أكّد راشد الغنوشي تفاعل تونس مع مجتمعها وتراثها الإصلاحي وانفتاحها على الغرب والعالم العربي والإسلامي وعلى التجربة النقابية وهو ما لم يكن منصوصا عليه في نصوص النشأة في العمل في الساحة الإسلامية. وبيّن الغنوشي في محاضرة بعنوان "التيار الإسلامي وقضايا الدستور الديمقراطي" ألقاها في ندوة :"الإسلاميّون ونظام الحكم الديمقراطي.. تجارب واتجاهات" التي انتظمت في مدينة الدوحة بقطر أنّ أحداث 1978 أيقظت الإسلاميين إلى البعد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية في الإسلام بعد أن كان هذا البعد غائبا في كثير من الأدبيات الإسلامية في تلك الفترة، وفق ما جاء في ملخص محاضرة الغنوشي التي نشرتها الصفحة الرسمية لحركة النهضة على "الفايسبوك". كما أبرز الغنوشي تعرض المرأة إلى مظالم شنيعة في الماضي، مؤكّدا عدم ممانعته وجود مجلة للاحوال الشخصية لحماية حقوقها تندرج ضمن اجتهاد من بين الاجتهادات وعمله على إقرار المساواة بين الرجل والمرأة ورفع الحيف عنها. وفي نفس السياق، أكّد عدم ممانعته في أن تشغل المرأة أية وظيفة بشرط توفر الكفاءة الذي كان شرطا في اختيار نائبات حركة النهضة في المجلس التأسيسي. وأضاف الغنوشي قائلا : "لقد ساعدتني زيارتي للسودان في نهاية السبعينيات ورؤيتي للمكانة التي تحتلها المرأة هناك على مراجعة بعض الأفكار المسبقة واستيعاب التحديات الجديدة للعصر". أمّا عن المساواة في المواطنة، فأكّد أنّها تقتضي قبول ترشح المرأة لمنصب الرئاسة والوزارة والمجلس التشريعي ، إلا أن هذه الفكرة مازالت على قدر كبير من الانتشار لدى كافة أطياف التيار الإسلامي. وبيّن الغنوشي استفادة حركة النهضة في تونس من نشأة حركة ديمقراطية على يد أحمد المستيري ومن الحراك النقابي والصراع الطلابي العنيف في الجامعة والذي جعلها تبلور فكرا منفتحا متقبلا للرأي المخالف ، إضافة إلى وقوف المنظمات الحقوقية مثل منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" مع الحركة في نضالاتها ضد الدكتاتور ورسخت في فكرها البعد الحقوقي والإنساني. ومن جهة أخرى، أكّد راشد الغنوشي أنّ "النهضة كانت واضحة في البداية فهي لم تصل إلى الحكم لتفرض تطبيق الشريعة بالقوة على الشعب بل لإنهاء الاستبداد ومقاومة الظلم ونشر قيم العدل والحرية والمساواة بين المواطنين فالإسلام دين فطرة ولا يحتاج للقهر والإجبار ". وفي ما يهمّ التحالف حول اتفاق 18 أكتوبر مع أنصار الحرية ومنهم شيوعيون، قال الغنوشي أنّه لم ير مانعا في ذلك على قاعدة المساواة والمواطنة والحرية والقبول بالديمقراطية وحق الشعب في تقرير من يحكمه، قائلا : "ولذلك لم نجد حرجا في التحالف مع أحزاب علمانية ما دامت هذه المبادئ محل توافق بيننا وبينها ولهذا السبب لم تقم الحكومة الجديدة بفرض نمط ما في اللباس أو الطعام أو الشراب على الناس بل تركت ذلك لسنن التدافع بين مكونات المجتمع". كما تطرّق الغنوشي إلى وجود لجنة مختصة تقوم بصياغة الدستور، مبينا وجود اختلاف في نوعية النظام السياسي الذي ستُحكم به تونس إن كان برلمانيا أو رئاسيا. وقال الغنوشي: "نحن نميل إلى أولهما لأنه يقطع دابر الاستبداد الذي رأينا انه يتسرب دائما عن طريق الأنظمة الرئاسية ونحن نريد إنهاء القيادة الفردية وجعلها جماعية وان ننتقل من حكم الفرد إلى حكم الشعب". وفي هذا الإطار، أكّد وجود خصوم في الحكم غير موافقين على النظام البرلماني لأنهم يتخوفون من حصول النهضة على الأغلبية في الانتخابات القادمة والتي تتيح لها تعيين رئيس المجلس المنتخب ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية وبالتالي تتحكم في مفاصل الدولة ، وهم يطالبون بنظام لا رئاسي ولا برلماني بل مزيج بينهما، مبيّنا عدم رغبته في تشتت مركز القرار حتى لا تضطرب شؤون الدولة. وحول بعض القضايا الخلافية في الدستور التونسي مثل النظام السياسي والهيئة المستقلة للانتخابات والفصل الخاص بالتكامل بين الرجل والمرأة، قال الغنوشي أنّ حركة النهضة تسعى للتوافق لأن الدساتير الناجحة لا تبنى بنسبة 51 بالمائة وتتجاهل مطالب البقية. وفي سياق آخر، أكّد الغنوشي عدم وجود بدائل أحسن من آليات الديمقراطية اليوم باعتبار أنّ الشورى بقيت في تاريخ المسلمين مجرد مبادئ ومواعظ للحاكم ولكنها لم تتجسم فعليا إلى آليات ومؤسسات واقعية والديمقراطية لا يمكن وصفها بأنها الخير المطلق بل تعتبر أقل الموجود سوءا. وأضاف قائلا : "الإسلاميون اليوم يريدون دولة مدنية لأنه لا يوجد في الإسلام دولة دينية بابوية ، ويكون للشعب حق اختيار من يحكمهم بحيث يكون هو مصدر شرعيتهم وصاحب السلطة فيها ، فالمواطنون هم الذين يملكون الدولة وليست الدولة التي تملكهم على قاعدة الحقوق والواجبات لكل واحد منهم وعن طريق مؤسسات شرعية تقوم بتسيير الشأن العام نيابة عنهم". وعبّر الغنوشي عن رغبته في وضع دستور يوفق بين الإسلام والحداثة والديمقراطية ، لوجدنا مخاوف من بعض الأطراف من دستور ينص حرفيا على الشريعة بسبب ارتباط تطبيقات الشريعة في بعض البلدان بالعنف والحيف والظلم. وبالنسبة للدستور السابق أكّد راشد الغنوشي وجود نصوص وفصول جيدة تحترم الحقوق والحريات ولكنها لم تمنع من انتهاكها و لم تكن محل تطبيق، موضحا أنّ المشكلة ليست في التنصيص الحرفي بل في الوعي الشعبي. وعن الأحزاب الإسلامية، قال الغنوشي أنّ البعض من الإسلاميين يضيق صدره منهم ويخفي نية إقصائهم ولكن بالنسبة لحركة النهضة فهي ترى أنهم مواطنون ومن حقهم أن تكون لديهم أحزابهم على أساس أنهم مواطنون ومن حقهم التعبير عن آرائهم.
ردود الغنوشي في الندوة وخلال هذه الندوة أجاب الغنوشي عن عدّة تساؤلات للحاضرين حيث أكّد أنّ السلفية مفهوم عام واصناف مبيّنا رفضه تعميم الحكم عليهم باعتبار أن القانون ينطبق على الجميع ولم يعد الإنسان يحاسب على فكره وعقائده وانتمائه بل على أساس انتهاكه للقانون وأنّه يجب إنهاء عهد حشر الناس في السجون وعقابهم عقابا جماعيا وبالنسبة لموضوع لسلفية الجهادية فقال الغنوشي أنّها رفضت الانتخابات واعتبرتها كفرا واوصت أتباعها بأن لا يشاركوا فيها رغم وجود سلفيون آخرون أنشؤوا أحزابا رحّبت بها الحركة. وفي هذا الإطار، قال الغنوشي أنّ حركة النهضة متسعة لعديد الاتجاهات والآراء وأنّ الإسلام والديمقراطية ليسا محل نقاش لأنهما من صلب ما يؤمن به أتباعها، مؤكّدا أنّ النهضة حركة مؤسسات وليست حركة مشايخ وهي تؤمن بأن العنف مرفوض ولا يجوز اللجوء إليه للوصول إلى الحكم أو للبقاء فيه. هذا وأكّد رفضه فرض دستور نهضاوي، معبّرا عن رغبته في وضع دستور لكل التونسيين ورفضه تقسيمهم إلى مسلمين وغير مسلمين وما يعنيه ذلك من حصول فتنة كبرى بينهم.