كشف البنك المركزي ، امس، في بيانات حديثة عن تسجيل تراجع قياسي في رصيد خزينة الدولة والذي بلغ 264 مليون دينار بتاريخ 28 أفريل 2021 ، بعد ان كان في حدود 703 مليون دينار بتاريخ 23 فيفري 2021 ، و1306 مليون دينار نهاية سنة 2019 ، ويهدد هذا التراجع في حساب الحكومة لدى البنك المركزي ، خلاص أجور الموظفين في عدة قطاعات حساسة في الدولة ، بالاضافة الى عدم امكانية الحكومة ادارة نفقاتها خلال شهر ماي القادم بسبب استنزاف كافة الموارد المالية. وتعول الحكومة في الفترة القادمة للحصول على موارد مالية اضافية، على نجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في 3 ماي القادم والحصول على تمويلات عاجلة لضمان احتياجاتها المالية وسداد أجور الموظفين في الوظيفة العمومية، بالاضافة الى سداد قروض خارجية ، من بينها قرض أمريكي بقيمة مليار دولار اقتربت آجال سداده. وتواجه تونس منذ بداية العام الحالي، معضلة جديدة في توفير أجور آلاف الموظفين ، وذلك بعد تسجيل زيادة ب 217 مليون دينار لهذا العام ، ما رفع من حجم التوقعات لبلوغ نفقات الاجور معدل 17 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد ، وهو الاعلى على مستوى العالم. واثار العجز المسجل في كتلة الاجور مخاوف الخبراء والمؤسسات المالية العالمية من انفلات نفقات الأجور وعدم قدرة الحكومة على تعبئة الموارد لتمويل ميزانية العام الحالي ، وذلك بسبب سوء السياسات المنتهجة للحكومات المتعاقبة والتي أدت الى التوظيف العشوائي دون وجود موارد مالية كافية. كتلة الاجور التحدي الاكبر وتعد كتلة الأجور العائق الابرز لحكومة مشيشي، خاصة بعد ارتفاعها هذا العام لتبلغ 20.1 مليار دينار، أي حوالي 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي ، بالإضافة الى نفقات الدعم والبالغة 3.4 مليار دينار في ميزانية 2021 ، الامر الذي دفع بوزير المالية علي كعلي الى التأكيد في تصريحات اعلامية ، على نية وزارته التقليص من كتلة الاجور ومراجعة الدعم الموجه للعديد من القطاعات. ولم تنجح تونس خلال السنوات الأربع الأخيرة من التقليص في كتلة الأجور الى حدود 12 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي وفق اتفاق موقّع مع صندوق النقد الدولي عام 2016، وعدم التزامها بتعهداتها، وضع حكومة هشام مشيشي اليوم ، أمام اختبار إقناع شركاء تونس الماليين بوجاهة قرار زيادة رواتب موظفي القطاع الحكومة وإدماج 31 ألف عاملا جديدا كانوا يشتغلون بعقود هشةّ. وكان صندوق النقد الدولي قد طالب الحكومات السابقة بحزمة من الاصلاحات، منذ 2016 وجدد تطبيقها موفى 2019 وتشمل الضغط على كتلة الاجور وتسريح الموظفين وتعبئة الإيرادات واحتواء الإنفاق الجاري لتخفيض عجز الميزانية، مع الحفاظ على الاستثمارات العامة وتقوية شبكة الأمان الاجتماعي لصالح الأسر ذات الدخل المنخفض، وفرض سياسة نقدية صارمة لكبح التضخم، وتحسين مناخ الأعمال، وتوسيع فرص الحصول على التمويل للمؤسسات الخاصة، ومكافحة الفساد. وطلبت الحكومة، مؤخرا، الترخيص باستخلاص موارد للخزينة بقيمة 19.6 مليار دينار، من بينها 16.6 ملياراً قروضاً خارجية، أي ما يعادل 6 مليارات دولار، و2.9 مليار دينار قروضاً داخلية، أي ما يعادل المليار دولار، إلى جانب 100 مليون دينار في شكل موارد خزينة. وتقدر ميزانية الدولة لسنة 2021 ب 52.6 مليار دينار، أي ما يعادل 19 مليار دولار، من بينها قروض خارجية بقيمة 6.5 مليارات دينار ستسددها تونس طيلة السنة و4.9 مليارات دينار لسداد أصول الديون الداخلية. ودعا الخبراء الماليين والاقتصاديين الحكومة الى سد فجوتين ماليتين بقيمة 30 مليار دينار، من بينها 10 مليار دينار ديون السنة المالية 2020 و20 مليار دينار ديون السنة الحالية ، وهو الأمر الذي عمق الازمة المالية في تونس. وتضاعفت كتلة الأجور أكثر من ثلاث مرات مقارنة بسنة 2010 إذ لم تتجاوز ستة مليارات دينار سنة 2010، لتبلغ اليوم أكثر من 20 مليار دينار، فيما تحملت الميزانية العامة للدولة وحدها، وزر الضغط الاجتماعي، من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، كما تحملت تداعيات اتفاقيات الزيادة في الأجور مع الاتحاد العام التونسي للشغل، من دون أن يقابل ذلك نمو اقتصادي، قادر على امتصاص ازمة زيادة العاطلين عن العمل، وهو ما أثر بشكل لافت على ميزانية الدولة للسنة الحالية. تواصل نزيف كتلة الاجور ويرى خبراء الاقتصاد أن السياسات العامة للبلاد لم تسمح برسم خطة واضحة من أجل كبح نفقات الأجور، معتبرين أن انفلات النفقات الخاصة بالرواتب هي نتيجة حتمية لوقوع الحكومة تحت ضغط طلبات النقابات العمالية والأحزاب التي تدفع نحو إغراق القطاع العام بالتوظيف العشوائي. ويرجّح الخبير الاقتصادي محسن حسن في تصريح سابق ل"الصباح" تواصل النزيف لسنوات لاحقة بسبب الاحتقان الاجتماعي وضغوط النقابات واحتجاجات طالبي الشغل، إلى جانب التزام الحكومة بتنفيذ اتفاقات سابقة للزيادات في الأجور وتوظيف العاطلين عن العمل ممن طالت بطالتهم أكثر من 10 سنوات، مؤكدا ان كتلة الاجور في تونس تعد الارفع في العالم ومن الضروري العمل على تقليصها الى حدود 12 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي ، وبلوغها اليوم مستوى 17 بالمائة امر مقلق للغاية ويحتاج الى اصلاحات فورية. وفي شهر سبتمبر الماضي صادق البرلمان على قانون يقضي بالانتداب المباشر لحاملي الشهادات الجامعية ممن طالت بطالتهم أكثر من 10 أعوام، وصرح رئيس الحكومة إن الدولة ستلتزم بكل الاتفاقات الموقع عليها في ما يتعلّق بصرف الزيادات في الأجور وتسوية الوضعيات المهنية الهشة. ارتفاع نفقات الدولة وتراجع الموارد المالية وتتوقع الحكومة انكماشا اقتصاديا هذا العام، وأن يزيد عجزها المالي إلى 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى خلال نحو 4 عقود، ورغم الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لمواجهة الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها تونس اليوم، وحتى قبل أزمة كورونا، كانت تونس تعاني من نمو اقتصادي بطيء وارتفاع البطالة وتردي الخدمات العامة منذ اندلاع الثورة عام 2011. وكان الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان قد دعا في تصريح سابق ل"الصباح" الى إيقاف نزيف كتلة الاجور ، عبر جملة من الإجراءات التي تعيد إلى المالية العمومية توازناتها، من خلال إصلاحات هيكلية تمس الاقتصاد، والسياسة النقدية، إضافة إلى إجراءات مؤلمة في القطاع العام. 80 بالمائة من النفقات العمومية توجه للأجور وأضاف سعيدان أن الزيادة في كتلة الأجور كانت بنسق مرتفع بلغ 8 بالمائة سنويا، وهو رقم مرتفع مقارنة بالأوضاع الاقتصادية في تونس، وخصوصاً في ظل تدني نسبة النمو الاقتصادي، مشيراً إلى أن أكثر من 80 في المائة من النفقات العمومية توجه إلى الأجور، فيما تعتبركتلة الأجور في تونس من أعلى النسب في العالم، إذ إنها تمثل 45 في المائة، من حجم الميزانية العامة للدولة. وسجلت ميزانية 2021 تراجعا في النفقات ب2.684 مليار دينار مقارنة بعام 2020، فيما ارتفعت نفقات التأجير لتبلغ 20.118 مليار بما نسبته 16.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وبلغ نصيب وزارة التربية من الميزانية 6.782 مليار دينار (منها 6.013 مليار دينار للأجور) ، ووزارة الداخلية 3.927 مليار دينار منها 3.379 مليار دينار للأجور)،ووزارة الدفاع 3.440 مليار دينار (منها 2.424 مليار دينار للأجور)، ووزارة الصحة 2.885 مليار دينار (منها 2.177 مليار دينار للأجور) ، ووزارة التجارة وتنمية الصادرات 2.605 مليار دينار (منها 48 مليون دينار للأجور)، وتعد هذه الوزارات الاعلى من حيث كتلة الاجور، وبلغ عدد الأعوان في الوزارات والمؤسسات العمومية وفق مشروع ميزانية 2021 ، تحديدا 644.872 ألف عون عمومي.