورة لم تعد خافية عن الرأي العام الامريكي والعالمي، وهو بذلك يؤيد رؤيته السياسية التي نشرها بكتاب اثار الجدل في اسرائيل، بعد أن بات كل ما تقوم به اسرائيل «حقا مشروعا» ومعطى ثابتا خارج النقاش لدى جميع المحافل والاوساط السياسية الغربية بحجة الحفاظ على «أمن اسرائيل» تحت ذريعة مكافحة الارهاب بعد أن عطلت اسرائيل سلام مدريد واتفاقات «أوسلو» وما لحقها وتفرع عنها ثم «أنابوليس» ومازالت تتابع سياسة بناء الجدار العازل وتوسيع المستوطنات اضافة إلى الاعتداءات اليومية على الشعب الفلسطيني. تصريحات الرئيس الأمريكي السابق قد تكون بابا لاستطلاع آراء المعنيين بحل مشكلات المنطقة من خلال تقريب الافكار والطروحات في ظل واقع معقد يحتاج إلى جهد دبلوماسي تحضيرا لمرحلة جديدة في البيت الأبيض تبدأ مع الرئيس الأمريكي القادم للقطع مع فترة طغى عليها منطق الحروب والتهديد والوعيد، وإذا ما افترضنا ذلك فكارتر يكون قد أدى دورا ايجابيا وفي حال نجاحه فهو يستعيد بريقه الشخصي ويساعد في حل ما استعصى على الآخرين، وإذا ما فشلت مساعيه، فهو ليس شخصية رسمية مطالبة بالنجاح واتخاذ القرارات الصعبة بمستوى ما تأخذه أو تعطيه الدول ذات القوة الكبرى...