أخيرا تقرر رسميا التخلي كليا عن الامتياز المخول لتلاميذ البكالوريا الاستفادة من احتساب 20 بالمائة من المعدل السنوي ضمن المعدل النهائي لامتحان البكالوريا وذلك بداية من السنة الدراسية القادمة. إجراء لم يكن مفاجئا للرأي العام ولا للتلاميذ أنفسهم بالنظر للتداول المتواتر لهذه المسألة طوال سنوات ما بعد الثورة وما أثارته من ضجة صاخبة وردود فعل ساخنة حينا وهادئة أحيانا أخرى كلما تعلق الأمر بالتلميح إلى حذف نسبة "دعم النجاح". تماما كما هي الحال عند الحديث عن رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية. إذا بداية من دورة 2017 لن تكون هناك "بكالوريا إلاّ خمس أو إلاّ ربع" وستعكس النتائج حقيقة المستوى التعليمي لكل مترشح وحقيقة مردوده السنوي باستحقاق وبعيدا عن الانزلاقات التي سقط فيها التعامل أو البحث عن التوظيف الفج لهذا الامتياز عبر كل الطرق والوسائل التي بلغت حد تضخيم المعدلات السنوية لتصل في إحدى الحالات إلى تحصل تلميذ بمعهد خاص على معدل سنوي ب19.99 من عشرين ليظفر في امتحان البكالوريا بمعدل ضعيف لم يتجاوز3 من 20 وفق تصريح لمدير عام الامتحانات بوزارة التربية عمر الولباني مما يفضح مستوى الابتزاز والمتاجرة الدنيئة بهذا الإجراء لدى البعض لبلوغ وهم النجاح بكل الطرق. في هذه الورقة محاولة لاستقراء إسقاطات القرار الأخير المعلن حول إلغاء احتساب نسبة 25 بالمائة من المعدل السنوي في امتحان البكالوريا قبل التخفيض فيها إلى 20 بالمائة في الدورتين المنقضيتين على النتائج العامة لشهادة البكالوريا مستقبلا؟ والبحث في مدى إسهامها في تصحيح مسار نتائج هذا الامتحان وإعادة صدقية الشهادة بعيدا عن التضخيم وزيف حلم النجاح الذي راود عشرات آلاف التلاميذ منذ إقرار العمل بهذا الامتياز سنة 2002؟ يذكر أن هذه النسبة كانت تساهم طبقا لتصريح لوزير التعليم العالي السابق في حكومة مهدي جمعة في ارتقاء 40 بالمائة من الوافدين على الجامعات التونسية بما أثر على جودة التكوين والتعليم العالي. على أن محدثنا من وزارة التربية يقدر أن النسبة قد تكون أرفع بكثير،لأنها مفتوحة للجميع ولم تكن مقترنة بشرط الثلاث نقاط فارق بين المعدلين السنوي والامتحان الوطني. إسقاطات وانتظارات لم يتوقع عمر الولباني أن تكون تداعيات أو إسقاطات قرار التخلي عن 25 بالمائة كبيرة على المعدل النهائي للبكالوريا من خلال اعتماد الصيغة الجديدة في الدورة القادمة والتي لن يتجاوز أثرها حدود النقطتين، وبالتالي لن تكون نتائجها لافتة ولا حتى كارثية على مخرجات شهادة البكالوريا ولا على عدد الناجحين خلافا لما يتداوله البعض -حسب تعبيره-. لا يندرج هذا الموقف في باب التجني أو التقليل من أهمية الإجراء بل لأن الشروع في العمل بالصيغة الحالية والتخفيض من النسبة إلى 20 بالمائة منذ دورة 2015 ساهم بشكل جلي وعملي في تصحيح مسار هذه الشهادة وإضفاء مصداقية أكبر على نتائجها وعلى صدقية عملية التقييم السنوي لمكتسبات التلميذ بعيدا عن المجاملات والمحاباة بتضخيم الأعداد بشكل يتجاوز حدود الخيال، خاصة أن التخفيض كان مرفوقا بشرط فارق ثلاث نقاط بين المعدلين السنوي والوطني. استقراء الصيغة الجديدة في استقراء استباقي لأثر الإجراء الأخير والذي سيصدر قريبا بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية بما يعطيه صبغته القانونية النافذة على النتائج المستقبلية لامتحان البكالوريا بعد القطع مع التقليد القديم في التعاطي مع نسبة 25 بالمائة إلى حدود دورة 2014، ومع الصيغة الحالية المعتمدة على 20 بالمائة جدّد الولباني التأكيد على أن النتائج لن تكون متباينة ومتباعدة بصفة بارزة عن دورة 2016 خاصة أن الانطلاق في اعتماد فارق الثلاث نقاط بين المعدل السنوي والبكالوريا أعطى أكله وقلّص بشكل بارز من الفوارق اللافتة بين المعدلين، مما ساعد على إعادة المصداقية للشهادة والخروج من دائرة النجاح المغشوش. استنادا إلى مؤشرات علمية دقيقة شخّص مدير عام الامتحانات سيناريوهات إسقاط الصيغة الجديدة على نسب النجاح العامة باعتماد دورة 2016 كسنة مرجعية. انطلق محدثنا في تشخيصه بالتذكير بنتائج الدورة الرئيسية لبكالوريا 2016 بالمعاهد العمومية وقد كانت على النحو التالي: -الناجحون 41746 بنسبة تعادل 38.73 بالمائة - المؤجلون 38798 بنسبة تساوي 35.99 بالمائة -المرفوضون 27122 تلميذا بنسبة 25.16 بالمائة في صورة تطبيق الصيغة القديمة (25بالمائة) المفتوحة للجميع دون شروط يكون عدد الناجحين في حدود 47055 بنسبة نجاح ب43.65 بالمائة. - المؤجلون 39758 بنسبة 36.88 بالمائة المرفوضون سيكون عددهم أقل بنسبة 19.35 بالمائة ما يعادل 20853 تلميذا. وباعتماد الصيغة الجديدة المرتقبة والحذف الكلي لنسبة 20 بالمائة تكون نتائج الدورة على النحو التالي: الناجحون 39175 بنسبة 36.34 بالمائة بفارق نقطتين وهي نسبة قريبة من المؤشرات الراهنة ولن تؤثر كثيرا على فرص النجاح والمؤشرات المسجلة هذه السنة. بالنسبة للمؤجلين يكون عددهم في حدود 38251 بنسبة 35.45 بالمائة وبخصوص المرفوضين فإن عددهم لن يتجاوز 30276 بنسبة 28.09 بالمائة. وفي حوصلة لقراءته أقر عمر الولباني بأن الشروع في تطبيق 20 بالمائة المحتسبة في معدل البكالوريا منذ الدورتين الماضيتين وما استتبعها من اعتماد فارق ثلاث نقاط تم تصحيح مسار نتائج الامتحان وإعادة الاعتبار للشهادة مما يؤسس لتكريس مبدإ تكافؤ الفرص والإنصاف في النجاح أمام جميع المترشحين، بالقضاء على عمليات التحيل في تضخيم الأعداد على حساب من يعول في نجاحه على مؤهلاته الخاصة. تراجع مؤشرات النجاح في التعليم الخاص خلافا للمعاهد العمومية فإن ذات الإسقاطات المدرجة على نتائج دورة 2016 بالنسبة للمعاهد الخاصة تفضي إلى مؤشرات أكثر تراجعا، ذلك أن اعتماد صيغة 20 بالمائة تسبب في انخفاض عدد الناجحين هذه السنة إلى 826 تلميذا بنسبة 4.83 بالمائة. وفي صورة احتساب الصيغة القديمة (25 بالمائة) كان عدد الناجحين سيرتفع إلى 1097 بنسبة نجاح تضاهي 6.41 بالمائة. غير أن هذه النتيجة كانت ستتراجع إلى قرابة النصف في حال تطبيق القرار الجديد المعلن مؤخرا لتنخفض نسبة النجاح إلى 3.93 بالمائة. وبلوغ عدد الناجحين عن جدارة وبالاعتماد فقط على قدراتهم ومكتسباتهم الذاتية 677 تلميذا. رسالة مضمونة الوصول على خلفية هذه القراءة توجه محدثنا برسالة مباشرة إلى أصحاب المعاهد الخاصة للاستثمار في التدريس وتنمية مؤهلات التلميذ العلمية والمعرفية وتوجيه عناية منظوريهم إلى التعويل على الذات والقطع مع ثقافة النجاح الواهم والإيمان بأن المثابرة والاجتهاد في التعلم وتطوير مكتسباتهم طوال السنة لدراسية السبيل الوحيد والأضمن لتأمين النجاح والفوز. الرسالة ذاتها توجه إلى عموم التلاميذ لأن زمن الكسل والاعتماد على 25 بالمائة ولّى وانقضى ولم يعد أمامهم سوى المثابرة والاجتهاد في تحسين معارفهم وتعزيز مكتسباتهم في مجال التعلم باعتبارها الطريق الأوحد للظفر بشهادة البكالوريا. جزء من الحل.. على أهمية قرار الإلغاء الكلي لنسبة 20 بالمائة في احتساب المعدل السنوي يبقى في نظر المتحدث جزءا من الحل في تصحيح مسار الامتحان الوطني للبكالوريا وهو ما جعل وزارة التربية تشتغل على آليات ومخرجات أخرى للإصلاح التربوي منها الزمن المدرسي بالتمديد في أيام السنة الدراسية وبتعديل منظومة التقييم خلال السنة الدراسية ومزيد فتح المجال أمام عملية التعلم بالتقليص من الزمن المهدور المخصص كل ثلاثية للتقييم وإصلاح الفروض، إلى جانب المراهنة على دعم التكوين الأساسي للمربين بإقرار مسلك تكويني خاص بداية من السنة الجامعية الجديدة يفضي إلى تخرج كفاءات مهنية جاهزة للتدريس والتعليم.. هكذا إذا بعد 12 سنة من اعتماد 25 بالمائة ينتهي تطبيق هذه الآلية بحلول دورة 2017 للبكالوريا بما يضع حدا للانزلاقات المسجلة والتي أفرغت هذه الآلية من أهدافها وجعلت من النجاح المبتذل والمغشوش في الامتحان الغاية الأساسية بتعمد تضخيم النتائج والذي وصل حد التحيل طبقا لتوصيف محدثنا مما انعكس على جدية الشهادة وتدني مستوى التعليم العالي وجودة التعلم ما يملي الشروع في إصلاحات المنظومة التربوية، إصلاح يتطلب نفسا طويلا وشاقا بالنظر لحجم الملفات الساخنة المطروح فتحها ومعالجتها بصفة مرحلية. انطلقت أولى بوادر تصحيح المسار بالدفعة الأولى من الإجراءات التي أعلنتها اللجنة العليا للإصلاح التربوي والمنتظر أن تتعزز بخطوات أخرى قادمة. منية اليوسفي جريدة الصباح بتاريخ 6 اوت 2016