قال القيادي ومؤسس حزب "التيار الديمقراطي" محمد عبّو إن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي غير مهتم بمكافحة الفساد في البلاد، مشيراً إلى أن اقتراحه تشكيل حكومة وحدة وطنية لن يحل الأزمة في البلاد، كما أشار إلى أن ضغوط الائتلاف الحاكم تمنع رئيس الحكومة الحبيب الصيد من القيام بالإصلاحات اللازمة، واعتبر أن الرئيس السابق زين العابدين بن علي لن يعود إلى بلاده إلا من بوابة القضاء، ودعا من جهة أخرى إلى تنظيم عمليات سبر الآراء لضمان انتخابات نزيهة وشفافة في البلاد. وأشار في حوار خاص مع "القدس العربي" إلى أن قائد السبسي مسؤول عن التوجهات العامة الخاطئة في تونس التي "لا يمكن تحسن الأوضاع فيها دون الحوكمة ومقاومة الفساد، ورئيس الجمهورية ليس من الأطراف المهتمة بهذا الموضوع، فعندما يتقدم باقتراح يتضمن حكومة وحدة وطنية إثر تفاقم الأوضاع في تونس فهذا يعني أنه لم يدرك حقيقة المشكلة فيها". وأضاف "ثمة مشكلة أخرى تتعلق بتأثير الأحزاب الحاكمة على الحكومة وعدم استقلالية رئيس الحكومة عن هذه الأحزاب، طبعاً لدينا الآن نظام شبه برلماني (نتأقلم معه بصعوبة) ومن المفروض أن هناك أحزاباً تحكم، ولكن في واقعنا التونسي الأحزاب عندما تحكم تبحث عن مصالحها الخاصة، لذلك كان لزاماً على رئيس الحكومة أن يكون مستقلاً عنها أي أن يمارس صلاحياته الدستورية ويتناقش معها في توجهاتها العامة ويطبقها، ولكن هذه الأحزاب بدأت بالتدخل في مواضيع تتعلق بالتعيينات وعدم فتح بعض الملفات وحاولت رسم حدود معينة لرئيس الحكومة وهو ما جعل الوضع الحكومي في البلاد سيئ للغاية". واستدرك بقوله "حتى وإن رغب رئيس الحكومة جدياً ببعض الإصلاحات فإنه وجد نفسه في وضعية ضعف أمام هذه الأحزاب التي عينته وبقي أسيراً لها، وبالتالي لا يملك ما يكفي من السلطة للسيطرة على وزرائه، ولذلك عندما يكون لدينا أحزاب حاكمة لديها مصالح مع مراكز نفوذ وحكومة غير مسيطرة على الوضع وسط تفاقم البيروقراطية والأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فهذا لا يستدعي تشكيل حكومة وحدة وطنية وإنما تغيير السياسات أساساً والابتعاد كلياً عن مراكز النفوذ ومقاومة الفساد والحوكمة". وكانت حركة «النهضة» طالبت مؤخراً بزيادة نسبة تمثيلها في حكومة الوحدة الوطنية المُقبلة، مشيرة إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار في تركيبة الحكومة المقبلة الوزن السياسي للحركة باعتبارها باتت الحزب الأول في البرلمان. وفضّل عبو عدم التعليق على هذا الأمر، مضيفاً "خصوصية العلاقة بين حركة النهضة وقائد السبسي لا نعرفها، ومشاركة النهضة أو أي حزب آخر في الحكومة هو أمر يعنيهما، ما يعنينا نحن هو أن تتغير السياسات ليقع الابتعاد عن مراكز النفوذ واختيار حكومة تتكون من وزراء بعيدين كل البعد عن الشبهات وتضارب المصالح". وكان عبو كتب على صفحته في موقع "فيسبوك" أن الخامس عشر من الشهر الحالي سيكون «تاريخ إعلان الفساد سياسة دولة»، وأوضح هذا الأمر بقوله «قضينا خمس سنوات بعد الثورة ونحن نبرر الضعف وعدم القدرة على مقاومة الفساد، فالترويكا مثلاً قالت لا يمكننا مقاومة الفاسدين ونخشى أن ينقلبوا علينا وأشارت إلى وجود دولة عميقة وغيرها وكنا نعتقد أن هذه التبريرات غير صحيحة، ولكن جاءت فيما بعد حكومة منتخبة في ظروف أكثر استقراراً ولم تكتفِ بعدم فتح ملفات الفساد وإنما بحماية الفاسدين، فعندما نطالب بفتح ملف الثروات الطبيعية والديوانة (الجمارك) والبنوك العامة (لوجود شبهة فساد فيها) ولا تتم الاستجابة لهذا الأمر، فهناك سياسة للدولة تتعلق بحماية الفاسدين». وأضاف «عندما تكون لدى الدولة فرصة لاسترجاع أموالها ممن ارتكب جرائم قبل الثورة عبر تقديم عدد من المطالب في هذا الشأن إلى هيئة الحقيقة والكرامة ولا تقوم بذلك، فهذه سياسة ممنهجة لحماية الفاسدين، وساعتها سنعلن أن الفساد أصبح سياسة رسمية للدولة التونسية وليس مجرد تجاوزات». وكان منير بن صالحة (محامي الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي) أكد أن موكّله يرفض التعامل معه هيئة الحقيقة والكرامة، ولن يعود إلى تونس إلا عبر «العفو العام». وعلّق عبو على ذلك بقوله «بن علي مواطن ارتكب الكثير من الجرائم في حق تونس، وتونس في جميع الحالات تضمن له محاكمة عادلة، وأتمنى أن يسلم نفسه للسلطات التونسية ويحاكم محاكمة عادلة، هذا هو الحل الوحيد لعودته، أم فيما يتعلق بالعفو العام، فمن سيعفو عن شخص يداه ملطختان بالدماء، بالإضافة إلى أنه من أكثر من نهب ثروات البلاد عبر تاريخها، الحل الوحيد بالنسبة له هو أن يتقدم للقضاء، وبالنسبة للجرائم المالية يمكنه أن يتمتع بقانون العدالة الانتقالية قبل الخامس عشر من الشهر الحالي، أما بالنسبة للجرائم الأخرى كالتعذيب والجرائم ضد الإنسانية فيجب أن يدفع ثمن ما ارتكبه». وحول مشروع قانون تنظيم عمليات سبر الآراء الذي تقدم به «التيار الديمقراطي» مؤخرا، يقول عبو «في كل دول العالم يتم وضع قوانين وتراتيب لهذا الأمر، والتجربة التونسة تحتاج لدراسة كبيرة فيما يتعلق بعملية سبر الآراء، فيمكن أن تأتي بشخص لا حظوظ له إطلاقاً وفي كل شهر تضعه في المراتب الأولى فسيقتنع الناس بأنه شخص مهم، والناس عموماً يهتمون عادة بالطرف الذي يوحي بنوع من القوة، فكرة القوة وفكرة اقتناع الآخرين بالشخص تؤدي إلى اقتناع الناخب به، يعني أن العملية خطيرة عندما نترك هذه المؤسسات تعمل بكل بساطة وقد توجه الناخب وتصنع رأي عام تجاه شخص ما لاعتبارات إيديولوجية سياسي أو لاعتبارات مالية وهي الأكثر». وأضاف «الحل يتمثل في المصادقة على هذا القانون الذي يتضمن تنظيم هذا القطاع ومراقبته من طرف هيئة مستقلة تتكون أساسا من القضاة وتراقب كل الأخطاء وعندما تكتشف تجاوزات تقوم بإعلام النيابة العمومية، وهناك عقوبات جزائية فيها بعض الصرامة (مقارنة بالقوانين الأخرى) ولكن المقصود بها حماية الديمقراطية التونسية، ودون ذلك لن تكون هنكك انتخابات حقيقية ونزيهة لأننا لاحظنا في السابق كيف يتم التلاعب بنتائج سبر الآراء». وأشار إلى أن هذا القانون تم إهماله من قبل رئاسة البرلمان «مثل قانون آخر قدمناه سابقاً ويتعلق بالتصريح بالممتلكات وجريمة الإثراء غير الشرعي، وهذه القوانين تنتظر في رفوف المجلس وعسى أن ينظروا فيها في القريب العاجل، وإن كنت أتصور أن هناك من هو ضدها، ولكن لا بأس يجب أن نضغط مع المجتمع المدني وجزء من الرأي العام كي تتم مناقشتها».