- لا نعرف إلى اليوم هوية الأيادي الخفية التي صاغت مرسوم المصادرة وأي دور لها اليوم في مشروع قانون المصالحة - رفض الامتثال لقرارات القضاء العدلي والإداري بمثابة القنابل الموقوتة في وجه الحكومات القادمة - تساؤلات حول دواعي التفريط في منزل صخر الماطري بكندا ومن يقف وراء ذلك - صمت مريب عن بعض التظلمات المقدمة للجنة مقابل التسريع في إنصاف أفراد في الوقت الذي يعرض فيه ملف مشروع قانون المصالحة على مجلس النواب بأياد مرتعشة وسط ضغط سياسي وجمعياتي معارض لتمريره، لا يزال ملف المصادرة مفتوحا بعد مرور ست سنوات على صدور المرسوم. والحديث عن ملف المصادرة لا يمكن أن يمر دون إثارة عدة تساؤلات جوهرية تتعلق بمسار مرسوم استثنائي تخللته الكثير من الانحرافات في زمن بداية الثورة.. أول التساؤلات تتعلق بهوية الأيادي التي صاغت مرسوم المصادرة في الخفاء وضبطت قائمة الأشخاص المصادرة ممتلكاتهم وبالمعايير التي اعتمدت والتي جاءت مخالفة لتوجه عام، أراد القطع مع تجاوزات عهد مضى، فأعطى المشرّعون مثلا سيئا لثورة الحرية والكرامة.. فنحن وإن نعرف من أمضى فلا نعرف من صاغ وأذن بالتعديلات ووجه المشرّع نحو ذاك الاتجاه كما لا نعرف أي دور يلعبونه الآن بعد مضي ست سنوات على صدور المرسوم وان كان لهم دور في صياغة مشروع قانون المصالحة.. أسوق هذا الكلام ليس دفاعا عمن نهبوا ثروات البلاد أو وظّفوا علاقاتهم ببن علي واستغلوا منظومة حكمه استغلالا فاحشا بل دفاعا عن مبادئ إنسانية وحقوق دستورية وأخرى ضائعة لشعب يعاني وأهمها الفشل الذريع في استرداد الأموال المنهوبة والموجودة بالخارج.. فوضع المرسوم بتلك الكيفية التي لم تميّز الكسب المشروع عن غير المشروع فتحت الباب على مصراعيه للاعتراض والتظلم والتوجه للقضاء الدولي وتعطيل مسار استرداد تلك الأموال المنهوبة على خلفية عجز الحكومات عن إثبات العلاقة السببية بين جريمة غسل الأموال والحسابات البنكية والممتلكات الموجودة بالخارج، وحتى التعديل الصادر والمستثني الإرث المتأتي من قبل السابع من نوفمبر 1987 ظل غامضا بعض الشيء بما طرح إشكالات في تطبيق المصادرة بين قراءة قانونية جافة هدفها الخفي إتمام المصادرة وأخرى تأخذ بعين الاعتبار القوانين والمواثيق الدولية فتعتبر غلة الإرث امتدادا للإرث طالما ثبت ذلك في مسار محاسباتي وجبائي واضح. ثاني التساؤلات يتعلق بقائمة ال114 التي أؤكد إننا نجهل من وضعها وكيف حددت ولأي غرض تمت بتلك الكيفية، إذ بعد ست سنوات يبقى السؤال مطروحا لماذا تلك القائمة وليس دونها عددا أو أكثر، فهل فعلا كل من كان ضمن القائمة هو من انتفع لوحده أم هناك من أفلت من ذلك وهل هناك من تم إقحام اسمه خطأ أو انتقاما وتشفيا.. ثم لماذا يتم إقحام أسماء أربعة وزراء لبن علي وليس أكثر أو اقل فهل استفادوا حقا من نظام بن علي وهل استفاد آخرون من النظام وتم غض الطرف عنهم.. ثم لماذا، إن كان الأمر كذلك، تجد الأعضاء المتعاقبين على اللجان يبقون أمر مصادرة منازل أولئك الوزراء معلقا.. أليس لاعتقادهم أنهم ظلموا، على الأقل هذا ما كان صرح به البعض من الأعضاء داخل اللجنة. ثالث التساؤلات يتعلق بإقحام الأطفال القصر ضمن قائمة المصادرة والذي اعتبره خطأ فادحا لمخالفته المواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس ولمخالفته لمجلة الطفل ولعهد حقوق الإنسان، خطأ كلّف تونس الكثير في المحافل الدولية بلغ حد التوبيخ. رابع التساؤلات يتعلق بعدم امتثال لجنة المصادرة بالأحكام القضائية الصادرة عن القضاء العدلي والإداري على قلة عددها والتي أنصفت عددا قليلا جدا ممن صودرت أملاكهم بما يوحي بأنها تدفع نحو إطالة أمد الأزمة وتعكير وضع أملاكهم المصادرة وتوريث الحكومات القادمة قنابل موقوتة ستنفجر حتما في وجهها إذا ما طالب أصحاب الأحكام بتعويضات عما حصل لهم من أضرار. خامس التساؤلات يتعلق بكيفية التعاطي بمكيالين مع أكوام التظلمات الواردة على اللجنة، ففي حين ترفع المصادرة عن بعض النافذين ممن حصلوا على مقسمات أراض تابعة للوكالة العقارية للسكنى تجد ملفات أخرى تتعطل ويتأجل النظر فيها إلى أجل غير مسمى متجنبة الحسم بعد أن كانت حرمت المعنيين من حق الدفاع وأصدرت أحكامها بالمصادرة غيابيا دون فسح المجال لمن سلط عليهم قرار المصادرة بتقديم إثباتات كسبهم المشروع. سادس التساؤلات يتعلق بمدى دستورية مرسوم المصادرة وملاءمته لحق الملكية ولمقتضيات فصول الدستور بما يعني أن أي طعن يوجه للمحكمة الدستورية بعد تشكيلها قد يسقط كامل أمر المصادرة في الماء سيما وان بعض رجال القانون والوزراء سعوا في وقت سابق إلى تعديل المرسوم ووضع قانون بديل له يأخذ بعين الاعتبارات كل الهنات السابقة لكنه ظل في أدراج رئاسة الحكومة منذ عهد رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد. سابع التساؤلات يتعلق بتواصل أعمال لجنة المصادرة فيما يتعلق بالفرع الثاني والذي يشمل أكثر من ثلاثمائة رجل أعمال في الوقت الذي يفتح فيه ملف المصالحة بما يطرح التساؤل عن كيفية التعامل بمكيالين في هذا الظرف وعن الدواعي السياسية لاستخدام سندان المصادرة من جهة ومطرقة المصالحة من جهة ثانية في الوقت الذي قد يكون فيه القضاء هو الفيصل في تلك الملفات. إن تونس اليوم في حاجة أكثر من أي وقت مضى كي تطوي صفحة الماضي وان تتجه إلى المستقبل على أسس صحيحة قوامها العدل والتسامح غير أن هنات مرسوم المصادرة وما انجر عنه من أوضاع مأسوية لأملاك كانت تعتبر أفضل ما يتوفر بتونس وما خلّفه من خسائر للدولة التونسية آخرها التفريط في منزل صخر الماطري بكندا بقرار نعرف من وراءه يجعلنا ندعو إلى ضرورة غلق ملف المصادرة في إطار يحمي حقوق الوطن تحت سقف الدستور قبل فتح باب المصالحة على مصراعيه.. فلا تعافي لوطن يرتق جرحا ويترك آخر ينزف ويتعفن.