قال رئيس الغرفة الوطنية لحرفيي الجلد والسكاجة التقليدية محمد بن غربال في تصريح ل(وات) إن "هذه الصناعة الضاربة في تاريخ تونس أصبحت اليوم مهددة بالاندثار"، محذرا من الأزمة الخانقة التي يعيشها الحرفيون اليوم. ولم تكن صناعة الجلد والسكاجة، بالنسبة إلى البلاد التونسية مجرد حرفة تقليدية توارثتها الاجيال عبر العصور، بل مثل الجلد رمزا حضاريا في أهم الحقبات التاريخية المتعاقبة منذ ما قبل التاريخ مرورا بالفتح الاسلامي ثم الى العهد الحسيني غير انه يعاني اليوم صعوبات كبيرة تهدد استمراريته. احتل جلد الثور مكانة علية في اسطورة تاسيس قرطاج سنة 814 قبل الميلاد. فقد حولت الأميرة الفينيقة عليسة هذا الجلد إلى مساحة مترامية الأطراف أسست عليها قرطاج التي نافست روما في منطقة البحر الأبيض المتوسط آنذاك. بعد ذلك استأثرت صناعة الجلود بحيز هام في الاقتصاد ابان الفتح الاسلامي لإفريقية (تونس) اذ ازدهرت صناعة تجليد الكتب والتذهيب والتخطيط على الجلد. ويعود تاريخ اقدم مصحف قراني مجلد الى سنة 907 م، ثم ذاع صيت هذه الحرفة في العهد الحيسني فتأسست أسواق خاصة بها مثل "البلاغجية" (صناعة الأحذية) و"السراجين" (صناعة سروج الخيل) و"السكاجين" (صناعة المحفظات والحقائب ...) وذلك في بداية القرن السابع عشر ميلادي. وعزا بن غربال في تصريحه على هامش صالون الابتكار في الصناعات التقليدية الذي تختتم فعالياته اليوم الأحد، الأزمة التي يعيشها القطاع منذ سنوات إلى عزوف الشباب عن ممارسة هذه الحرفة جراء غلاء المادة الأولية وارتفاع كلفة اليد العاملة علاوة على صعوبة تسويق المنتوج. وحمل الحكومة مسؤولية عدم تنظيم القطاع وما يجابهه الحرفيون من تهميش بما جعل عدد المؤسسات المختصة في صناعة الجلد تتقلص من 5000 مؤسسة في التسعينات الى قرابة 1000 مؤسسة منها 400 مؤسسة حرفية وهي مؤسسات قال عنها إنها غير مهيكلة وينقصها التنظيم. وتابع رئيس الغرفة، التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، يقول "عديد المهن في طريقها الى الاندثار على غرار حرفة السروج والتذهيب على الجلد والتسفير وحرفة الدمى المتحركة بالجلد جراء عزوف الشباب عن ممارسة هذه الحرفة التي تمثل موروثا ثقافيا هاما". واعتبر "انه من الضروري اليوم، ان تتولى سلطة الاشراف دعم حرفيي الجلد من خلال تحسين المنظومة التكوينية والرفع من الكفاءة المهنية للحرفيين ودعم ترويج المنتوج وتسويقه وحمايته من المنافسة غير الشرعية خاصة امام غزو البضاعة الاجنبية للاسواق التونسية". واستطرد قائلا "لا بد من تحسين الجودة في الجلد، والتعاون ما بين حرفيي الصناعات التقليدية ومصنعي الجلد والتواصل في ما بينهم، خاصة على مستوى الابتكار والتصميم، لتوفير منتوج تونسي صرف يستجيب الى مقاييس الجودة وقادر على المنافسة في الاسواق الخارجية". وطالب بإدراج منتوج حرفيي الجلد كأولوية ضمن منظومة الصفقات العمومية وفرض وجوب اقتناء المنتوجات الجلدية على الادارات والمنشآت العمومية وإلى تكوين لجنة رقابة على البضاعة الموازية بالمسالك السياحية. وشدد من ناحية أخرى على اهمية إعادة الاعتبار الى المحفظة التونسية، كرمز للهوية التونسية، واستعمالها في الندوات ومختلف الملتقيات التي تنظمها تونس عوض المنتوجات الموردة التي لا تستجيب الى ادنى مواصفات الصحة والسلامة، مقترحا إصدار قانون يجبر المؤسسات العمومية والادارات التونسية على استعمال المحفظة التونسية. وذكر أن المحفظة التونسية التي يعود تاريخها الى العصور القديمة، تم استعمالها في العهد الحسيني عند التوقيع على معاهدة التحالف بين نابليون بونابرت الاول وحمودة باشا باي في بداية القرن 19 وفق تأكيده.(وات)