لم يكن عرض "الحضرة 2" للفاضل الجزيري مألوفا لدى جمهور مهرجان المدينة، ليلة البارحة بالمسرح البلدي بالعاصمة، إذ خرج عن كلّ ما هو سائد وكلاسيكي عمّا هو متداول في مثل هذا النمط الموسيقي الصوفي. فلم يكتف بالآلات الموسيقية المألوفة كالبندير والطبلة بل أدخل الجزيري على الحضرة آلات موسيقية غربية إيقاعية ونفخية ووترية كالساكسوفون وال?يتار وال?يتار باص والباتري والبيانو والكمنجة، دون أن تفقد مختلف هذه الآلات الموسيقية العرض سماته الروحية. وراوح العرض بين الأداء الانفرادي للمدائح والأذكار وبين الأداء الجماعي للتغني بالخالق ومدح رسوله والأولياء الصالحين، على غرار "يا الله""ومولاي صلّ وسلم" و"يا محمد يا جد الحسنين" ويا بلحسن يا شاذلي" و"يا فارس بغداد". وتخلّل مختلف هذه الأغاني الصوفية لوحات تعبيرية راقصة وصلت حدّ التخميرة في بعض الأحيان وذلك للاعتقاد السائد لدى المتصوفة بتطهير الروح وتحريرها من سلطة الجسد. انفتاح الحضرة على بعض الإيقاعات الغربية لم يُفقد العرض بريقه وخصوصياته الصوفية، بل كان الهدف منها أيضا استقطاب الفئات الشبابية حتى لا يكون هذا النمط الموسيقي حكرا على فئة كبار السن، وقد برهن الفاضل الجزيري على أن الموسيقى الصوفية ليست في قطيعة مع الأنماط الموسيقية الغربية بل هي منفتحة على الموسيقى الغربية إذا ما أُحسن الوصل بين هذين النمطين. ويبدو إيقاع الحضرة في ظاهره احتفاليا، لكنه يحمل وجعا وهموما تسكن الإنسان، فتجعله يهرب من واقع قاسٍ ومرير للاختلاء بالنفس رغبة في التخلّص من الجسد وقتله وتحرير الروح منه، لإيمان المتصوفة أن كيان الإنسان يتحقق عندما تلتحم الروح بالذات الإلهية. ولذلك يعتبر الرقص على إيقاع الحضرة حدّ التخميرة أحد شروط التخلّص من الجسد وتحرّر النفس وتطهيرها. وقد تميّزت الحركات الراقصة بالأساس في تحريك مختلف أعضاء الجسم وأطرافه والضرب على القاعة بالقدمين بعنف إلى حين فقدان الوعي الذي من شأنه أن يخلّص الإنسان من حواسه. استوفى الفاضل الجزيري في عمله "الحضرة 2" شروط العرض الصوفي من إيقاعات موسيقية ولوحات تعبيرية راقصة وملابس وغيرها من متممات العرض الصوفي كالسناجق وتقديم الحلويات للعازفين والمنشدين. واستطاع أن يشدّ إليه جمهورا غفيرا أقبل على المسرح البلدي بالعاصمة وخرج منتشيا يُهَمْهِمُ بعضهم بأغانٍ تمّ أداؤها في العرض كأغنية "يا بلحسن يا شاذلي". (وات)
