بمقر اقامته بقرطاج كان اللقاء الذي أجريناه ظهر اليوم الجمعة مع رئيس الحكومة السيد الحبيب الصيد .. لقاء سبقته جملة من لقاءات العمل اجراها لا تنم على انه يمر بفترة نقاهة بعد التدخل الجراحي " العاجل " الذي اجبره على الخضوع لراحة لم تكن ضمن أولوياته منذ ان تحمل عبء رئاسة الحكومة ، فالرجل معروف عنه انه يعمل بلا كلل ولا ملل وبنفس النسق رغم " النيران الصديقة " التي تطاله بين الفينة والأخرى وتحبط عزائم من كانوا في موقعه لكن منسوب تفاؤله بغد أفضل حافظ على نسق مرتفع عززه اقتناعه بان ما تحقق يرتقي لمستوى نصف الكأس الملآن والذي يستوجب ان يمنحه الدفع للسعي لملئ ما تبقى منه وكذلك اقتناعه الراسخ ان النقد والانتقاد الموجه لرجل الدولة وللوجوه القيادية والسياسية من مقومات قانون اللعبة جعله يمضي قدما دون ان يعير المعيقات اهتماما .. ذاك هو الحبيب الصيد الذي بدا هادئا ومصرا على تحمل مسؤولياته الى اخر لحظة حملنا للصيد جملة من الأسئلة والتساؤلات التي تشغل بال الرأي العام وكنا نفضل ان تكون اشمل لكن ضيق الوقت المخصص حال دون ذلك بداية سعينا للوقوف على حقيقة وضعه الصحي فسالناه: - اولا نقول حمدا على سلامتك ، غير ان الرأي العام تساءل عن امر التدخل الجراحي المفاجئ في توقيته وموعده فهل من توضيح وهل يمكن القول ان صحتك الان هي أفضل حال؟ الحمد لله بأفضل حال، امتثلت لرأي الأطباء في ضرورة عدم تأجيل تدخل جراحي كنت أعتزم إنجازه في ظروف أكثر ملاءمة وتمّت العملية بخير وها أني استأنفت نشاطي وعملي اليومي. - نلاحظ قلة حضوركم الإعلامي فيما يتعلق بالحوار حول مبادرة حكومة الوحدة الوطنية ؟ الأمر مقصود، فبعد أن عبّرت عن استعداد الحكومة ورئيسها للمساهمة في توفير أفضل الشروط لنجاحها، اعتبرت أن من بين تلك الشروط توحيد التواصل حول المبادرة وتركيزه لدى مؤسسة رئاسة الجمهورية. - ولكن هذا لم يكن شأن بعض الوزراء الذين كانت مواقفهم حادة بعض الشيء من المبادرة ؟ أكدت للسادة الوزراء بأنه قد وقع التعبير عن سياسة الحكومة ورئيسها وهي سياسة تقوم على العمل لتوفير كل الشروط لنجاح المبادرة وأن السادة الوزراء معنيون بالتركيز على أدائهم وملفاتهم وأنني مستعد للتفاعل الكامل مع مخرجات الحوار بما يساهم في نجاح محطّاتها المختلفة. أما خروج البعض عن هذه السياسة فعالجناه بصرامة التذكير بسياسة الحكومة الإيجابية وبحرصها على العلاقة السلسة والسليمة بين مختلف مؤسسات الدولة. - ولكن رغم ما عبرتم عنه فان علاقتكم برئيس الجمهورية تبدو فاترة أو ربما متوترة ؟ ليس بيني وبين السيد رئيس الجمهورية إلا الاحترام والتقدير المتبادلين... ولن تفلح إيحاءات ومحاولات البعض في أن تغيّر من ذلك. فسلامة العلاقة بيننا حاصلة وهي التي نعتمد عليها من أجل الإدارة الجيدة للعلاقة بين الوظائف والمؤسسات. وأستند في ذلك إلى الخبرة العميقة للسيد رئيس الجمهورية بشؤون الدولة ودواليبها. - ولكن تبدون غير مقتنعين بالمبادرة ؟ ليس صحيحا، فالمبادرة تقوم على تشخيص مفاده دقة الأوضاع وعلى رغبة في تعبئة كل القوى والطاقات من أجل التصدي لأعباء المرحلة المقبلة وهي كثيرة، وهي معاني لا يمكن الاختلاف حولها، وقد يكون لنا بعض الاختلاف حول توقيتها بناء على أجندة سياسية سابقة محل توافق بين الأطراف المختلفة ومحطّتها البارزة هي الانتخابات البلدية القادمة، ولكن إذا كان هناك توجه جديد نحو بناء أجندة وطنية جامعة جديدة، فلن يكون منا إلا المساندة والانخراط في تجسيدها، خاصة وأنه بعد إطلاعي على وثيقة أولويات حكومة الوحدة الوطنية أجد الكثير من نقاط الالتقاء مع برامج الحكومة الحالية وتوجّهاتها إن لم يكن كلها. - تصرّ بعض أطراف الائتلاف الحكومي على تغييركم، فهل لازلتم على استعداد للإشراف على الحكومة المرتقبة ؟ من حق أي طرف في البلاد وخاصة إذا كانت له التمثيلية السياسية التي لدى بعض الأطراف أن يتخذ المواقف التي يعتقد أنها صالحة للبلاد ولحزبه، فهذا الأمر بديهي ولا يقلقنا. وذكرت إبّان الإعلان عن المبادرة من طرف السيد رئيس الجمهورية أنني أضع نفسي على ذمة مصلحة البلاد والأمر الآن بيد السيد رئيس الجمهورية والمشاركين في المبادرة، فأتمنى لهم التوفق إلى حسن الاختيار بما يتماشى مع المصلحة الوطنية التي تبقى المرجع والهدف الأسمى. - يردّد بعض القياديين في حركة نداء تونس بأنك تخضع لتأثير أشخاص من حولك وأن السيد رضا بلحاج وراء ما تتخذه من مواقف وما تقوم به من تعيينات... كما يردّدون بأنك تنكرت لنداء تونس الذي اقترحك لرئاسة الحكومة ولبرنامجه؟ أنا لا أخضع إلا لتأثير ضميري ولمتطلبات المصلحة العامة وكل من يعرفني جيدا يدرك أني متشبّع بمفهوم ومنطق الدولة بعيدا عن الأهواء الشخصية والاعتبارات الذاتية وإملاءات أي طرف كان. كما أني أنأى بنفسي عن الخلافات داخل نداء تونس وأقف على نفس المسافة من كافة الأطراف. ولعلمكم فإن التعيينات في الوظائف السامية في الدولة تتم بالتشاور مع السيد رئيس الجمهورية. ثم أنه على سبيل المثال فإن التعيينات الأخيرة في سلك المعتمدين تمت بالنسبة لمرشحي نداء تونس بناء على قائمة اقترحها الحزب بإمضاء مديره التنفيذي. وبالطبع فإن هنالك جملة من المقاييس منها حد أدنى من المستوى التعليمي والخبرة ونقاوة السوابق. ومن ناحية أخرى وجوابا على سؤالكم فإن ادّعاء التنكر لنداء تونس مجانب للصواب ويكفي الإشارة إلى أن القسط الأوفر من برنامج عمل الحكومة مستمد من برنامج نداء تونس وما عليكم إلا المقارنة بين بيانات الحكومة أمام مجلس نواب الشعب والوثيقة التوجيهية للمخطط 2016-2020 ومضمون مشروع المخطط وبين برنامج نداء تونس وستقفونعلى أن الحكومة استوحت توجهاتها وأهدافها من مقاربة تأليفية لأحزاب الائتلاف الحكومي وفي مقدمتها حركة نداء تونس. - يردّد البعض كذلك أن لك علاقة خاصة بحركة النهضة؟ أتعامل مع حركة النهضة باعتبارها جزءا من الائتلاف الحكومي وعلى أساس الشفافية التامة في ما يتّصل بعمل الحكومة والملفات ذات العلاقة. مع العلم أني حريص على التشاور مع الأحزاب الأربعة المكونة للائتلاف الحكومي بل ومع مختلف الأحزاب بما في ذلك أحزاب المعارضة ما دامت الغاية هي خدمة الصالح العام ومجابهة التحديات المطروحة في ظرف أحوج ما تكون فيه بلادنا لتوحيد الجهود وتعبئة الطاقات من أجل ترسيخ المسار الديمقراطي وتحصينه من المخاطر المحدقة به والوصول بوطننا إلى بر الأمان. - في الوقت الذي شهدت فيه عدة بلدان عمليات ارهابية دامية مرّ شهر رمضان هذه السنة بسلام في تونس دون عمليات إرهابية ، فكيف تقييمون الوضع الأمني اليوم ؟ توفقنا بعون الله وبفضل ما رسمناه من خطط أمنية وبفضل جاهزية المؤسستين العسكرية والأمنية وتعاون المواطنين إلى أن يكون شهر رمضان لهذه السنة شهر سكينة وأمن وطمأنينة. وقد لاحظتم بدون شك الانتشار الميداني المحكم في مختلف مناطق البلاد على امتداد هذا الشهر المبارك إلى جانب تعزيز التنسيق والتكامل بين الوحدات العسكرية والوحدات الأمنية فضلا عن عديد العمليات الاستباقية وملاحقة الإرهابيين في أوكارهم. وأودّ بالمناسبة أن أجدّد شكري وتقديري لكافة العسكريين والأمنيين مكبرا فيهم روحهم الوطنية العالية وتضحياتهم الكبيرة. وبقدر اعتزازنا بهذه النجاحات فإنها تمثل خير حافز على ملازمة اليقظة الدائمة ومضاعفة الجهد وتفادي كل أشكال التراخي باعتبار أن المخاطر الإرهابية ما زالت قائمة وأن العصابات الإرهابية قد تلجأ إلى عمليات يائسة أضف إلى ذلك ما يتّسم به محيطنا الجيوسياسي من اضطراب والوضع الدّقيق في ليبيا الشقيقة. ولا خيار لنا سوى رصّ الصفوف وتوحيد الجهود للمضي قدما على درب كسب الحرب على الإرهاب باعتبار ذلك شرطا ضروريا للتفرغ لخوض غمار التنمية والحفاظ على مكاسبنا وتعزيزها.