عمّت رائحة البخور والعطور فضاء المسرح البلدي بالعاصمة ليلة أول أمس إثر عرض «أنغام الزردة» لعبد الكريم الباسطي وكانت الأجواء صوفية غلب عليها مزيج من الطبوع والمقامات المستعملة في أنماط الموسيقى المغربية ولكن... وكما أشار منتج العرض يوم 8 ماي الجاري في لقاء إعلامي أن «أنغام الزردة» يختلف عن بقية عروضه على غرار «نقشة» و»زردة» و»الوذن العاطشة» من حيث المحتوى الموسيقي وتوظيف أصوات متفردة كفيلة بأن تضمن ايصال معاني مدح الرسول الأكرم محمد(ص) وأقطاب الصوفية، فضلا عن لوحات كوريغرافية مثلت تناغما بين الموسيقى التعبيرية والأصوات المختلفة المتصاعدة مع حركة الجسد. الحفل ليلة أول أمس كان ضخما على مستوى العدد الهائل من العازفين على آلات النقر والايقاع وحضور العديد من الأصوات النسائية والرجالية جعلت العديد من الحاضرين يتساءل في حيرة: كيف لهذه الأصوات أن تكون مغمورة وغير معروفة في الساحة الفنية التونسية؟ على غرار ناجحة جمال وفتحي الورغي وسامي الرزقي ونهلة الشعباني وخولة الطاوس وغيرهم.. أما الحلقة المفقودة في هذا العرض فهو حضور الجمهور، لعل ذلك راجع إلى غياب الإشهار وتقديم العرض وسط الأسبوع. «الزردة زردتكم والفرحة فرحتكم» وكان عبد الكريم الباسطي قد تحدث قبل بداية العرض عن ظروف العمل الشاقة التي مر بها كامل فريق العمل وكيفية انتقاء المطربين والعازفين المتميزين مؤكدا في الآن نفسه أن آداء الموسيقى الصوفية يعتبر من أصعب الأنماط الموسيقية وهي مغامرة -حسب رأيه- يأمل أن تحقق النجاح المنتظر في الأيام القادمة وألقى قصيدة باللهجة العامية «الزردة زردتكم والفرحة فرحتكم» تتغنى بثورة 14 جانفي. اِرتجال غلب عليه حماس واضح، صاحبته لوحة راقصة حيث أبدت الراقصة الشابة مهارات كبيرة من خلال تحركها على الركح أو تفاعلها مع الكلمة. فضلا عن الايقاعات التي ساهمت في بناء المشهد الدرامي فكان التمازج بين الصوت والإحساس والموسيقى ليعبر عن بلاغة الانفعالات النفسية الأجمل والأفضل إبداعا. تولى عبد الكريم الباسطي قيادة الفرقة في الجزء الأول من العرض ليتقمص دوره في بقية ردهات الحفل خالد السنوسي. المجموعة الموسيقية كانت عبارة عن أوركاستر سمفوني ضخم زادت المشاهد الكوريغرافية -التي خصصت لها منصة آخر الركح- الحفل بهرجا على مستوى المنظر وساهمت في توظيف المعاني الصوفية للعرض نذكر على سبيل المثال «النفس تبكي على الدنيا» و»يا جاه يا طيب الأنفاس محمد يا سيد الناس» غناء ناجحة جمال التي شدّت الحاضرين بصوتها الشجي وقدرتها على الانتقال بيسر من مقام إلى آخر. وتواصل الثناء على شخص الرسول الأكرم من خلال «يا عظيم الجاه آه نورك بين الله يتباهى» و» يا من أضاء منك الظلام عليك صلوات الله وسلامو» (في مقام الصبا) آداء كل من الفنانين الرائعين هادي وفتحي الورغي اللذين تجاوب معهما الحاضرون بالتصفيق المتواصل. إضافة إلى تميّز بقية المغنين الآخرين (نساء ورجالا). عرض مشبع بالمعاني الصوفية وبما أن الطبوع والمقامات الموظفة كانت تحمل معاني صوفية عميقة لم تغب أذكار الأقطاب الصوفية على غرار أغنية «يا بلحسن نا جيتك مقهور» أداها الفنان نورالدين الباجي. وقد بيّن عبد الكريم الباسطي في بداية العرض أن اختيار هذا الفنان -رغم أنه ينتمي إلى الموسيقى الوترية- يعود لإتقانه العديد من الأنماط الموسيقية بما في ذلك «الجوّ الصوفي» وهو ما حققه في «أنغام الزردة». مؤسس أقدم فرقة اسطمبالي في تونس الشاذلي البيدالي كان حاضرا أيضا في هذا الحفل وشحن الجوّ العام للعرض بايقاعات متنوعة صاحبها ثلاثة راقصين. لكن ولئن كان عرض «أنغام الزردة « انتاجا موسيقيا حديثا له طابع خاص من حيث توظيف آلات موسيقية معاصرة كالبيانو والسكسوفون و»الباطري» وحسن انتقاء الفنانين من عازفين ومغنين وتوظيف فن الكوريغرافيا بطريقة تنمّ عن حس فني راق وتمكن من الأجواء الصوفية، فإن طول مدة العرض (3 ساعات) تجعل المشاهد يصاب أحيانا بالقلق رغم قيمة المحتوى وتنوع الفقرات الموسيقية. السؤال هل سيكون «أنغام الزردة» حاضرا في مهرجان قرطاج هذه الصائفة؟