مؤرخ يقول: «كانت زعامة الأدغم صامتة خلافا لزعامة بورقيبة المتوترة» نجل الزعيم يحتفظ برصيد كبير ونادر من الصور... وهي وثائق مهمّة لكتابة تاريخ الحركة الوطنية تونس الصباح: إحياء للذكرى العاشرة لرحيله نظمت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات التي يديرها المؤرخ عبد الجليل التميمي أمس منتدى الذاكرة الوطنية تحدث خلاله عدد من المناضلين والمؤرخين والجامعيين عن الزعيم الباهي الأدغم.. ونظرا لأهمية هذه الشخصية الوطنية وللشهادات التي تم تقديمها تتولى "الصباح" نشر خلاصتها في حلقتين.. تطالعون تفاصيل الأولى فيما يلي والثانية في عدد يوم الثلاثاء القادم. بين الدكتور عبد الجليل التميمي خلال افتتاح المنتدى أن الباهي الأدغم ومنذ تاريخ توليه الوزارة الأولى سنة 1955 كانت له بصمة في تاريخ تونس المعاصرة.. وتحدث المؤرخ رؤوف حمزة الذي يعدّ حاليا كتابا جديدا حول مذكرات الباهي الأدغم عن المسيرة السياسية والسيرة السياسية للمناضل. فيما يتعلق بالمسيرة السياسية بين أنها انطلقت بصفة مبكرة وذكر أن الباهي الأدغم تدرج في السلم السياسي فقد انطلق في العمل السياسي كعضو في شعبة باب سعدون وتدرج شيئا فشيئا ولم يدخل الديوان السياسي إلا عام 1950 وذلك بعد إبعاد الدكتور سليمان بن سليمان. وبين أن مسيرته كانت أيضا مكتملة فقد نشط في العمل الصحفي والتنظيمي والتأطيري والدولي. وتحدث المؤرخ عن مرحلة التنشئة السياسية للباهي الأدغم وذكر أنه نشأ في بيئة وطنية وفي محيط الصادقية وفي مكان تنتظم فيه أنشطة الأحزاب والجمعيات أي في باب سويقة وباب سعدون والحلفاوين ومقر الحزب الشيوعي في سوقي بالخير ومتجر اسماعيل عزيز والحلاق محمد بن عثمان كما عاش الكثير من الأحداث المؤثرة.وكان المختار بن سلامة أول من قاده إلى مقر الشبيبة الحرة الدستورية وكان يشرف عليها إسماعيل عزيز. وبين المؤرخ أن هذا التطبّع الشعبي ميزة للأدغم أثرت كثيرا في تنشئته السياسية, وأضاف أنه بعد دخوله الشبيبة الحرة الدستورية نشط مع العديد من الشبان وكانت تلك المرحلة بداية مشواره السياسي الفعلي وعمله المباشر كما نشط في الشبيبة المدرسية في الثلاثينات وكانت تنظم محاضرات بصفة دورية ورحلات وغيرها من الأنشطة ذات الأبعاد السياسية والتوعوية. وذكر أن مجموعة العمل التونسي ساندت هذا التوجه الشبابي وشرّكت الشباب في الكثير من الأنشطة. من النضال إلى السجون تحدث المؤرخ عن أنشطة الباهي الأدغم في شعبة باب سعدون.. وتطرق إلى بعض المحطات الهامة من حياته في تلك المرحة وأبرزها العمل السري الذي انتهى بإيقافه وسجنه وإلتحاقه بالجزائر وكانت تجربة السجن قاسية عليه ولكن كان السجن على حد قول حسين رؤوف حمزة مدرسة هامة استكمل فيها الأدغم تكوينه السياسي والعام. وبعد خروجه منه واصل عمله السياسي لكن في مجلات متعددة.. إذ احتك بالنقابيين من خلال العمل الصحفي والتوعوي وكانت كتابته لاذعة وحادة وتميز بأسلوب جدالي وسجالي وكانت مقالاته في البداية غير ممضاة لكنه في المرحلة الموالية أصبح يمضيها وكتب الكثير منها في "لاكسيون" وفي " الميسيون". كما شارك الأدغم في أنشطة مدرسة تكوين الإطارات خاصة في الاقتصاد. ونشط في الغرفة التجارية التي ساهمت في تكوينه الاقتصادي وكان الحبيب شيخ روحه وحمادي السنوسي وغيرهم من الناشطين في هذه الغرفة أيضا. وتحدث المؤرخ عن تجربة الأدغم في الخارج وتحديدا في نيويورك مقر الأممالمتحدة وذكر أن تلك المرحلة ساهمت في تكوينه في مجال السياسة الدولية وتعرّفه على العديد من الشخصيات المغاربية والأمريكية. وباشر الأدغم العديد من الملفات والقضايا الساخنة مثل اليوسفية وتجربة التعاضد وغيرها. وعن نوعية العلاقة بين بورقيبة والأدغم.. قال الأستاذ حمزة إنها كانت مبنية على الاحترام وكان للرجلين هاجس مشترك وهو بناء الدولة الوطنية ودولة المؤسسات والقانون. ولكن بعد ذلك حصل الخلل خاصة بعد إنهاء تجربة بن صالح ومرض بورقيبة. السيرة السياسية لدى حديثه عن السيرة السياسية للباهي الأدغم تطرق المؤرخ إلى ثلاثة عناصر أولها علاقة هذا المناضل بالسياسة ثم تعاطيه السياسة وأخيرا مفهومه للسياسة.. وكانت علاقته بالسياسة على حد قول المؤرخ متميزة إذ كان شغوفا بها كثيرا ولكنه لم يكن رجل سياسة فقط بل كانت له اهتمامات بالفنون والتاريخ والفن المعماري وبالراشيدية التي كان من مؤسسيها وعرف بولعه بالموشحات والموسيقى الأندلسية . وذكر أن الباهي الأدغم كان يفصل بين السياسي والأخلاقي.. فعندما تم رفت بن سليمان من الحزب كتب الأدغم مقالا طرح فيه وجهة نظره في هذه المسألة لكن هذا لا يمنع من أنه كان رجل أخلاق وضوابط وكان يكن ودا كبيرا للدكتور سليمان بن سليمان. وعن ممارسة الأدغم للسياسة ذكر المؤرخ أن المناضل كان رجل المؤالفة والوفاق وكان يسعى دائما لتجاوز الثنائيات فقد كان حريصا على جمع كلمة الزيتونيين والصادقيين وكان بورقيبة يحقر شيئا ما الزيتونيين رغم أن بناء الحزب في مرحلته الأولى كان جله من قبل الزيتونيين. وآلف الأدغم بين التونسة والبعد المغاربي والبعد العربي كما كان له حنين إلى العثمانية وتركيا. وأضاف أن الأدغم كان ينتمي إلى وسط متواضع لكنه لم يكن متحاملا ضد الطبقات الغنية. كما كانت له العديد من المآخذ حول التجربة التعاضدية وحول مسألة التعليم.. وذكر أنه دافع عن أفكار سجن من أجلها. وأن الباهي الأدغم ليست له نظرة ملحمية للسياسة بل نظرة واقعية ونسبية فالسياسة في نظره ليست طريقا لإثبات الذات بل هي واجب قبل كل شيء. وخلص إلى أن المسيرة السياسية للباهي الأدغم كانت تدور دائما في دائرة جماعية. وهي سيرة لا تتطابق مع النموذج السائد للزعامة (أي الزعامة المتوترة والمتشنجة التي يجسمها صالح بن يوسف والحبيب بورقيبة والحبيب عاشور وأحمد بن صالح) ولكنه كان زعيما صامتا على غرار الطاهر صفر والهادي نويرة. وبعد انتهاء الأستاذ حمزة من تقديم هذه المداخلة قدم الدكتور عبد الرحمان الأدغم نجل الزعيم الباهي الأدغم للحاضرين تسجيلا صوتيا لوالده وعددا هاما من الصور النادرة وهي بادرة لاقت استحسان الجميع إذ أن مثل تلك الوثائق تعد على درجة كبيرة من الأهمية في كتابة تاريخ تونس المعاصر وتاريخ الحركة الوطنية..