أثارت دعوة رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين خلال شهر مارس الفارط، «الجامعات التونسية والمؤرخين إلى إعادة كتابة تاريخ تونس بالرجوع إلى «المادة الأولية التي تم جمعها من قبل الهيئة، والمستندة إلى أعمال تقص وشهادات، بشكل يساعد على تحقيق المصالحة الحقيقية»، جدلا واسعا في صفوف عدد من المؤرخين الذين واصلوا تمسكهم بموقفهم المتمثل في ان كتابة التاريخ تخضع الى نواميس ومناهج علمية واكاديمية مضبوطة في حين مازال ممثلو الهيئة يؤكدون على ضرورة تعديل التاريخ المعاصر وفق المعطيات الجديدة التي تحصلت عليها الهيئة . ففي تصريح اليوم الاربعاء لوكالة تونس افريقيا للأنباء، قال الأكاديمي المؤرخ الجامعي فيصل الشريف، ان كتابة التاريخ تخضع الى نواميس وقوانين ومناهج علمية مضبوطة وتستند اساسا الى الارشيف والفاعلين الحقيقيين لكل حقبة تاريخية والى المصادر المكتوبة الى جانب شهادات شفوية تدرج وفق تقديره في المرتبة الثالثة وتكون «مكملة» للأرشيف المكتوب والموثق. واوضح الشريف في سياق متصل ان رئيسة الهيئة ارادت من خلال دعوتها الى إعادة كتابة التاريخ استعماله لأغراض وصفها بال»سياسية» وال»سياسوية»، في حين ان التاريخ لا يكتب الا بالتراكم حسب توصيفه مشيرا الى ان المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر يمتلك اكثر من 400 شهادة شفوية حول مختلف الحقبات التاريخية ولكن المؤرخين لا يعتدون بهذه الشهادات التي يتم فيها عادة تطويع الحقيقة او تحريف الوقائع. ولفت الى ان المؤرخين بمنأى عن أي توظيف سياسي مهما كانت الحقبة التاريخية التي ينتمون اليها سواء تعلق الامر بفترة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة او بخلفه زين العابدين بن علي ومؤكدا انه لا يتم البتة الاعتماد على ما اسماهم ب»مؤرخي البلاط» لكتابة التاريخ القديم او المعاصر. وتابع قوله في هذا الشأن ان الشهادات الشفوية ينبغي ان تكافح بشهادات اخرى وبالعودة الى الوثائق والارشيف مشددا على ان الجامعة التونسية تمتلك اطروحات وكتب ومذكرات ووثائق متنوعة لأكادميين وجامعيين واساتذة مختصين في التاريخ المعاصر. وبين ان الأكادميين والمؤرخين يرفضون اليوم ان يكونوا شهداء زور وان يعيدوا كتابة التاريخ وفق دعوة صادرة عن اشخاص لم يقرأوا يوما التاريخ على حد تعبيره، بما يفسح المجال لكتابة التاريخ المضاد. من جانبه صرح رئيس لجنة حفظ الذاكرة الوطنية بهيئة الحقيقة والكرامة عادل المعيزي اليوم ل»وات» ان كتابة التاريخ ليست من مهام الهيئة المسؤولة اساسا عن كشف الحقيقة وتحديد الانتهاكات وما يترتب عن ذلك من اثار قانونية، ولكن دعوتها الى اعادة كتابة التاريخ كانت من منطلق اعادة النظر في الحقائق التاريخية تبعا للمصادر الجديدة التي توفرت للهيئة والمتمثلة في شهادات الضحايا انطلاقا من تقاطعها مع الوثائق الارشيفية الخاصة والشخصية والمعطيات المتحصل عليها من جهات وطنية واجنبية رسمية وغير رسمية. وبعد ان اكد ان المؤرخين لم يصلوا الى هذه المصادر التي تمكنت الهيئة من النفاذ اليها بمقتضى ما يجيزها لها القانون، خاصة وان الارشيف الوطني يخضع لآجال محددة للتمكن من استغلاله تصل الى 100 سنة، دعا المعيزي مخابر اعداد الكتب المدرسية والجامعية الى اعادة كتابة التاريخ في ضوء المعطيات الجديدة التي وفرتها الهيئة وبين ان عملية تعديل التاريخ ضرورية خاصة في مجال التدريس باعتبار ان التاريخ المعاصر ظل لسنوات محكوم حسب رايه بالنظرة الاحادية الرسمية للسلطة البورقيبية وبعدها لسلطة بن علي وكشف في هذا الإطار ان الهيئة تحصلت على اكثر من 7 الاف وثيقة بخصوص فترة الصراع اليوسفي-البورقيبي. ولم ينف المعيزي انه قد تم تحريف الوقائع التاريخية حتى بعد الثورة في منحى لتحريف الحقبة التاريخية لحكم بن علي موضحا ان الهيئة تدعو الى كتابة موضوعية للتاريخ خارج إطار التجاذبات الايديولوجية وهو ما تؤكد عليه باستمرار الاتفاقيات الدولية وتقارير الاممالمتحدة. يشار الى ان سهام بن سدرين كانت اكدت في تقديمها لجلسة الاستماع العلنية الثالثة خلال شهر مارس الفارط، أن هيئة الحقيقة والكرامة توصلت إلى جملة من الشهادات والمعطيات إثر أعمال تقص عديدة خاصة بتاريخ الحركة الوطنية، وما شاب خروج المستعمر الفرنسي من تونس، مؤكدة أنه من حق التونسيين «أن يعرفوا الزعماء والقيادات، من نساء ورجال، الذين قادوا تلك المعارك ضد المحتل الفرنسي طيلة 3 سنوات «، ومشددة على أن تلك المعارك تشير إلى أن «خروج الفرنسيين من تونس لم يكن بالأمر الهين كما تصوره أحيانا بعض وسائل الإعلام. وكانت «المؤسسة البورقيبية للحوار من أجل التنمية والديمقراطية» اصدرت أمس الثلاثاء بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لوفاة الزعيم الحبيب بورقيبة (6 أفريل 2000)، بيانا عبرت فيه بالخصوص عن « بالغ استنكارها للمنحى الخطير الذي انتهجته هيئة الحقيقة والكرامة، لتشويه نضالات الزعيم الراحل وتعمدها تحريف المسار التاريخي»، حسب المؤسسة التي دعت الهيئة إلى «التحلي بروح المسؤولية والتزام الحياد، بما يجنب البلاد تنامي الضغائن والأحقاد وتأجيج النعرات الجهوية».