احترام الدستور، والإسراع بتركيز الهيئات الدستورية، وتعزيز نجاعة الجهاز الإداري، فضلا عن دعم مبدأ التفريق بين السلطات، والنأي بالسلطة القضائية عن كافة التجاذبات السياسية، إلى جانب إقرار المصالحة الوطنية في إطار العدالة الانتقالية، هي أبرز الحلول التي يقترحها كل من أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، ورئيس التنسيقية الوطنية المستقلة للعدالة الانتقالية، عمر الصفراوي، للخروج من أزمة الحكم التي تعيشها تونس، والتي أفضت إلى تواتر الحديث لدى النخبة والرأي العام عن فقدان الدولة لهيبتها والمؤسسات لإشعاعها. وفي تصريح، اليوم الأحد، لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، قال جوهر بن مبارك، "إن أزمة الحكم التي تطبع المرحلة الحالية، تعود بالأساس إلى ضعف الإرادة السياسية في تطبيق القانون، مقابل تواصل ظاهرة تضخم القوانين وتشعب النصوص التشريعية"، منتقدا نزوع السياسيين إلى استصدار القوانين بشكل مكثف "كلما عجزوا عن حل الأزمات، وكلما احتدت الإضرابات القطاعية والاحتجاجات الاجتماعية والمشاكل الاقتصادية". وأوضح، في هذا السياق، أن الدعوة إلى تنقيح الدستور، أو إلى تبني قوانين جديدة "لا تمثل مطلقا الحل"، وانما هي من قبيل "ترحيل الأزمات نحو الجانب التشريعي"، لافتا إلى أن إصدار مجلة جديدة للاستثمار، على سبيل المثال، لم يمنع من تراجع الاستثمار في بلادنا وتدني مؤشراته، بما يؤكد وجود أزمة ثقة، وتواصل تعقيد الاجراءات الإدارية، وعجز الإدارة وتراخيها في تطبيق القوانين. واعتبر أن تهاوي الإدارة التونسية، المكبلة بالقوانين والاجراءات غير المنفذة، يتجسد بالخصوص في الإدارة الاقتصادية العاجزة اليوم عن تفعيل التعديل الاقتصادي وتطبيق القواعد المتعلقة بالأسعار والمنافسة والانتصاب الفوضوي، إلى جانب كل ما يخص المجال الجبائي ودفع الضرائب. ودعا بن مبارك، في هذا الإطار، إلى "الكف عن استصدار القوانين، وإلى استعادة هيبة الدولة، من خلال تفعيل الإرادة السياسية، وإنفاذ التشريعات وتطبيقها، مع العمل على تبسيطها"، موصيا بتكثيف الحملات في عدد من المجالات، على غرار المجال المروري لتنظيم حركة السير والجولان، والميدان الاقتصادي، لمراقبة الأسعار وغيرها. كما اقترح، في ما يتعلق بتطبيق القانون، أن يتم تعميم تنفيذ القوانين، "لتشمل المتنفذين والرؤوس الكبرى والسياسيين الفاسدين والمهربين وغيرهم"، حتى يشعر المواطن العادي أن "القانون فوق الجميع" وأنه "لا يستهدف الطبقات الضعيفة فحسب"، على حد تعبيره. وخلص إلى القول "إن التعلل بضعف القوانين، أو عدم وجودها"، في ظل ما أسماه ب"التورم التشريعي"، أو القول بوجود إشكال يتعلق بطبيعة النظام السياسي القائم أو الدستور، "كلها مبررات واهية وغير حقيقية يلجأ إليها السياسيون، من أجل إخفاء عجزهم عن تدبير الأمور"، لافتا في المقابل إلى "ضرورة العمل على استكمال تركيز المؤسسات الدستورية، وفي مقدمتها المحكمة الدستورية". من جانبه، قال عمر الصفراوي، "إنه من الطبيعي والعادي أن يتم في ظل ديمقراطية ناشئة، تسجيل بعض الإخلالات أو التجاوزات، غير أن تونس تشهد اليوم انزلاقات وخلافات وصدمات كبرى، طالت الجوانب القانونية والأخلاقية، مما جعل الجميع يتحدث عن وجود أزمة في الحكم، وعن فقدان الدولة لهيبتها، وعن بروز مافيات وعصابات"، مشيرا إلى أن "انعدام ثقة المؤسسات المالية الخارجية أوصل البلاد إلى وضعية حرجة، لاسيما في علاقة بالتداين والاقتراض الدوليين". وأرجع الصفراوي أزمة الحكم اليوم بالأساس، إلى "التداخل بين السلطات، وعدم التفريق بينها، كما هو منصوص عليه بالدستور، أعلى هرم القواعد القانونية وأب التشريعات"، منتقدا، في هذا الصدد بالخصوص، "وضع اليد من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية على السلطة القضائية" التيقال إنها تعد "أساس العمران (ابن خلدون)، والمحرار في قيس مدى تحضر الحكومات ومحافظتها على حقوق مواطنيها". ولاحظ رئيس التنسيقية الوطنية المستقلة للعدالة الانتقالية أن "أزمة المجلس الأعلى للقضاء تعد خير تجسيد لهذا التداخل بين السلطات، ومحاولة السيطرة على القضاء، والرجوع به الى المربع الأول، واعتماد الممارسات القديمة"، مؤكدا أن مهمة مجلس نواب الشعب تقتصر على التشريع، ولا صلة له بحل أزمات التسيير التي تعيشها المؤسسات الدستورية المنتخبة، والتي لاتحل، وفق تقديره، "إلا عن طريق القضاء". واعتبر أنه "لا صفة لرئيس الحكومة لرفض ترشيحات الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي". وأشار، في سياق متصل، إلى "إمكانية اللجوء الى تنقيح الدستور إن استوجبت الأمور ذلك، لاسيما وأننا في مرحلة انتقالية"، رافضا في المقابل أن "يتم التلاعب بالقوانين والضرب بها عرض الحائط من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية، لما لذلك من تأثير سلبي على مصداقية المؤسسات". ومن جهة أخرى، اقترح الصفراوي، كحل للخروج من أزمة الحكم التي تشهدها تونس، أن "يتم إقرار المصالحة الوطنية في نطاق قانون العدالة الانتقالية، شريطة أن تتم إعادة هيكلة هيئة الحقيقة والكرامة، والنظر في أعمالها، ومراجعة اختصاصاتها في ما يتعلق أساسا بالملفات السياسية والمالية وملف شهداء وجرحى الثورة، وأخيرا المنطقة الضحية". وشدد في ختام تصريحه ل"وات" على "ضرورة المحافظة على علوية الدستور، وعدم مخالفة أحكامه، وإقرار المصالحة الوطنية وفق قانون العدالة الانتقالية المنصوص عليه في دستور الجمهورية الثانية". (وات)