تم مؤخرا بمدينة شرم الشيخ المصرية تنصيب القاضي بالمحكمة الإدارية زياد غومة مديرا إقليميا لمجلس المحكمين الدوليين بالشرق الأوسط ليكون بذلك أول تونسي ومغاربي يترأس مركز تحكيم دولي يهم كافة الدول العربية. "الصباح" التقته فتحدث عن برنامجه المستقبلي بعد تنصيبه مديرا إقليميا لمجلس المحكمين الدوليين بالشرق الأوسط والأزمة الحاصلة صلب الأوساط القضائية ومستجدات الساحة القضائية وما اصطلح على تسميته ب"أزمة المجلس الأعلى للقضاء" والاتهامات التي تكال من هنا وهناك وسبل حلها فكان الحوار التالي: * بعد سنتين من عمل مجلس المحكمين الدوليين بتونس، كيف تقيّم التجربة وواقع التحكيم وآفاقه بتونس؟ - توفقنا إلى تحقيق الكثير في مجال التكوين ونشر ثقافة التحكيم والتحسيس بأهميته حيث واصلنا التركيز على التكوين باعتباره يعدّ الأرضية لعمل التحكيم ونشره وتوصلنا إلى ضمّ كفاءات هامة من مختلف القطاعات القانونية من قضاة ومحامين وعدول إشهاد وعدول تنفيذ والقطاعات ذات الصلة كالخبراء المحاسبين والمهندسين وغيرهم وأمضينا اتفاقيات تعاون هامة مع عمادة المحامين وهياكل قضائية ومجمع المحاسبين وجمعية المصفين والمؤتمنين العدليين وغيرها، هذه الاتفاقيات قدّمت دفعا لعملنا كما نعتبر أهمّ انجاز هو توفّقنا في وضع ماجستير بحث في مجال التحكيم الدولي لأول مرة بتونس بالتعاون مع الجامعة الأمريكية بشمال إفريقيا شريكنا الأساسي وبترخيص من وزارة التعليم العالي بتونس كما سيتدعم هذا الماجستير بعد إبرامنا اتفاقية تعاون مع "جامعة مونبليي" الفرنسية. كما واصلنا العمل على جعل تونس مركزا إقليميا للتحكيم الدولي والتعاون على نشر ثقافة التحكيم بالمنطقة فافتتحنا مكتبا بالجزائر العاصمة حيث وجدنا كل الدعم والترحيب والنجاح لاهتمام الأخوة الجزائريين بالتحكيم الدولي وأقمنا دورة كل شهر تقريبا بالجزائر وضممنا كفاءات من المحامين والقضاة والمحاسبين وغيرهم كما أقمنا شراكة في المجال مع الغرفة التجارية التونسية الجزائرية لتدعيم اللجوء للتحكيم في المبادلات بين البلدين والتعريف به كوسيلة بديلة ناجعة لفض منازعات التجارة الدولية. كما بدأنا العمل أيضا بالمغرب في نفس السياق ونتمنى أن نلاقي نفس النجاح وأن تنجح مكاتبا بكل شمال إفريقيا. *ماذا عن التحكيم في تونس؟ - بالنسبة للتحكيم في تونس فإنّه يساير التطور الطبيعي لطرق النزاعات حيث بدأ التحكيم يفرض نفسه كوسيلة مثلى ولا أدل على ذلك من مجلة الاستثمار الجديدة والقانون البنكي وقانون الشراكة بين القطاع العام والخاص وكلّها تولي مكانة خاصة للتحكيم كوسيلة لفض المنازعات فالمستقبل للتحكيم وعلينا إعداد الأرضية الجيدة لذلك بالتكوين. *تمّ تعيينكم مؤخّرا مديرا إقليميا لمجلس المحكمين الدوليين بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا فما هي معايير هذا الاختيار؟ - هي عملية انتخاب من الجمعية العمومية لمركز التحكيم وليس تعيينا أو اختيارا وقد اجتمعت الجمعية العمومية المكونة من 276 عضوا من كل الدول العربية وقررت بالإجماع انتخابي للمنصب المذكور وهي مسؤولية ثقيلة باعتبار أنّ الفروع الأم موجودة بالخليج والشرق وخاصة الإمارات والعراق وكردستان ونتمنى أن نكون في مستواها لكن ذلك لن يؤثر على عملي الأساسي. * ما هو برنامجكم المستقبلي في هذه الخطّة؟ - أتمنى المواصلة في العمل الذي بدأناه وهو التكوين الذي به نؤسس نواة صلبة لمركز دولي قادر على المنافسة الحقيقية فقيمة كل مركز تحكيم في المحكمين المرسمين بجدوله كما نتمنى مواصلة تركيز المجلس بكل الدول العربية حتى تلك التي تعرف أزمات ظرفية وخاصة سوريا وليبيا واليمن وأن تقام دورات تكوينية شهرية بكل هذه الدول وأن نبلغ مرحلة منافسة المراكز الأوروبية الصرفة كغرفة التجارة الدولية بباريس في جلب القضايا فمن المستغرب أنّ المنطقة العربية هي أكبر مصدّر لقضايا التحكيم وخاصة الكبرى التي تصدّرها كلّها للمراكز الغربية ويتولاّها أجانب في حين أنّ لنا من الكفاءات العربية ما يمكننا من جعل المنطقة مستوردة لقضايا التحكيم لا مصدّرة لها مع ما يمثله ذلك من فرض وإمكانات لتشجيع الاستثمار وجلب العملة الصعبة. *قلتم في حوارات سابقة إنكم تنوون ضمّ ألف عضو من تونس مع حلول السنة الحالية؟ - حققنا ذلك جزئيا وأعتبر أننا نجحنا بضم كفاءات وطنية هامة من كل القطاعات تعادل الآلاف أمّا من حيث العدد ففي السنتين الأخيرتين ضممنا عن طريق التكوين عددا لم يبتعد كثيرا عن هدفنا الأصلي الذي أسميته برنامج الألف محكم لكن ليس من تونس فقط بل بسبب اهتمامنا بالجزائر ودول المغرب العربي يمكن القول إننا قاربنا هذا العدد باحتساب تونس والجزائر والمغرب وليبيا. * ما رأيكم في ما اصطلح على تسميته ب"أزمة" المجلس الأعلى للقضاء؟ - إن البلاد تشهد أزمة دستورية عميقة هي أزمة استكمال بناء المؤسسات الدستورية التي كانت من أهم مكتسبات الثورة وفي الحقيقة فإن تعطّل مسار تركيز المجلس الأعلى للقضاء يعطّل كذلك المؤسسة الدستورية الأهمّ أي المحكمة الدستورية باعتباره يعين ثلث أعضائها، فالأزمة خطيرة والمشكل في رأيي سوء صياغة النصوص القانونية وتضاربها الذي فتح الباب لمثل التجاذبات التي نعيشها اليوم على الساحة القضائية وجعلت كلّ طرف فيها يقدّم أسانيد وحجج قانونية مبنية على تأويل معين للنصوص التي لو كانت واضحة لما احتجنا التأويل، بالنسبة لموقفي سيكون موقفا شخصيا وأكاديميا ولا يلزم غيري وأظن أنه من المهم تحقيق استمرارية المرفق العام وعقد المجلس الأعلى في أقرب الأوقات باعتبار الاستمرارية مبدأ أساسيا لكل المرافق العمومية فما بالك بمرفق عام سيادي وهو السلطة القضائية وعديد النظريات في فقه القضاء الإداري التونسي والمقارن تسمح بتجاوز الإشكالات لكن حسب رأيي أيضا الحل لا يجب أن يكون قانونيا بل يجب أن يكون توافقيا قضائيا صرفا بمعنى ضرورة أن يجتمع أعضاء المجلس الأعلى للقضاء مع أعضاء الهيئة الوقتية للقضاء العدلي وممثلي الهياكل القضائية للخروج بحل توافقي قضائي حتى يتم حل المشكل برضا جميع الأطراف وحتى لا نسمح بمزيد الخلاف داخل الساحة القضائية بما يفتح الباب لاستثمار تلك الخلافات من قبل السياسيين. *صدرت مؤخرا عديد الأحكام القضائية التي أثارت جدلا واسعا فما رأيكم؟ - في هذه المسألة وغيرها أود التذكير بأن الأحكام القضائية تناقش داخل المحاكم لا خارجها وتنتقد فقط بالاستئناف وغيرها من طرق الطعن أو بالتعليق القانوني بواسطة مقالات من ذوي الاختصاص أما ما نشهده اليوم من تحول بعض الفضائيات إلى محاكم درجة ثانية من شأنها التأثير على توجه القضاة في الاستئناف ويمسّ من السير الطبيعي للقضايا ومن استقلال القضاء بصفة عامة الذي هو مسؤولية الجميع القاضي والإعلامي والمواطن والسياسي باعتباره مطلبا أساسيا للثورة. *لأول مرّة يتمّ تنظيم جلسات استماع علنية لضحايا الانتهاكات فما تعليقكم؟ -هي في الحقيقة مسألة مهمة لأنّها تدخل في الحلقة الأولى والثانية من مسار العدالة الانتقالية وقد كانت محل تثمين دولي لأنّ مسار العدالة الانتقالية يتطلّب كشف الحقيقة وهو ما تقوم به جلسات الاستماع بنشر الانتهاكات لاستخلاص العبر منها وليس للتشهير أو الانتقام وحلقة ثانية هي ردّ الاعتبار للضحيّة وجبر ضرره، ونعرف أنه في العدالة الانتقالية يكون جبر الضرر المعنوي هو الأهمّ باعتبار جلسات الاستماع تعيد الاعتبار للضحايا وتعرف بمعاناتهم كما يساهم كل ذلك في استخلاص العبر لمنع تكرارها لكن يجب دوما العمل بمعايير موضوعية لاختيار المعنيين بجلسات الاستماع وهي ليست بدعة تونسية بل تمّ بثّ جلسات استماع تلفزية للضحايا بعديد الدول التي عرفت مسار عدالة انتقالية وآخرها المغرب في تجربة هيئة الحقيقة والإنصاف مباشرة بعد تولي محمد السادس الحكم والتي فتحت تجاوزات حقبة حكم والده الملك الحسن الثاني. سعيدة الميساوي جريدة الصباح بتاريخ 8/1/2017