أشخاص اختفوا قسريا وفي ظروف غامضة وتم اقتيادهم الى أماكن مجهولة وزنزانات تحت كهوف بجبال أو بسراديب وزارة الداخلية وأخضعوا الى التحقيقات وذاقوا خلالها شتى ألوان التنكيل والتعذيب، ثم بعد مدة يتم إعلام عائلاتهم بوفاتهم ودفنهم بمكان مجهول. بعض الحالات على غرار رشيد الشمّاخي، كمال المطماطي، فتحي الوحيشي، وليد حسني، وآخرون و شيخ شارل نيكول أو الشّيخ محمّد بالأزرق الذي شكّكت عائلته في وفاته وقالت إنه على قيد الحياة ومعتقل في سجن سرّي... هؤلاء الأشخاص وغيرهم اختفوا قسريّا ثم علمت بعد ذلك عائلاتهم بوفاتهم.اما رشيد الشمّاخي فلا تعلم عائلته مكان دفنه الى اليوم. كل تلك الإختفاءات القسريّة تطرح تساؤلات عدة أوّلها ما حقيقة السجون السرية في تونس؟ كانت أوّل من تحدّثت عن السجون السرّية في تونس وتطرّقت الى هذا الملف رئيسة منظّمة حريّة وإنصاف المحامية إيمان الطريقي خلال ندوة صحفيّة قبل الثورة تحدثت فيها عن قضيّة الشيخ اليوسفي محمد بالازرق الذي قيل إنه ظهر بمستشفى شارل نيكول وكان في وضع صحّي مزر وقتذاك قالت الطريقي إن الشيخ هو محمد بالازرق وأنه لم يتم إعدامه بل أودع بسجن سرّي، وقالت إن المنظمة تلقت شهادات تفيد بوجود سجون سرية في تونس أحدها بمنّوبة. هل هناك سجنين سرّين بمرناق ومنّوبة؟ المحامي والعضو بمنظّمة مناهضة التعذيب منذر الشّارني تحدث في تصريح ل" الصباح نيوز" حول الموضوع وقال الى أن عائلات أشخاص إختفوا قسريا أفادوا المنظمة أن أبناءهم اختفوا في ظروف غامضة وأنهم لم يعلموا عنهم شيئا على غرار عائلة رشيد الشمّاخي الذي اختفى دون سابق إنذار ثم تم إعلام العائلة أنه توفي ولكنها لا تعلم مكان دفنه الى حد هذه اللحظة مضيفا أن هنالك أخبار تم تداولها سابقا تشير الى وجود سجون سرية بكل من منطقتي منوبة ومرناق. وأضاف الشارني أنه في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة كانت هنالك تجاوزات كثيرة لانعدام وجود قوانين تحدد مدة الإحتفاظ وأنه في سنة 1987 وقع تنظيم مدة الإحتفاظ . وعن المعتقلات السرّية يقول إنه يوجد معتقل سري في الصحراء المغربية. ولكنه لا يعلم المجن كان في تونس سجون سرية أم لا وهل أن هناك علاقة للإختفاءات القسرية بوجود سجون سرية في تونس معتبرا أن هيئة الحقيقة والكرامة لها دور كبير في الكشف عن حقيقة السجون السرية في تونس؟. 36 إختفاء قسريا خلال 17 سنة كانت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين كشفت سابقا أنه منذ سنة 1991 الى حدود سنة 2008 بلغ عدد المختفين قسريّا 36 شخصا بينهم يوسفيين ليتم اكتشاف أنهم تعرضوا الى التعذيب على غرار كمال المطماطي الذي تم تعذيبه بشكل فظيع من طرف عناصر البوليس السياسي الذين اختطفوه قسرا وأعدموه وأخفوا جثته التي لم يتم الكشف عن مكانها الى حد اليوم. كمال المطماطي تهمته الإنتماء الى جمعية غير مرخص فيها وصدر ضده حكم غيابي يقضي بسجنه 17 عاما عن محكمة قابس والحال انه متوفّ. نفى كاتب الدولة المكلّف بالأمن سابقا رفيق الشلّي في تصريح ل"الصباح نيوز" علمه بوجود سجون سريّة من عدمه مشيرا الى أن إدارة أمن الدولة كانت تهتم قبل حلها بالقضايا ذات الطّابع السّياسي. رحلة بين 9 سجون من جهته كشف طه بقّة عضو الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسين وعضو الشبكة التونسية للعدالة الإنتقالية وعضو الفريق الوطني لزيارة مواقع الإحتجاز بأنه سبق وأن حوكم ب20 سنة سجنا قضى منها ما يقارب 16 سنة خلف القضبان حيث أودع أوائل 1991 ثم غادر السجن آخر سنة 2006 مشيرا الى أنه لم يمكث بسجن واحد بل تنقل بين تسعة سجون من الشمال الى الوسط الى الجنوب قضى منها 11 عاما في السجن الإنفرادي في سجون مختلفة على سبيل المثال بزنزانة بسجن قرمبالية الذي تم هدمه عام 1999 حيث بقي بتلك الزنزانة مدة عامين من آخر سنة 1997 الى أخر سنة 1999 وكانت تلك الزنزانة معزولة عن السجن اذ أكد له مدير سجن المرناقية وقتذاك أنه مكلف بتسليمه الأكل والشرب وأن تلك الزنزانة تحت اشراف البوليس السياسي بوزارة الداخلية، وكان طه بقة آخر سجين يتم ترحيله من سجن قرمبالة قبل هدمه وأما الزنزانة التي اقام فيها فكان خلفها برميل معبأ بنزينا تم وضعه حتى يتسرب غازه الى الزنزانة التي تفتقر الى التهوئة . سرّ مغارة سجن الناظور يقول طه بقّة إنّه قضى بعض السنوات من حياته في سجن الناظور الذي كان اصدر بن علي أصدر قرارا بهدمه وبعد سنتين ونصف أعاد فتحه خصيصا لإيداع المنتمين لحركة النهضة وأطلق على أحد أجنحته اسم جناح "د" وهو جناح صمم به 36 درجا تؤدي مباشرة الى مغارة تحت الجبل وفوقها كانت هنالك أربعة زنزانات من مواصفاتها أن السقف كان منخفضا جدا وكانت تلك الزنزانات ضيقة بشكل لا يستوعبه العقل ومعزولة عن العالم وعن السجن وقد أودع بتلك الزنزانات الأربعة 14 سجينا ينتمون لحركة النهضة وتعرضوا خلال تلك الفترة الى الضرب و بعد خمسة أشهر تم جلب الصادق شورو وعبد الله الزواري وحمادي الجبالي والعجمي الوريمي وعبد الكريم الهاروني وأودعوا بجناح "د" الذي يحتوي على أربعة زنزانات معزولة تماما عن السجن وهي عبارة عن مغاور تحت الأرض وكان هناك أعوان أمن خاصّين مكلفين بحراستهم. واعتبر أن جناح "د" هو سجن سرّي فتحه بن علي في مارس 1991 ثم اغلقه عام 1994. وكشف أيضا أن هناك "سرداب" في سجن 9 أفريل عبارة عن سجن سري أودع به خلال مساجين حركة النهضة خلال شنهم إضرابا عاما فجلبوا له كل المودعين بكافة السجون التونسية خلال شهر ديسمبر 1996 وأضاف انه خلال ذلك الإضراب كان هناك أعوان أمن تلقوا أوامر بإيقاف إضراب الجوع بالقوة وهناك من استعصى فتم ايداعه بكهف بسجن 9 أفريل وقد اكتشف حينذاك سجناء النهضة الذين أودعوا به أن هنالك كهوف تحت الأرض في سجن 9 أفريل أودع بها مساجين لا يعرف عنهم العالم شيئا وهذا ما يكشف ربّما بوجود سجون سرية في تلك الفترة وفق تصريحه. طه بقّة يقول أنه قضى أيضا ثلاثة أشهر في "سيلونات" سجن المهديّة التي كانت الإقامة فيها قاسية جدّا وفق ما يقول فقد كانت "لا عندها طول ولا عرض بمعنى لا يستطيع السّجين أن "يمدّ ساقه أبدا" وفق تصريحه. مأوى العجّز بصفاقس محتجز للمعارضين "ع م" سجينة سياسية سابقة القي عليها القبض في 5 ماي 1992 واتهمت بانتمائها لحركة النهضة رغم أنه ليس لديها أي إنتماء لأي جمعية في تلك الفترة وفق تأكيدها ولكن وقتذاك أوقفت وأخضعت الى التحقيق من طرف عدة جهات أمنية بعد اقتحام منزلها وايقافها ولكن قبل ذلك تقول في تصريح ل"الصباح نيوز" أنه القي القبض على زوجها لإتهامه بدوره بالإنتماء الى حركة النهضة وقبل اطلاق سراحه بأربعة أيام أوقفت هي وتم التحقيق معها في مكان مجهول وسري وهو نفسه الذي اصبح اليوم مأوى للعجّز بمدينة صفاقس وفق تصريحها، تقول إنها تعرّضت الى التعذيب المادي والمعنوي خلال التحقيق معها في ذلك المكان السرّي لمدة يوم كامل ثم أفرج عنها وبعد أربعة أيام ألقت القوات الأمنية عليها القبض من جديد وتم اصطحابها لنفس المكان الذي هو عبارة عن كهف مظلم وبه رطوبة وكان يحتوي على غرف ضيقة وأخضعت للتحقيق في ذلك المكان لمدة يوم كامل وأشبعت تعنيفا وشتما ثم بعد التحقيق معها أودعت بأحد السجون التونسية وقضت 3 أشهر ثم أطلق سراحها ولكنها بقيت تحت المراقبة الإدارية لمدة سبع سنوات تعرّضت خلالها الى التعذيب النفسي والهرسلة الأمنية الكبيرة على حد تعبيرها. رغم ما تعرّضت اليه من تعذيب مادي ونفسي استطاعت أن تتجاوز محنتها وتتغلب على من حاولوا كسر "شوكتها" في اشارة الى بوليس بن علي وانتصرت وتمكنت بفضل نضالها وصمودها من تحقيق أحلامها وهي تدير الآن مجموعة من الشركات. زهير مخلوف: لا وجود لسجون سرّية في تونس في الوقت الذي يقول فيه البعض أن هنالك سجون سريّة في تونس قبل الثورة يؤكد البعض الآخر على غرار زهير مخلوف الذي أكد في تصريح "للصباح نيوز"أنه لا وجود لسجون سرّية البتة في تونس منذ عهد الزعيم بورقيبة الى يومنا هذا وحتى أنه عندما قيل أن "غوانتنامو" وبعض الدول الكبرى التي أقامت سجونا سرّية في لبنان وفي الأردن والعراق لم تشير أن هناك سجونا سرية في تونس وأضاف أنه قبل الثورة كانت هنالك أماكن ايقاف سرّية متمثلة في منازل وكهوف داخل منازل وقد تبين أن تلك المنازل تابعة لإطارات أمنية وأعوان أمن عاديين وشدد على انعدام وجود سجون سرّية في تونس مؤكدا أن هنالك أماكن ايقاف يتم التحقيق فيها مع السجين وهي في الحقيقة عبارة عن منازل تابعة لأمنيين وقد تم التحقيق فيها مع إسلاميين ويساريين ثم يتم فيما بعد ايداعهم بسجون عاديّة. 15 الى17 ألف سجين سياسي وكشف مخلوف أنّه منذ الإستقلال الى يومنا هذا هنالك ما بين 15 و17 الف سجينا سياسيا وقد أودعوا بسجون تونسية معروفة المقر على وتم قبل ذلك التحقيق معهم في أماكن معلومة ما عدا بعض الذين يعدّون على اصابع اليد وقع ايقافهم لايام معدودة وفي اماكن سرية غير معلومة وهي عبارة عن أرض فلاحية أو "سرداب" بمنزل أو في بيوت نائية في ضيعات فلاحية وكلها تابعة لأمنيين أو لمؤسسات الدولة. وقال " لا وجود لسجون سرّيّة في تونس وأن كل من يزعم غير ذلك يريد أن يضخّم القمع الذي وقع ويعطيه منحى غير طبيعي، فأنا أقول له أن القمع وقع بمرأى ومسمع في أماكن معلومة وسجون معلومة، وأن كل ما في الأمر أن أشخاص سجنوا في سجون معلومة ولكن لم يتم إعلام عائلاتهم على غرار جماعة انقلاب 1962 الذين سجنوا في برج الرومي وقد حوكموا في محاكمة علنيّة ومعروفة ولكن لم يتم إعلام عائلاتهم. وهو ما دفع بالبعض الى الشك ربّما بوجود سجون سرّية في تونس، كما أن القانون التونسي في عهد الحبيب بورقيبة لم يكن يسمح لعائلات المحكومين بالإعدام من زيارة أبنائهم وهذا ما دفع بالبعض الى الشك في وجود سريّة، وهذا ما وقع مثلما اشرت آنفا للمحكومين بالإعدام في انقلاب 1962 " أما بالنسبة لمساجين الإتجاه الإسلامي يقول مخلوف أنهم أودعوا بسجون معلومة، وفيما روج حول الشيخ محمّد بالازرق أكد زهير مخلوف أنه أودع بسجن 9 أفريل وحكم بالإعدام ونفّذ فيه الحكم وتأكّد ذلك بنتيجة التحليل الجيني. سمير بن عمر على الخط وجود سجون سرّية في تونس يعني دولة خارقة ومارقة للقانون ويمكن مقاضاتها جزائيّا ومدنّيا هذا ما أكده في تصريح ل"الصباح نيوز" المحامي سمير بن عمر مضيفا أنه وفق القانون هناك سجون وأماكن احتجاز رسمية تخضع لرقابة الدولة والقضاء والسجون السريّة لا توجد سوى في الأنظمة الدّيكتاتورية. مضيفا أنه فرضا وجدت سجون سرّية في تونس قبل الثورة فتكون بذلك الدولة مخالفة وخارقة للقانون التونسي والمواثيق الدولية ويمكن مقاضاتها جزائّيا ومدنيّا وذلك بمطالبة المتضرر لها بتعويضات ماديّة. مضيفا أنه سبق له أن كلفته مجموعة من الجزائريين بإنابتهم في قضية كان رفعها في 2011 الى النيابة العمومية بتونس وتم فتح تحقيق في الموضوع تتعلق باختفاء عندما حاولوا "الحرقان" الى أوروبا في 2010 وتم ايقافهم من قبل السلطات التونسية واحتجزوا في سجون سرية حسب ما أفادوه به عائلاتهم، كما أفادوه أيضا أنه منذ ايقاف أبنائهم من قبل السلطات التونسية لم يسمعوا عنهم أي خبر. غياب الإرادة الحقيقيّة لفتح ملفّات السجون السرية واعتبر رئيس حركة وفاء الأستاذ عبد الرؤوف العيادي في تصريح ل"الصباح نيوز" أنه لا توجد ارادة حقيقية من بعض المسؤولين بوزارة الداخلية لفتح ملفات السجون السرّية في عهدي بن علي وبورقيبة مضيفا أن هنالك العديد من الأشخاص اختفوا أو اختطفوا في ظروف غامضة وتم اقتيادهم الى أماكن سرية ثم تعلم عائلاتهم فيما بعد بوفاتهم مشيرا أن هنالك شخص أفاده أنه تم ايداعه بسجن سري لمدة عشر سنوات وذلك في عهد بن علي ويبدو وفق ما قاله له ذلك الشخص أن مسألة ايداعه بذلك السجن له علاقة بالطرابلسية. واستشهد عبد الرؤوف العيادي بحالة الخبير بالبورصة الأمريكيّة محمد العلاني الذي تم إختطافه في 21 جوان 2004 بسويسرا وعدّة حالات أخرى على غرار حالة مروان بن زينب الذي تم اختطافه في عهد بن علي ثم فوجئت عائلته بعد ذلك بموته تحت عجلات القطار. لغز مبروك 1 ومبروك 2 أكد العيادي أن ملفّات السجون السرّية لم تفتح بعد الثورة كاشفا بأنه وعدد من الأشخاص الآخرين سبق وأن أوقفوا في عهد بن علي واقتادهم البوليس الى مركزي ايقاف سرّيين بمنطقة نعسان يعرفان بمبروك 1 ومبروك 2 وهما عبارة عن "فيلتين" تحتويان على سراديب. ولكن يقول العيادي أنه بعد الثورة لم تعد هناك سجون سرّية لبروز عدة إشكاليّات أخرى على غرار الإرهاب ومن وراءه...