-الانزلاق نحو نظام رئاسي قد يكون في العام الجديد أحد المؤثرات على الاستقرار السياسي لا يمكن الجزم بأن انقضاء سنة يعني بالضرورة طي الصفحة والتخلص نهائيا من رواسب في النفس والذاكرة ومن امتداد تأثيرات وتفاعلات بحكم الترابط بين ردهات الزمن المتصلة حتى في حتمية تحولاته. ولا يشغلنا توديع سنة 2016 بقدر ما تبعث سنة 2017 على التوجس والتخوف الكفيلين بكبح عنفوان التفاؤل ورج الأمل وتبديد الأحلام، ربما، وبلا مبالغة، نستقبل العام الجديد بحكم الأمر الواقع بكثير من الحذر ونزر قليل من الأمل. ودون النبش كثيرا في ما مضى تبقى وضعية التمني هي الأفضل لأنها وضعية وسطى بين التفاؤل والتشاؤم والكفيلة نظريا بإيجاد رابط منطقي بين عام نُودّع وآخر نستعد لاستقباله، فالحياة رغم كل شيء مستمرة وتبقى الطرق والوسائل متعددة ومختلفة إلى حد التناقض فيما أن الدوافع كلها تجمع على استمرارية الحياة وعلى رفض ديمومة الأوضاع الراهنة. أهمية الاستقرار السياسي والأمني وفي تونس ولئن تبقى الأزمتان الاقتصادية والاجتماعية هاجسا يوميا فإن مسائل أخرى مثل عنصر الاستقرار الأمني والسياسي تُعدّ ضرورية في سياق الوضع الداخلي وبالتالي فإن الحرص على المسألتين يبقى أمرا جوهريا بالنظر إلى تجارب بلدان أخرى تداخلت وتفاعلت فيها التناقضات والصراعات بفعل إرادي أو لا إرادي داخلي وكذلك بفعل تدخلات خارجية أججت نار الفتن فيها. الحياة السياسية في تونس مرتبطة بمشهد حزبي وبسلوك نخبة سياسية بما يفترض أن تقوم الأحزاب بدورها وتكون النخبة السياسية واعية بواجباتها وفق مواقعها في الحكم أو في المعارضة أو خارجها. لكن السؤال الذي أصبح يطرح نفسه منذ بضعة أشهر هو كيف يمكن تقييم الحياة السياسية دون التوقف عند مستجدات طرأت على السلطة التنفيذية؟ والمقصود هنا تنامي دور رئيس الجمهورية على حساب دور رئيس الحكومة والحال أن تقسيم الصلاحيات واضح في الدستور. ولقد تعالت كثير من الأصوات المحذرة من أننا بصدد العودة تدريجيا إلى نظام رئاسي غير معلن ووصل الأمر إلى حد التساؤل عما إذا أصبح رئيس الحكومة وزيرا أول، ورغم عدم وجود تنازع علني حول تقاسم الصلاحيات في السلطة بين رأسي السلطة التنفيذية فإن مجرد اختلاط الأمور في الأذهان كفيل بإطالة أمد الجدل وخصوصا ما يعتبر خرقا للدستور في ما يتعلق بصلاحيات كل من رئيسي الجمهورية والحكومة. ولو افترضنا أن التناغم السياسي بين الباجي قائد السبسي الرئيس ومؤسس نداء تونس ويوسف الشاهد المنتمي إلى هذا الحزب قد يبيح مثل هذا الشكل من الحكم استنادا إلى أهمية التنسيق والتكامل بين رأسي السلطة فإن المسألة لا يمكن النظر إليها بمعزل عن الالتزام بالدستور لأن الطرح في هذا السياق ليس سياسيا بقدر ما هو في علاقة مباشرة بنوع النظام السياسي. الانزلاق نحو نظام رئاسي إن مسألة الانزلاق نحو نظام رئاسي قد تكون في العام الجديد أحد المؤثرات على الاستقرار السياسي في مستوى السلطة ذلك أن تصاعد الجدل بشأنها كفيل بإحداث توترات من المؤكد أن البلاد في غنى عنها وبالتالي لا بد من توضيح المسألة ومن ثم حسمها نهائيا على المستوى النظري والعملي. ويبقى الاستقرار السياسي في علاقة جد وثيقة بمدى صمود حكومة الوحدة الوطنية أمام جملة التحديات التي تواجهها وتكاد تكون نفسها التي واجهتها حكومات ما بعد الثورة. صحيح أن حكومة الشاهد، المنبثقة عن وثيقة قرطاج التي وقعت عليها معظم الأحزاب السياسية والمنظمات، أمضت مائة يوم في الحكم وتختلف التقييمات بشأن أدائها لكن ما ورد في سبر للآراء مؤخرا من أن 44.1 في بالمائة يرون أن مردودها أقل من المتوقع يؤكد ألا إجماع بشأنها إيجابا أو سلبا نظرا إلى أن 26.5 في المائة لم يعلنوا عن موقفهم من أداء الحكومة. قد تكون تلك النسبة من التونسيين غير مهتمة بالشأن الحكومي وقد تكون تعوزها صورة واضحة لأداء الحكومة يمكن اعتمادها في التقييم، وهنا نكتشف أن أكثر من ربع التونسيين لا رأي لهم في أول حكومة وحدة وطنية بعد الثورة وهو ما يحيل إلى التساؤل بخصوص ما لم تنجزه الحكومة استنادا إلى برنامجها. وإضافة إلى هذا الربع لم تحظ الحكومة بدعم من الاحزاب المكونة لها خاصة أثناء مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2017 ورأينا كيف أن أحزاب الأغلبية أسقطت عديد الإصلاحات وتحديدا في مجال الجباية ولم «تتضامن» مع الحكومة، كما أن تحول الاتحاد الوطني الحر من التأييد إلى معارضة الحكومة كفيل بجعل حكومة الشاهد في الأشهر القادمة تتحول من حكومة أغلبية برلمانية إلى «حكومة أقلية» من زاوية الوحدة الوطنية وقد نكون أمام مفارقة بشأن المسمى. «معركة الشرعية» في النداء وعلى صعيد آخر فإن حزب رئيس الحكومة، نداء تونس، قد يشهد هو الآخر خلال العام الجديد تطورات بين شقوقه وقد يكون 2017 عام معركة الشرعية ورغم ندرة الحالة فإنها تعكس تخبطا في الحزب قد يتلاشى ونحن على أبواب انتخابات بلدية بما يفتح المجال واسعا أمام حركة النهضة في غياب أحزاب أو تكتلات حزبية قادرة على تعويض نداء تونس. وقد عبرت نوايا التصويت الواردة في مقياس الشأن السياسي (الصباح 29 ديسمبر 2016) عن تراجع معظم الأحزاب باستثناء حركة النهضة بما يعني أن الحزب الوحيد المنظم والمتماسك قادر على كسب الانتخابات البلدية بما يؤهله أن يكون القوة السياسية الأولى في انتخابات 2019. وأمام هذا المشهد السياسي نخشى تواصل اللامبالاة من قبل النخبة السياسية تجاه محاولات الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فمؤتمر الاستثمار ورغم ما أعلن من مشاريع لن يؤتي ثماره في ظرف وجيز وبالتالي فإن أمام الحكومة تحديات قديمة-جديدة مثل كيفية الحد من عجز الميزانية ومسألة الديون والبحث عن تمويلات إضافية كفيلة بتدارك نقص عائدات السياحة وصادرات الفسفاط. الحوار الاجتماعي وفي الأثناء فإن الحكومة معنية مع اتحاد الشغل واتحاد الأعراف بتنقية المناخ الاجتماعي إذ لا بد من حوار اجتماعي يوضح دور مختلف الأطراف ويحدد تقاسم التضحيات، هذا الحوار الذي يتعين أن يتسم بالصراحة لأن التوافقات الشكلية أظهرت طيلة العام الماضي هشاشتها وليس أدل على ذلك أزمة مستشفى الهادي شاكر والأزمة بين نقابتي التعليم ووزارة التربية التي أصبحت مشخصة إلى حد المطالبة باستقالة الوزير وهو ما يجعل بقية السنة الدراسية غامضة بالنظر إلى الإضرابات الجهوية في المؤسسات التعليمية مؤخرا وبقاء مواقف الطرفين على حالها. ولئن كسبت البلاد استقرارا أمنيا نسبيا فإن عملية اغتيال المهندس الشهيد محمد الزواري كشفت هشاشة الجانب المخابراتي وهو ما دفع إلى إعداد مشروع لبعث «المركز الوطني للاستخبارات» للتدارك في مجال حيوي خصوصا في إطار الحرب على الإرهاب. سنة 2017 ستكون بالتأكيد صعبة على الحكومة التي أعلن رئيسها عند توليه مهامه أننا مقبلون على تضحيات مؤلمة وصعبة أيضا على التونسيين وخصوصا الطبقات المتوسطة وضعاف الحال، وبالنظر إلى ما تم إنجازه خلال مائة يوم من حكومة الوحدة الوطنية وما ينتظره التونسيون يجوز التفاؤل من منطلق الاستفادة من الماضي عبرا ودروسا. ◗نور الدين عاشور جريدة الصباح بتاريخ 31 ديسمبر 2016