بعد إصدار منجزين أدبيين "مواسم العشق والنسيان" و"شوع محترقة"، يستعد الكاتب والروائي محمد رويس التونسي لتقديم مجموع من الأعمال مجموعة من الأعمال الجديدة التي صنفها في خانة "الأدب الكوني والإنساني الهادف". ووهو ما أكده في حديثه ل"الصباح نيوز" كاشفا عن خوالجه الثقافية وعلاقته بالكتابة والمراحل أو التجارب التي مهدت له الطريق ليدخل عالم الرواية من الباب الكبير. ويذكر أن محمد رويس هو إطار بالصندوق الوطني للتأمين على المرض، وهو من مواليد مدينة صفاقس، متخرج من المعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية بتونس، متحصل على وسام الشغل وعلى شهادة في القيادة والتسيير من مكتب منظمة العمل الدولية. وله تجارب عديدة في مجال الصحافة المكتوبة على مستويين وطني ودولي كما تقلد مهام مختلفة في هياكل رياضية وغيرها. وتحدث عن مشاريعه الأدبية الجديدة وسبب توجيه اهتماماته في الكتابة إلى ما هو أدبي فكري دون سواه. كما تطرق إلى مسائل أخرى في الحوار التالي: – بم تفسر سر الإقبال على "الرواية" في هذه المرحلة تحديدا باعتبار أنه في ظرف وجيز صدر لك روايتين؟ الحقيقة حبي للكتاب وولهي بما أدبي لم يكن وليد ظرفية محددة وإنما منذ صغري كنت مغرما بالمطالعة وكتابة القصرة القصيرة والشعر فكنت أكتب كل ما يخالجني من أفكار وما يصادفني من أحداث. ربما يرجع ذلك لأن حياتي منذ الطفولة لم تعرف الاسقرار في المكان بحكم عمل والدي الذي يتنقل من مدينة إلى أخرى وكان يصر على أن تكون العائلة معه. حيث تنقلت منذ طفولتي بين المهدية تلك المدينة الساحلية الرائعة التي قضيت فيها أحلى سنوات طفولتي وشبابي قبل أن يحط رحلي بمدينة سوسة حيث اجتزت امتحان البكالوريا اداب هناك وبعد نجاحي اخترت التخصص في مجال الدراسات الاجتماعية. وكان الكتاب والكتابة رفيقا دربي في كل مكان ومناسبة. – تجاربك المتنوعة في الصحافة والإعلام والتسيير الرياضي والعمل الإداري، هل كانت "حاضرة" في عالمك الروائي؟ صحيح أن كل التجارب المهنية التي خضتها ساهمت في إثراء أفكاري خاصة أني مهووس بالرواية والقصة. ودخولي عالم الصحافة منذ البداية سنة 1997 حين نالني شرف الانتماء الى أسرة تحرير جريدة الشعب التي قضيت فيها ما يناهز السبع سنوات كمحرر متعاون للشؤون الوطنية والعربية والدولية، كان بدافع حب الكتابة. وقد كانت تلك التجربة ثرية جدا تعلمت خلالها أصول الكتابة الصحفية على أيدي نخبة من ألمع الصحفيين المحترفين ثم بعد ذلك تخصصت في مجال الصحافة الرياضية بالاضافة الى تجربة عابرة بالاذاعة الوطنية. كما خضت تجربة مغايرة 2012 بعد أن تم انتخابي عضوا بالمكتب التنفيذي للرابطة الوطنية لكرة القدم للهواة. وهي تجربة أخرى مهمة رغم أنها هي الأخرى لم تدم طويلا ضمن هيكل مهم من هياكل الجامعة التونسية لكرة القدم. لم أدخر فيها جهدا من أجل خدمة الرياضة الوطنية من خلال التصورات والأفكار التي كنت أؤمن بها في إطار وعي وحماسة ذلك الجيل الشاب والمثقف من خريجي الجامعة التونسية والذي كنت أرى فيه نفسي خدمة للمصلحة الفضلى للرياضة بوجه عام. ولكني اخترت الابتعاد كليا عن هذا المجال والاجتفاء بالتأليف أي بلورة ما كنت أخطه في زمن الهواية في أعمال روائية. – إلى أي مدى ساهمت التجارب آنفة الذكر في تطوير تجربتك الأدبية؟ أعترف أنه كان لتجربتي الصحفية دور مهم في صقل وتنمية موهبة الكتابة عندي والتي فتحت لي طيلة سنوات نافذة على العالم من خلال الحوارات الكثيرة التي أجريتها مع نخبة من ابرز المثقفين والمبدعين في المجال الثقافي والادبي وطنيا وعربيا، بالاضافة الى تغطيتي لأحداث مسرحية وفنية مهمة ويبقى في هذا الاطار الحوار المهم الذي أجريته سنة 2001 بمدينة اللاذقية السورية مع الفنان والمسرحي الكبير النجم العربي الأردني الاستاذ جميل عواد وهو لقاء من أجمل الذكريات التي أحدثت منعرجا في مسار اهتمامي الثقافي والأدبي تحديدا. طبعا كان من الطبيعي جدا أن تترك تلك المرحلة بكل أحداثها وتفاصيلها أثرا في شخصيتي. فبدأت تدريجيا منذ سنوات ما بعد الثورة وتحديدا في 2014 أكتب بعض الخواطر والمقالات ذات المنحى الأدبي والفكري البحت، ومنها ما نشر على أعمدة الصحف أما أغلبها فقد ظل حبيسا في دفاتري محتفضا به لنفسي. إذ لم يكن قدومي الى عالم الرواية صدفة على عكس عالم الصحافة بل مهدت اليه عديد الأحداث والمحطات الممتدة في الزمن والذي يربط بينها خيط رفيع. – ما هي مرجعيتك في مستوى المدارس الروائية أو بمن تأثرت في هذا المجال؟ كنت خلال مرحلة الدراسة الثانوية من أشد المولعين بالمدرسة الروائية الواقعية القائمة على المنهج الاجتماعي والتي كان الأديب العربي نجيب محفوظ أحد أبرز روادها. وهو أحدُ المناهج النقدية الحديثة التي تعتمد على أسس أرساها ماركس وأنجلز ولوكاتش. لأن هذا المنهج يحاول فهم المجتمع الإنساني والعلاقات القائمة فيه وهو يقدم صورة واقعية تنتقد المجتمع وتحاول تغييره، كما تقدم شخصيات نموذجية من طبقات اجتماعية مختلفة لتصل إلى فهم الواقع وتعليل العلاقات وتفسيرها. ثم في مرحلة لاحقة تأثرت بالأدب الوجودي عموما وكنت من أشد المعجبين في تونس بأعمال الكاتب والفيلسوف الأستاذ محمود المسعدي الذي وجدت في كتاباته ما كنت أبحث عنه خلال تلك الفترة الحرجة من عمر الشباب، تلك الأسئلة الحارقة التي لا أجوبة لها، عن معنى وجودنا وعن معنى فعلنا وعن جدوى مغامرتنا ونحن نعلم منذ البداية اننا عاجزون مهما فعلنا على تخطي عتبة حدود منزلتنا في الكون. دفعني "السد" و"حدث أبو هريرة قال" وغيرها من درر فقيد الساحة الثقافية والابداعية التونسية الى القيام بمراجعات مهمة في حياتي والى النظر الى الوجود الانساني نظرة أخرى مختلفة للانسان فيها مكانة متميزة تعلي من شأنه وترفع من مكانته على كل عيوبه وحدوده وعلله. – المطلع على روايتك "مواسم العشق والنسيان" و"شموع " يتبين النزعة المحترقة" يلاحط النزع الاجتماعية لكن في لبوس إبداعي جميل فهل يعني ذلك أن الذاتي حاضرا في ما تتخيل وتكتب؟ كانت تخامرني فكرة الكتابة الروائية منذ سنوات الى الوراء ولا أنكر أني قد تأخرت بعض الشيء للقيام بهذه الخطوة المهمة في حياتي وعموما حالما توفرت وتهيأت الظروف لذلك مسكت أوراقي وأقلامي وشرعت في كتابة روايتي البكر "مواسم العشق والنسيان" التي صدرت خلال الصائفة الماضية وهو عمل يندرج ضمن جنس الأعمال الروائية السردية والاجتماعية حاولت من خلالها باسلوب شيق وبلغة بسيطة رصد حياة الناس بين الريف والمدينة متجولا بين تفاصيلهم الكثيرة لحظة سقوطهم وارتفاعهم. في هذا العمل الأول أعدت للحب اعتباره في زمن المشاعر المتكلسة حيث صار كل شيء معلبا حتى الأحاسيس التي تجمدت وفقدت نبضها وحرارتها بفعل ما تركته الحياة فينا من خدوش وندوب لا زالت اثارها محفورة في أعماقنا الى اليوم. كانت تفوح من الكتاب رائحة الأرض والعرض، طعم الطفولة وأيام الصبى وقصص العشق الطاهر وذكرى الخيانات التي لا مخرج لنا منها بغير نعمة النسيان. وقد شكل هذا العمل مفاجأة سارة لي وللكثير من الاصدقاء من قراء ونقاد ومثقفين والذين وجدوا فيها اكتشافا جديرا بالاشادة والتنويه من حيث شكل الكتابة ومضمونها ومهارات الحكي ضمن سياق الرواية برمتها. – وماذا عن "شموع محترقة"؟ في غمرة النشوة بمولدوي الروائي البكر قررت في خطوة لم أخطط لها مسبقا مواصلة الرحلة مع عالم الكتابة دون توقف من أجل ترجمة فكرة عمل روائي اخر كنت قد وضعت منذ مدة خطوطه الكبرى وبالفعل ودون تردد بدأت في كتابة روايتي الثانية "شموع محترقة" التي صدرت حديثا لتعزز المكتبة الثقافية الوطنية خلال شهر فيفري 2021. وهي رواية سردية تضم 247 صفحة وثمانية فصول تثمن مجموعة من القيم الكونية المطلقة وتتناول بنفس الأسلوب في الكتابة مجموعة من القضايا الاجتماعية ذات الصلة بالواقع بطريقة سلسة تعطي للقارئ فرصة لسبر أغوار أعماق الذات الانسانية في سعيها نحو نحت كيان لها يضمن لها البقاء في مجتمع تغير فيه كل شيء وأصبحت معه الحياة على ما هي عليه ملاذ يصعب ادراكه ما لم تتوفر فينا ميزة المغامرة التي وحدها من تعطي لوجودنا معنى حقيقي أمام ضربات القدر الموجعة. فكانت وفقا لذلك لحظة ميلاد بطلة الرواية ليلى لحظة فارقة حين تستشعر أنها ولدت ميته فتقرر أن تنعش نفسها بنفسها لتعيش متعة الحياة ثانية ويتغير معها نسق الوجود برمته. فيستحيل الكون حينئذ رحبا واسعا لا حدود تحده وما من قوة ترده. -ولكن هناك ميزة في كتابة هذه الرواية الثانية وكأنك أردت استعراض قدراتك ومهاراتك الأدبية؟ صحيح هذه الرواية كتبتها بروح النثر والشعر وهي تحمل بين ثنايا كلماتها تجديدا في بنية السرد الروائي التقليدي وتمردا على السائد والمعهود وهي لا تعدو أن تكون غير محاولة ومغامرة مصيرها كمصير أبطالها معلقا بين الأرض والسماء. – ما هي مشاريعك القادمة؟ حاليا، لا نية لي صراحة في مواصلة الكتابة فهي حقيقة تجربة جميلة ولذيذة وممتعة جدا لكنها مرهقة وتتطلب تركيزا كبيرا وخاصة الكثير من الوقت وهو المعضلة الكبرى باعتبار أني لا أجد صراحة متسعا منه يكفيني لمباشرة ترتيب أفكاري وخطها، فأنا مقيد يوميا بضغط العمل الذي لا ينتهي ضمن اطار مسؤولياتي المهنية في المؤسسة التي أشتغل بها والتي أقضي فيها أغلب ساعات النهار. إضافة إلى مسؤوليتي العائلية باعتباري أب لطفلين، قد يتطلب الأمر سنتين او ربما أكثر لاصدار عمل جديد وعموما لا خوف على مبدع يسكنه هاجس الكتابة، سنسرق من أوقات فراغنا ساعات ولو على حساب أنفسنا وحياتنا الخاصة وسنجدد بحول الله العهد مع الكتابة قريبا متى توفرت الفرصة لذلك. – هل هناك ما تريد قوله؟ تحية الى كل القراء والمثقفين والمبدعين في هذا الوطن الجميل وكل الشكر والتقدير الى "الصباح نيوز" على هذه الالتفاتة والمساحة. حاورته: نزيهة الغضباني