تضطر اليوم فئة من الأولياء غصبا لا طوعا إلى تسجيل أبنائها في الجامعات الخاصة التي لم تعد مطلقا حكرا على فئة أو طبقة معينة، هاجسهم الوحيد في ذلك هو ضمان مستقبل أبنائهم كلفهم ذلك ما كلف حتى إن اقتضى الأمر الاعتماد على قروض بنكية وإنفاق مبالغ طائلة تتجاوز بكثير دخلهم الشهري علما أن البعض منهم اضطر إلى بيع جزء من ممتلكاته لتامين مصاريف الدراسة الجامعية على حد تأكيد البعض. وبعيدا عن الخوض في جدلية جودة التعليم في الجامعات الخاصة من عدمه، تجد فئة كبيرة من الأولياء نفسها مجبرة على ولوج «عالم الجامعات الخاصة» لاسيما بعد رسوب أبنائها في سنتهم الجامعية الأولى أولئك الذين لم ينصفهم دليل التوجيه الجامعي السنة الماضية ليجدوا أنفسهم منساقين وراء شعب لا تتناغم مطلقا مع ميولاتهم، ليجد هؤلاء في الجامعات الخاصة ملاذا لهم معلنين بذلك عن افتتاح موسم الهجرة إلى الجامعات الخاصة. من هذا المنطلق تزدهر في هذه الفترة بورصة الجامعات الخاصة لتشهد إقبالا منقطع النظير حيث فتح البعض منها حاليا أبواب التسجيل على أن يغلق بداية من شهر أوت القادم دون أن ينتظر حتى نتائج الباكالوريا لهذه السنة. وفي هذا الخضم يوجه أهل الاختصاص أصابع الاتهام إلى منظومة التوجيه الجامعي برمتها على اعتبار أن النظام المعتمد في التوجيه الجامعي تشوبه اخلالات ونقائص عديدة يدفع الولي وحده ضريبتها بالنظر إلى ارتفاع بورصة بعض الشعب لا سيّما الشبه طبية منها دون موجب على حد قول البعض. اخلالات في التوجيه الجامعي تتفق سميرة حرز الله مستشارة أولى في التوجيه الجامعي والمدرسي مع هذا الطرح وتشير في تصريح ل«الصباح» أن منظومة التوجيه الجامعي تشوبها اخلالات مما أدى إلى ارتفاع بورصة الجامعات الخاصة. ولئن تؤيد حرز الله الأسباب السالفة الذكر التي تدفع بالأولياء إلى تسجيل أبنائهم في الجامعات الخاصة إلا أنها تؤكد وجود أسباب أخرى خفية تتعلق أساسا بجودة الجامعات الخاصة وبحجم المرافقة والمتابعة والإحاطة البيداغوجية التي يحظى بها التلميذ في الخاص مقارنة بالجامعة العمومية على حد قولها.واعتبرت في هذا السياق أن جودة الجامعات الخاصة تجعل بعض الأولياء يضطرون إلى بيع أراضيهم وعقاراتهم بهدف تامين التكوين اللازم لاسيما أن سوق الشغل أضحت اليوم منفتحة على الجامعات الخاصة. وبالعودة إلى بعض الأولياء الذين يجدون أنفسهم مجبرين ودون أدنى اقتناع على تسجيل أبنائهم في الجامعات الخاصة يرى حسين بوجرة كاتب عام الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي في تصريح ل «الصباح» أن الولي لا يلتجئ إلى الجامعات الخاصة بحثا عن جودة التعليم وإنما قصد ضمان شغل لابنه فالمسالة من وجهة نظره لا تتعلق بنوعية التعليم وإنما بعملية انتدابه لاحقا. واعتبر بوجرة من جانب آخر أن الشرط الأساسي لإنقاذ الجامعة العمومية هي القيام بعملية إصلاح تكون شاملة وغير ظرفية وتكون خاصة منبثقة من القواعد الأستاذية، وفسّر بوجرة في هذا السياق أن مشروع الإصلاح انطلق منذ أكتوبر 2011 . واشتغلت آنذاك لجنة ثلاثية الأبعاد( مكونة من الطرف النقابي والإداري والبيداغوجي) وقد تمت المصادقة على مشروع الإصلاح هذا غير انه إلى اليوم لم يفعل على حد تأكيده مشيرا إلى أن عملية الإصلاح على مستوى القطاع الخاص تستوجب توفير شروط الجودة، أما فيما يتعلق بمنظومة التوجيه الجامعي اعتبر بوجرة انه آن الأوان كي ترفع وزارة التعليم العالي يدها عن الطريقة البيروقراطية المعتمدة في عملية التوجيه الجامعي مشيرا إلى انه يفترض وفي إطار استقلالية الجامعات أن تحدد كل جامعة حاجياتها من الطلبة الجدد. الوزارة على الخط في المقابل أورد إدريس السايح مستشار مكلف بالاتصال والعلاقات العامة بوزارة التعليم العالي في تصريح ل»الصباح» أن للوزارة مشروع لإصلاح منظومة التوجيه الجامعي. وتتمثل الفكرة في إدماج مواد اختيارية يدرسها التلميذ قبل الباكالوريا حتى يكون التوجيه لاحقا أكثر دقة ويعطي صورة أوضح عن قدرات التلميذ. وفسر السايح في هذا الإطار انه قد يتحصل التلميذ على معدل يساوي 10 أو 11 من عشرين ومع ذلك يحظى بتوجيه جيد على اعتبار أن تحصيله العلمي الجيد في بعض المواد يكون أكثر تناغما مع بعض الاختصاصات الهامة على غرار الهندسة مشيرا إلى أن هذه الفكرة تم طرحها منذ مارس 2017 لكن هذا لا يعني أنها ستفعل السنة المقبلة بالنظر إلى أن المسالة تتطلب دراسة عميقة. واعتبر المتحدث من جانب آخر أن للقطاع الخاص دوره في السوق لكن هذا لا ينفي أن الجامعة العمومية تبقى خيارا استراتيجيا لا تراجع عنه. تجدر الإشارة إلى أن عدد الطّلبة المسجلين خلال سنة 2016 بالكليّات والجامعات الخاصّة يضاهي 30 ألف طالب منهم 5 آلاف طالب أجنبي، أغلبهم أفارقة. ووفقا لدراسة حول الجامعات الخاصة بتونس نشرها مكتب الدراسات والتخطيط التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فقد تطور عدد مؤسسات التعليم العالي الخاص من 39 مؤسسة سنة 2010/2011 إلى 65 بالنسبة لسنة 2015/2016. كما ارتفع عدد طلبة التعليم العالي الخاص من 15045 طالبا جامعيا سنة 2010/2011 إلى 30669 سنة 2015/2016. منال حرزي