السّجن ذاك العالم الكبير المليء بالمتناقضات لا يفقد فيه الشخص حريته فقط بل هناك أسوا من ذلك فبعض السجناء تنتهك حرمتهم الجسدية ويتعرّضون الى اعتداءات جنسية لا تندمل آثارها بعد مغادرتهم السجن ليبقون يئنون في صمت. "م ن" هو تلميذ دخل السجن سنة 2014 في قضية ذات صبغة إرهابية وكان وقتذاك يبلغ من العمر 19 سنة،أودع مع مساجين يكبرونه سنا فعبثوا به واعتدوا عليه جنسيا، وبعد أن غادر السجن خلفت تلك الحادثة الأليمة آثارها النفسية الكبيرة عليه وأصبح يعاني من اضطرابات نفسية وعصبية، وهذه ليست الحالة الوحيدة بل هنالك عديد الحالات الأخرى. التألم في صمت وقد كشف لنا سجين عاش تجربة السجن وهو صاحب صحيفة الثورة نيوز ناعم الحاج منصور الذي أفادنا أنه أثناء اقامته مدة خمسة أشهر في سجنين بتونس اكتشف من خلال شهادات قدمها له مساجين أكدوا له فيها أنهم تعرضوا الى اعتداءات جنسية من مساجين آخرين بعد أن تم وضع مخدر لهم من قبل "كبران " الغرفة التي يقيمون فيها أو من قبل "شلة " "الكبران" حيث يستغل الكبران وشلته السجناء صغار السن ويعتدون عليهم جنسيا بعد وضع المخدرات داخل كأس من القهوة وتقديمه لهم ويسمونها في السجن "المرهوجة"، وأضاف محدثنا أن السجناء المعتدى عليهم جنسيا لا يشتكون عادة الى إدارة السجن خوفا من أن يلفّق لهم "الكبران" وشلته قضية ترويج المخدرات داخل السجن ، كما أفاده مساجين آخرين بتعرضهم الى اعتداءات جنسية من أعوان سجون. لم ينف الناطق الرسمي باسم الإدارة العامّة للسّجون والإصلاح قيس السلطاني عندما سألناه عن حوادث الإعتداءات الجنسية التي تقع داخل السّجون وقال أنه رغم الرقابة المشدّدة داخل السّجن سواء من قبل أعوان السّجون والإصلاح أو إدارة السّجن أو من طرف الحرّاس السّجناء وهم من ثقاة المساجين يتم تكليفهم من قبل إدارة السّجن لمراقبة غرف المساجين من أي تجاوزات يمكنها أن تقع ولكن رغم ذلك لا يمكن وفق تصريحه نفي وجود إعتداءات جنسيّة داخل السّجن مشيرا أن الحرّاس المساجين الذين يتم تكليفهم من قبل إدارة السّجن لمراقبة زملاءهم المساجين يتقاضون مقابل تلك الخدمة، واعتبر أن السجن مجتمع ثاني وتحدث فيه الكثير من الأشياء على غرار العالم الخارجي. وأكد أنه في صورة بلوغ العلم الى إدارة السّجن عن حصول عملية اعتداء جنسية تتخذ الإدارة الإجراءات اللازمة كإعلام وكالة الجمهوريّة كما تأذن النّيابة العموميّة بعرض المعتدى عليه للفحص الطّبّي. مسكوت عنها... من المؤكّد أن وراء الإعتداءات الجنسية التي تحصل داخل السجون ورائها أسباب اجتماعيّة فما هي؟ إعتبر معاذ بن نصر المختص في علم الإجتماع في تصريح لنا أن ظاهرة الاعتداءات الجنسيّة داخل السّجون التونسية من المواضيع المسكوت عنها رغم هبوب رياح الثورة، وبأنه بقي يشوب هذه المسائل نوع من الغموض، واعتبر أن هنالك اسباب داخلية نفسية وأخرى خارجية إجتماعية و إقتصادية. وتابع قائلا أن بعض المساجين يبقون خلف أسوار السّجن مدّة طويلة يمكن أن تصل عشرات السّنين ومع غياب الإطار المقنّن المدني لصنع علاقات جنسيّة في فترة العقوبة، يبحث السّجين عن علاقات جنسية، تبنى بتراتبيّة الأدوار ، بمعنى أن الأكبر سنا ومن يقضي سنوات طويلة بالسجن هو من يتحكم بهذه العلاقة أو من يقوم بتسيير الغرفة "الكبران" ليفرض سيطرته و هيمنته على بقية المساجين. يضيف أنه و على العكس فإن صغار السن و نزيلي السجن حديثًا هم الأكثر عرضة الى الإعتداءات الجنسية من سجناء آخرين وخاصة الذين يتميزون بالهدوء والأناقة والجمال، وهناك بعض المساجين المتعوّدين على ممارسة الجنس خارج أسوار السّجون نجدهم يمارسون نفس الممارسات داخل السّجن، مضيفا أن هنالك محكومين من أجل قضايا إعتداءات جنسية، يتم الإعتداء عليهم جنسيّا داخل السّجن كنوع من التشفّي يقوم به زملائهم المساجين، معتبرا أن ذلك الانتقام من الأسباب الكثيرة التي تؤدي لتضخم ظاهرة الإعتداءات الجنسيّة داخل السّجن. يجرّم القانون التونسي الإعتداءات الجنسيّة بمختلف أنواعها سواء كانت داخل السجن أو خارجه. بين 10 و12 سنة سجنا وقد أوضح لنا المحامي مالك العمري فيما يتعلق بالعقاب المستوجب في صورة حصول اعتداء جنسي من طرف سجين على سجين آخر أنه اذا كان الإعتداء الجنسي تم برضا الطرفين يحال الإثنين على القضاء من أجل تهمة ممارسة اللواط ويكون العقاب عادة 8 أشهر سجنا مضيفا أنه في صورة وقوع الإعتداء الجنسي غصبا يعتبر ذلك وفق القانون الإعتداء بفعل الفاحشة على ذكر بدون رضاه وتكيّف الأفعال على أنها جناية وقد يصل العقاب البدني فيها ما الناطق الرسمي باسم الإدارة العامّة للسّجون والإصلاح مضيفا أن القاضي يمكنه أن يعتمد ظروف التخفيف على معنى أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية اذا أحاطت بالواقعة ظروف قد تخفف من حدة العقاب وهي عادة ظروف يتحجّج بها الجاني، وقد يكون الفعل أوّل مرّة فيعتبر حادثة عابرة يأخذها القاضي بعين الإعتبار فيلطّف العقاب ضدّ الجاني. آثار نفسية مدمرة تخلّف الإعتداءات الجنسية دائما آثارا نفسية سيئة على الضحية الذي يبقى يعاني منها طيلة حياته وقد وصفتها كل من الطبيبة النفسية آن وولبيرت بورغيس وعالمة الإجتماع ليندا هولمستروم بمتلازمة صدمة الإغتصاب وكان ذلك في سنة 1974 وهي عبارة عن علامات وأعراض وردود فعل نفسية وبدنية وهي في العادة علامات شائعة بين معظم ضحايا الاغتصاب بعد أشهر أو سنوات من تعرضهم للإغتصاب. المختص في علم النفس ورئيس الجمعيّة التونسيّة للتدخّل النّفسي البيداغوجي رضا بن يوسف اعتبر في تصريح لنا أن الإعتداء الجنسي يخلف عادة أثار نفسية سيئة على الضحية مضيفا أن السّجين على سبيل المثال الذي يتعرّض إلى اعتداء جنسي يتضاعف شعوره بالغبن، فهو يدخل السجن في قضية ما فيجد نفسه معرض الى الإغتصاب أو التحرّش الجنسي مشيرا أن ضحايا الإعتداءات الجنسية داخل السجون هم في العادة السجناء نقيي السوابق العدلية...فهؤلاء غالبا ما يكونون طعم سائغ وفريسة وعرضة لإعتداءات جنسية داخل السجن، وتصبح بالتالي مخرجات المؤسسة السجنية سلبية فعوض أن يرتدع السجين بعد خروجه من السجن نجده ناقما ويتحول من ضحية الى جلاد يمارس على الآخر نفس الذي مورس عليه داخل السجن اضافة الى اصابته بأمراض نفسية ستلازمه طيلة حياته فضلا عن امكانية اصابته بأمراض منقولة جنسيا جراء الإعتداء الجنسي الذي تعرض اليه. واعتبر أن الإكتظاظ هو جزء من أسباب ظاهرة الإعتداءات الجنسية داخل السجون فبسببه تكون حركة السجين ضيقة وبالتالي يزداد العنف المادي والمعنوي واللفظي.