شاركت وداد بوشماوي رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية صباح اليوم الثلاثاء 22 أوت 2017 بأحد النزل بتونس العاصمة في جلسة الإعلان عن انطلاق إعداد الإستراتيجية الوطنية للتشغيل التي أشرف عليها يوسف الشاهد رئيس الحكومة. وألقت رئيسة الاتحاد الكلمة التالية : «يطيب لي أن أعرب عن بالغ مشاعر السعادة بالمشاركة اليوم في الإعلان عن انطلاق إعداد الإستراتيجية الوطنية للتشغيل وهو ما نعتبره أحد أهم الإصلاحات المجتمعية ، لأن التشغيل يظل من أهم القضايا الوطنية التي تحظى باهتمام الأفراد والمجموعات ويبقى على رأس مشاغل الأسرة التونسية وله تأثير على معنويات الشباب وتطلعهم نحو مستقبل أفضل. وليس هناك من شك أن خيار إعداد هذه الإستراتيجية على أسس التشاركية والشمولية والنجاعة الاقتصادية سيكون عاملا مساعدا على نجاحها... لقد أكدنا دوما أن أساس النهوض بالتشغيل يمر من خلال تطوير الاقتصاد ونموّه ودعم المبادرة الاقتصادية وتأهيل محيط الاستثمار.. فالاقتصاد هو الأساس الصلب الوحيد الذي يخلق مواطن الشغل ، وبرامج التشغيل وآلياته، رغم أهميتها في تنشيط سوق الشغل ورغم دعمنا لها، فإنها لوحدها لا تخلق شغلا، كذلك فإن العمليات ذات البعد التضامني تظل محدودة الجدوى وذات طابع رمزي ولا تمثل إجابة جدية ودائمة لإشكاليات البطالة. وقد نبهنا لهذا منذ سنوات وأكدنا مرارا أن تنظيم حملات وطنية مسقطة لتشغيل الإطارات والدعوة لانخراط مؤسسات القطاع الخاص في انتداب تضامني لعدد من طالبي الشغل دون احترام لمعايير الجدوى والفاعلية و لحاجيات المؤسسة ووضعها الاقتصادي لا تمثل حلا حقيقيا لمشكل البطالة. لهذا نؤكد من جديد أننا نعتبر أن التشغيل استحقاق و ليس منة، تحكمه قواعد التقاء عرض حقيقي مبني على حاجيات الاقتصاد، و طلب جدي تحدده الرغبة في العمل والإنتاج. منذ 14 جانفي 2011 وضع التشغيل في قلب استحقاقات الثورة وتصدّر قائمة الأولويات الوطنية ووشّح كل الخطب واللاّفتات والواجهات السياسية والاجتماعية والبرامج الانتخابية، حتى صار بندا قارا في أجندة جميع الأطراف، ولكن دون أن يكون هناك بعد نظر وتفكير عميق حول معضلة البطالة وطرق تناولها من أوجهها العدة واستنباط حلول وإجابات عاجلة وآجلة مبنية على مقاربة علمية وعقلانية وتشاركية بعيدا عن الشعبوية والفوضى وتجاوز القانون. ورغم أن الجهود انكبت في السنوات الماضية لتحقيق الاستقرار الأمني والإصلاح السياسي والتي لم تكن هينة فقد سعينا كشركاء اجتماعيين صحبة الحكومة إلى إحداث إطار لعملية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي يبني لمنوال تنموي و سياسة تشغيل ونموذج للعلاقات الشغلية وأرضية للحماية الاجتماعية، فأمضينا العقد الاجتماعي ووضعناه كأساس للإصلاح والشراكة و البناء. واليوم، وبوجود كل مقومات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ضمن هذا العقد الاجتماعي وبتوفر الخطوط العريضة التوافقية ضمن وثيقة اتفاق قرطاج، فإننا نجد الإطار الملائم للمضي قدما في صياغة إستراتيجية وطنية للتشغيل وتحديد عناصرها الأساسية بما يسهّل عمل الفنيين والمتحاورين وأصحاب القرار وضبط المضامين وتحديد التوجهات والإجراءات العملية. إن ما حققناه اليوم من مكاسب وما توصلنا إليه من توافقات في مسار الانتقال الديمقراطي هو فخر لنا جميعا ونموذج جيّد يميّز بلدنا بين دول العالم، وذلك ما نلمسه لدى كل شركائنا في العلاقات الدولية، ولكنه يظل منقوصا ومهدّدا بدون استكمال الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت اليوم تفرض نفسها أكثر من ذي قبل وخاصة «إنقاذ التوازنات الكبرى للبلاد « والتحلي بكثير من الجرأة وروح المسؤولية لتكريس الإصلاحات الضرورية التي تحتاجها تونس. إن وضعية توازن المالية العمومية وأزمة الصناديق الاجتماعية وتراكم خسائر عديد المؤسسات العمومية وتعاظم الاقتصاد الموازي يدفعنا إلى التنبيه من المخاطر الكبيرة على مستوى كل الأسواق.. سوق الإنتاج وسوق الشغل والسوق المالية وسوق الصرف ومخاطر فقدان مزيد من مواطن الشغل فيما نحن مطالبون بخلق فرص عمل إضافية، وبما يعيق المؤسسة على تحسين مركزها المالي وتدعيم قدراتها في الاستثمار والتشغيل. وإذ نعتبر أنه حان الوقت لإطلاق قطار الإصلاح في هذا المجال، فانه بات من المؤكد اليوم التوصل إلى توافق ثلاثي فيما يخص ميزانية العام المقبل قبل عرضها على مجلس نواب الشعب لاستنباط حلول جماعية تقطع مع اللجوء الآلي للتداين أو التوجه نحو الرفع من الضغط الجبائي على مؤسسات القطاع المنظم وتحميلها أوزار غيرها بشكل غير عادل وغير منصف. إننا مدعوون إلى البحث عن المكامن الحقيقية لتعبئة الموارد وكذلك وبالخصوص كيفية إيقاف نزيف تعاظم مراكز الكلفة المتزايدة والغير معقولة. تكتنف سوق العمل في تونس عديد النقائص سواء على مستوى العرض أو في مستوى الوساطة. ففي الوقت الذي ترتفع فيه معدلات البطالة، تشهد طلبات الاقتصاد من اليد العاملة نقصا كبيرا في عدّة مجالات منها ما هو في اختصاصات دقيقة أو ما هو في مهن كلاسيكية وبخاصة بقطاعي البناء والفلاحة، ممّا يطرح ضرورة دراسة ذلك وإيجاد الحلول الناجعة وإحداث آليات للتعديل وتوفير يد عاملة ملائمة لحاجيات الإنتاج. ولقد تضمن العقد الاجتماعي في محوره الثاني الخاص بسياسات التشغيل والتكوين المهني الاتفاق على إجراء إصلاح شامل لمنظومة التعليم بمختلف مراحله بما يجعل مخرجاتها تتلاءم مع احتياجات الاقتصاد من المهارات والكفاءات، ولكن عملية الإصلاح هذه لم تتم في إطارها الصحيح بين أطراف العقد الاجتماعي بل تحوّلت إلى مجال للصراع والصدام والحسابات وإقصاء الأطراف المعنية، وأدّت إلى تعطّل الإصلاح والاكتفاء بإجراءات محدودة لم تحقّق أي نتيجة تذكر. لذلك نأمل أن يكون هذا الموضوع محورا رئيسيّا للإستراتيجية الوطنية للتشغيل وأحد أهم عناصرها بوضع الخطوط المرجعية والمبادئ الأساسية لعملية إصلاح شامل لمنظومة الموارد البشرية من المدرسة إلى الجامعة والتكوين المهني، بما يجعل المنظومة بكامل مراحلها وبفرعيها العمومي والخاص مسلكا للنجاح والأمل والإدماج المهني. ختاما نأمل أن تسعى فرق العمل الفنية ولجنة القيادة لتناول كل المعوقات بكثير من التعمق والبحث عن الحلول المناسبة للنقائص الموجودة على مستوى منظومة الموارد البشرية ومحيط الاستثمار وبعث المؤسسات، واعتماد منهج التشاركية في العمل في إطار المراجع التوافقية (العقد الاجتماعي واتفاق قرطاج)، والإصغاء إلى كلّ الفئات والأخذ بعين الاعتبار لأفكار ومقترحات الشباب والمؤسسات والجهات الدّاخلية....»