هل أضحت اليوم خطة مستشار أو مدير ديوان في بعض الوزارات أكثر فاعلية من الوزير نفسه؟ وأيّ مقاييس تأخذ بعين الاعتبار لدى تعيين مستشاري الوزراء ومديري الدواوين؟ ولماذا يصر كل وزير لدى تعيينه على جلب طاقمه الخاص؟ وهل صحيح أن ما يعرف «بحاشية الوزراء» على حد تعبير البعض يمتلكون نسبيا سلطة القرار كما لهم دور فعال في تسيير دواليب الوزارات؟ هي مجموعة من الأسئلة التي تطرح بإلحاح في ظل ما يتناقله البعض عن الدور الريادي الذي يلعبه بعض المستشارين أو مديري الدواوين صلب بعض الوزارات حتى أن البعض منهم تحول إلى سلط ودوائر نفوذ مستقلة بذاتها وتعمل للحساب الخاص أو لحساب مجموعات متنفذة وتستغل مواقعها حتى دون علم الوزير نفسه على حد تأكيد بعض المتابعين للشأن العام. فور تعيين وزير ما فإن أول خطوة يقوم بها هي إجراء بعض التعيينات أو الإقالات فعلى سبيل المثال أجرى سليم خلبوس ومنذ توليه وزارة التربية بالنيابة بعض التعيينات على غرار إنهائه مؤخرا لمهمة زبيدة الفالح التي شغلت خطة مستشار لدى ديوان وزير التربية السابق ناجي جلول كما سبق أن أقال في شهر ماي الماضي الناطق الرسمي باسم وزارة التربية فتحي الخميري. ومثل هذه التعيينات أو التغييرات في ديوان الوزير لا تنسحب فقط على وزارة التربية فهي «سنة حميدة» معمول بها في باقي الوزارات حيث نادرا ما يحافظ وزير جديد على نفس الطاقم من مستشارين ومديري دواوين. في قراءته للمسالة لاسيما فيما يتعلق بإصرار كل وزير على تغيير طاقمه ومدى صحة الطرح الذي يشير بان البعض منهم يتحكمون في دواليب الوزارة أكثر من الوزير نفسه أوضح عبد القادر اللباوي رئيس الاتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة أنه يتم مع تسلم كل حكومة لمهامها منذ 2011 إلى حد الآن، تعيين نسبة هامة من المسؤولين في مختلف المناصب والمسؤوليات لاسيما في خطة رئيس ديوان أو مستشار أو مكلف بمأمورية بديوان الوزير على أساس العلاقات الشخصية أو الولاءات السياسية والانتماءات الحزبية قبل الكفاءة والجدارة. وأضاف اللباوي انه في غياب تقييم موضوعي لكفاءة ومردودية المعنيين بهاته التسميات وفي ظل عدم تأكد حاجة الإدارة إلى تعيينهم في المناصب التي تم تكليفهم بها، فإنه من المشروع أن تفهم هذه التسميات على أساس أنها قد تمت على سبيل الترضية إما لأحزاب الائتلاف الحاكم أو للمعنيين أنفسهم وهو ما يتعارض مع أحكام الفصل 15 من الدستور الذي ينص على أن «الإدارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام، تُنظّم وتعمل وفق مبادئ الحياد والمساواة واستمرارية المرفق العام، ووفق قواعد الشفافية والنزاهة والنجاعة والمساءلة»،كما يتنافى ومبادئ الحوكمة الرشيدة وحسن التصرف في الشأن العام. وكشف المتحدث في هذا السياق أن المعطيات والإحصائيات المستقاة من الرائد الرسمي ومن القرارات والبلاغات الصادرة عن رئاسة الحكومة وعن مختلف الوزارات في هذا الخصوص تشي بنسب هامة ومرتفعة لهاته التسميات في المناصب العليا على أساس الانتماء الحزبي والولاء السياسي لا على أساس الشرعية والجدارة والكفاءة والنزاهة. ففي موفى 2013 بلغت 86٪ مقابل 73٪ خلال سنة 2014 و67٪ خلال سنة 2015 ف 70٪ خلال سنة 2016 لتشهد تراجعا طفيفا إلى حدود63٪ خلال الثلاثي الأول لسنة 2017. كما تُشير المعطيات إلى أنّ 80 ٪ من هاته التسميات تمت بدواوين الوزراء وبالمصالح المركزية فيما شملت بقية التعيينات والمقدّرة نسبتها ب 20 % المصالح الجهوية والخارجية والمؤسسات والمنشآت العمومية والهيئات العمومية. وفسر اللباوي من جانب آخر أن مختلف الحكومات المتعاقبة قد قامت بإغراق الإدارة بتسميات في كافة المستويات بأشخاص لا يفقهون الكثير في كيفية التصرف في الملفات العادية فما بالك بالملفات الحارقة المطروحة اليوم. وقد أدى ذلك وفقا للمتحدث إلى حالة من التهميش طالت المصالح والأعوان والمديرين والإطارات التي تحذق التعامل مع الملفات وهو ما خلّف احتقانا داخل الإدارة التونسية خاصة وأن نسبة هامة من المستشارين والمكلفين بمهام المعينين من خارج الإدارة ينزعون إلى التدخل في كافة الملفات بشكل يربك السير العادي للعمل ويؤدي إلى مشاحنات مع المسؤولين الإداريين بصورة كثيرا ما تخلف تبعات سلبية على المسار المهني للإداريين، إرضاء لسلوكيات غير سوية وغير مقبولة، لا منطقا ولا قانونا، يأتيها أفراد حاشية الوزير على حد قوله. تشكيات في الغرض وأورد اللباوي في هذا السياق أن الإتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة قد تلقى العديد من التشكيات والعرائض صادرة عن إطارات إدارية عليا (مديرين عامين) تعرضوا إلى شتى أنواع التهميش والمضايقات والمظالم بما يشكل إجحافا في حقهم وفي حق الإدارة التونسية ونيلا من سمعة الحكومة، في الوقت الذي يراهن فيه الجميع على عزم هذه الأخيرة، على توفير أقصى ما يمكن من أسباب وشروط الارتقاء بمردودية العون العمومي أينما كان وإصلاح مواطن الضعف والوهن في الإدارة التونسية ومقاومة الظلم والحيف والمحسوبية والمحاباة التي ما فتئت تتعاظم وتتفاقم على حساب الكفاءة والجدية. وخلص اللباوي إلى القول انه لا مانع من أن يستعين الوزير ببعض الكفاءات من خارج الإدارة باعتبار رصيد الكفاءة والثقة الذين يتمتعون به حسب تقدير هذا الوزير أو ذاك. غير أن هذه الأحقية والثقة لا تعني البتة أنه يتم الاستعاضة عن الخبرات الإدارية بصفة تكاد تكون كلية، بتعيينات وتسميات على أساس الولاء أو المحسوبية لا على أساس الكفاءة والخبرة والنزاهة. من جهة أخرى وفي تفاعله مع المسالة أورد طارق بلحاج محمد باحث في علم الاجتماع في تصريح ل «الصباح» أن خطة وزير تعتبر خطة سياسية بالأساس وبالتالي فليس بالضرورة أن يعيّن وزير في اختصاصه أو في مجال معرفته وهذا ما يجعله يحتاج لمن يعينه على فهم ملفات وزارته ومتابعتها. عين الوزير وأوضح المتحدث انه بما أن الوزير في العادة ليس ابن الإدارة المتمكنة من ملفاتها ولكنه «مجبر» في المقابل على ترؤسها وتوجيهها ومراقبتها فانه في حاجة إلى من يعينه على هذه المهمة من خارج الإدارة يكون ولاءه لشخصه ويكون من الثقات وأصحاب الكفاءة وهو عبارة على عين الوزير على الإدارات العامة وبالتالي يلتجئ الوزير إلى المستشارين والمكلفين بمهمة والمكلفين بمأمورية ليؤثث بهم ديوانه. وفسر المتحدث أن هذه الخطوة فيها الكثير من المخاطر وتحوم حولها العديد من الشبهات وخاصة بعد الثورة حيث تحولت الدولة وأجهزتها إلى غنيمة تحاول كل مجموعة الاستفادة منها إلى أقصى قدر ممكن وبجميع الطرق والوسائل بما فيها غير المشروعة وغير القانونية أو تلك التي فيها تجاوز للسلطات. كما اعتبر المتحدث أن مقاييس الإلحاق بالدواوين الوزارية تغيرت بعد الثورة كما ونوعا ووظيفة، فلم تعد القرابة بالوزير أو الصداقة أو الكفاءة وحدها هي من يحدد هذه العملية بل تعدد فيها المتدخلون و»العرابون» على جد تعبيره قائلا:»نفس الحزب أو الجهة السياسية أو الاقتصادية التي عينت الوزير أو رشحته يمكن أن تفرض عليه عددا معينا من الملحقين بديوانه أحب أم أبى. وفي ظل انتشار الفساد والمال السياسي أصبحت أحزاب ومجموعات اقتصادية متنفذة وأشخاص ذوي نفوذ يدفعون في اتجاه من يمثلهم في دوواين الوزراء لرعاية مصالحهم وبالتالي تحول هؤلاء من مساعدين للوزير في متابعة الملفات وتحديد أولويات ومشاريع الوزارة وحسن تسيير المرفق العام إلى سلط ودوائر نفوذ مستقلة بذاتها وتعمل للحساب الخاص أو لحساب مجموعات متنفذة وتستغل مواقعها حتى دون علم الوزير نفسه». وأضاف بلحاج محمد أن هذه الأشخاص ولاءها في ذلك لنفسها ولمن عينها وليس إلى الدولة، وأولوياتها استغلال مواقعها وقربها لدوائر أخذ القرار للتأثير أو التسريب أو المتاجرة بالمعلومة وخرق واجبات التحفظ المحمولة على العون العمومي. منال حرزي