برزت في تونس مؤخراً ظاهرة جديدة تُعرف باسم «الدبلوماسية الشعبية» أو ما يُعرف دولياً ب«الدبلوماسية الموازية» التي تقوم بها شخصيات معروفة على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، وتجلّى هذا الأمر خصوصا بالجهود التي يبذلها رئيسا حركة «النهضة» الشيخ راشد الغنوشي وحركة «مشروع تونس» مُحسن مرزوق لحل الأزمة الليبية، والتي تندرج في إطار مبادرة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في هذا المجال، حيث أشاد المراقبون بهذه المبادرات، فيما اعتبر بعضهم أنها تندرج في إطار البحث عن مكاسب داخلية أو إقليمية لبعض الأطراف السياسية في تونس. وكان الغنوشي زار الجزائر مؤخراً حيث التقى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، كما استقبله في تونس مدير الديوان الرئاسي الجزائري أحمد أويحيى وجمعه بعدد من القيادات الإسلامية الليبية، حيث أكدت مصادر من حركة «النهضة» أن النشاط الدبلوماسي المكثف للغنوشي في ما يتعلق بالملف الليبي يدخل في إطار ما يسمّى ب"الدبلوماسية الشعبية" ويأتي بالتنسيق مع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي. ويؤكد المؤرخ والباحث السياسي د. عبد اللطيف الحنّاشي أن الدبلوماسية الشعبية أو أو ما يُعرف دوليا ب»الدبلوماسية الموازية» هي «ظاهرة ليست جديدة عرفها العالم بعد الحرب العالمية الثانية واتخذت العديد من الأشكال وازدادت أهميتها بعد دخول العالم في عصر العولمة، ففي الدول الديمقراطية يلعب المجتمع المدني وأيضا بعض الشخصيات المرموقة كنجوم الفن والرياضة ورجال الأعمال والأكاديميين دوراً مهماً في العلاقات بين الدول، فحتى في وقت الحرب الباردة كان بعض رجال الأعمال يقومون بدور متميز بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة». ويضيف في تصريح خاص ل«القدس العربي»: «هذه الظاهرة تبدو جديدة في تونس التي دخلت مؤخراً مرحلة جديدة من تاريخها هي مرحلة الديمقراطية، ولذلك الرأي العام والصحافة وحتى النخبة السياسية بدت لهم هذه الممارسة غريبة ولذلك كان لهم رد فعل سلبي تجاه ما قام به بعض الرموز الوطنية، ويمكن التركيز هنا على ثلاث سابقات (دبلوماسية موازية) في هذا المجال، تتعلق الأولى بزيارة حافظ قائد السبسي إلى تركيا واستقباله من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان بصفته نائب رئيس حزب نداء تونس، وتتعلق الثانية بزيارة محسن مرزوق (رئيس حركة مشروع تونس) إلى صقلية، حيث أجرى مباحثات واسعة ذات طابع اقتصادي وسياسي. وهاتان الزيارتان لم تثيرا ضجة كبيرة بخلاف الزيارة الأخيرة التي قام بها راشد الغنوشي إلى الجزائر وذلك في إطار مبادرة رئيس الجمهورية لحل الأزمة الليبية، حيث كانت هناك هجمة واسعة ضد مبادرة الغنوشي من جميع الأطراف بما فيها رئيس الجمهورية في حواره التلفزيوني الأخير». وكان الرئيس التونسي أكد مؤخراً أنه لم يكلّف الغنوشي بأي عمل دبلوماسي وخاصة في ما يتعلق بحل الأزمة القائمة في ليبيا، مشيراً إلى أن المسؤول الوحيد الذي يمثله في هذا الصدد هو وزير الشؤون الخارجية، كما أصدرت الرئاسة التونسية بياناً أكدت فيه أن زيارة محسن مرزوق إلى ليبيا ولقاءه بالجنرال خليفة حفتر (قائد الجيش الليبي) تمت من دون تنسيق مع السلطات التونسية. ويقول الحناشي «أعتقد أن جواب رئيس الجمهورية حول الجهود التي يقوم بها الغنوشي كان غير وديّ، لأنه لا يُعقل أن يقوم الغنوشي بزيارة إلى الجزائر من دون علم رئاسة الجمهورية، وخاصة أن الغنوشي أكد لقاءه برئيس الجمهورية قبل يوم من الزيارة، وأيضا لا يُعقل أن تُرسل الرئاسة الجزائرية طائرة خاصة للغنوشي من دون علم الأطراف التونسية بهذا الأمر، وبالتالي فإن هذه الزيارة جاءت ربما برغبة غير ملعنة من رئيس الجمهورية أو برغبة من الغنوشي ولكن بموافقة رئيس الجمهورية، ولكن تحت الضغط والقصف الإعلامي الموجّه إلى هذه الزيارة، اضطر رئيس الجمهورية إلى نفي قيامه بتكليف الغنوشي بهذه المهمة، وعموما نحن لا نجزم بأنه كلفه بذلك، ولكن نظراً لعلاقات الغنوشي الواسعة بأطراف الصراع الليبي وكونه شخصية سياسية وطنية تونسية ودولية، فهو يمكن أن يقوم بهذا الدور (الوساطة) وهو أمر متعارف عليه، وعموما ربما ساهم الغنوشي، على الأقل، بترطيب الأجواء (تقريب وجهات النظر) بين الفرقاء الليبيين». واعتبر أن زيارة مرزوق لحفتر كانت «زيارة شبه سرية، ولم تكن معروفة حتى أعلنت رئاسة الجمهورية أنها لم تكن على علم بهذه الزيارة لأن مرزوق اتصل بالرئاسة وأخبرهم أنه في ليبيا وسيلتقي بحفتر، وهنا يجب الإقرار بأن إدانة هذه العملية كانت «ناعمة» وكان التفاعل معها صامتا ولم تثير الكثير من الجدل مثلما فعلت زيارة الغنوشي». ويميل بعض المراقبين إلى إدراج المساعي التي يقوم بها رئيسا حركتي «النهضة» و«مشروع حول ليبيا» في خانة «البحث عن مكاسب سياسية والظهور بدور اللاعب الإقليمي والدولي». ويعلّق الحناشي على ذلك بقوله «بالنسبة للغنوشي هو لا يحتاج للبروز أو المجد، لأن لديه رصيدا نضاليا ودوليا كبيرا وخاصة بعد الثورة، وقد تم استقباله من قبل أغلب رؤساء الدول وتكريمه من قبل العديد من المؤسسات الدولية الثقافية والسياسية وغيرها، أما بالنسبة لمرزوق فأعتقد أنه يريد تأكيد حضوره على الصعيد الداخلي والإقليمي، ففي تونس ثمة صراع بين قطبين أساسيين، ومرزوق يريد أن يكون أحد هذين القطبين وخاصة بعد ضعف نداء تونس، ولذلك فحركة مشروع تونس تريد القيام بدور وطني وإقليمي وربما دولي، فالمسألة الليبية باتت قضية دولية تلعب بها العديد من الأطراف أدوار متباينة». ويستدرك بقوله: «ولكن – بشكل عام – لا توجد في العمل السياسي «براءة» وكل شيء محسوب سواء من قبل الغنوشي أو مرزوق أو قائد السبسي، وما يقوم به الغنوشي ومرزوق سيعود بالفائدة على صاحب المبادرة الرئيس في حل الأزمة الليبي وهو رئيس الجمهورية، يعني في الأخير إذا نجحت المبادرة سيقولون إنها مبادرة الباجي قائد السبسي، كما أن تونس في النهاية ترغب بحل الأزمة الليبية، لأن نجاح التجربة الديمقرطية في تونس مرهون بحل الأزمة الليبية، ومن دون ذلك سيظل التعثر في تونس وخاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي (وطنيا) كل التونسيين يسعون لإيجاد حل لهذه الأزمة المستمرة منذ عدة سنوات». وحول إمكانية «هرولة» أطراف سياسية أخرى في تونس إلى ليبيا لمحاولة تأكيد نفسها كلاعب مهم على الصعيد الإقليمي، يقول الحناشي «نحن ما زلنا في ديمقراطية ناشئة وتجربة أحزابنا ما زالت تحبو، فرغم أن التجربة الحزبية قديمة في تونس لكن تحركاتها كانت محدودة جداً نتيجة عقود من الاستبداد، ولكن الآن يمكن الحديث عن تنافس بين عدد من الأطراف السياسية، وبعضها يسعى إلى»تقليد» ما يقوم به الآخرون وشيئا فشيئا يمكن أن يتمرّس الجميع على العمل الحزبي الذي قد يأخذ وجهات مختلفة محلية وإقليمية وتكون له أدوار متباينة، لكن هذه الأدوار مرهونة بحجم الأحزاب وقدرتها على المستوى الوطني، بمعنى أنه لا يمكن لحزب صغير الحجم أن يلعب دوراً إقليمياً، فالأمر محدد بوضع الحزب وإمكانياته وفاعلياته، فحزب ممثل بنائبين في البرلمان لا أحد ينظر له كطرف مؤثر، لكن إذا كان له وجود كبير في البرلمان والشارع فيمكن أن تحترمه الجهات الأخرى (المحلية والدولية) وتستفيد من موقعه وتجربته». (القدس العربي)