يكون الأمل أحيانا في شكل طفل يولد ليهب السعادة لوالديه.. في شكل «ملائكة» يهل ل«يرمم» مشاكل بين الطرفين و«برودا» لف العلاقة.. قد يكون ذلك الطفل هو الأمل وهو السبيل لكي لا تنتهي علاقة زوجية «غزتها» الاختلافات وطغى عليها «النفور» فما بالك إذا ما كان ذلك «الصغير» هو الأمل الأول والأخير الذي حكم القدر أن يكون آخر رهان لتتواصل العلاقة ولا خيار ولا أمل بعده.. والأمرّ من قدوم «المهدي المنتظر» باعتباره آخر فرصة هو فقدانه بذات السرعة التي جاء بها والذي يعني حتما فقدان الأمل.. فقدان الحياة.. فماذا يمكن أن تحس أم فقدت رضيعها الذي كان آخر أمل لها في الإنجاب؟ وكيف لأم احتضنت رضيعها وأغدقت عليه من عطفها وحنانها أن تراه يموت أمامها وتحتمل ذلك الفراق المر؟ فما بالك إذا كانت الوفاة بسبب خطإ.. بسبب اهمال لم يكلف مرتكبه نفسه سوى ان ينظر الى الام بكل برود ويقول لها «سامحنا مدام صغيرك مات». أيوب الفطناسي طفل عمره ثلاث سنوات كان ثمرة زواج ناجح وعلاقة حب بين والديه ومثل قدومه إلى عائلته الصغيرة سعادة وفرحة لا توصف ولكن رحل أيوب بسرعة.. ودّع دنياه ووالديه على عجل وترك لوعة وألما في قلبهما لن يمحيا باعتباره كان الابن الأول والأخير.. رحل نتيجة اهمال طبي كلفه حياته وكلف والدته سامية سعادتها، عن تفاصيل الحادثة تحدثت سامية والدة أيوب ل «الصباح» فذكرت انها تزوجت وأنجبت ابنها أيوب الذي كان في صحة جيدة وعندما بلغ عمره ثلاث سنوات وفي إحدى الأيام أثناء اندلاع الثورة سنة 2011 أصيب أيوب بنزلة برد فنقلته والدته إلى قسم الاستعجالي بمستشفى فرحات حشاد بسوسة وهناك تم إعلامها من قبل الإطار الطبي الذي باشر حالته بأنه بخير ولكنه يعاني من فقر ونقص في الدم وسيتم نقل الدم له وترك سبيله. الكارثة.. واصلت الأم حديثها بكل حرقة وألم فذكرت أن وجودهما بالمستشفى تزامن مع رأس السنة الإدارية مما تسبب في غياب بعض الإطارات الطبية واستلزم الأمر بقاءها لمدة ثلاثة أيام في انتظار نقل الدم لأيوب وقد تزامن ذلك مع وجود طفلين أصيلا منطقة السبيخة التابعة لولاية القيروان تعودا القدوم إلى المستشفى لنقل الدم لهما باعتبارهما يعانيان كذلك من فقر في الدم، وجاء اليوم الموعود لنقل الدم لأيوب بحضور والديه وقدمت ممرضة للغرض وقامت بحقن الدم في بدنه ولكن في الأثناء صاحت الأم على حين غفلة باعتبارها تفطنت إلى أن الاسم الموجود على العبوة التي حقنت بها الممرضة ابنها ليس اسم ابنها بل اسم الطفل أصيل السبيخة الذي كان بانتظار دوره لنقل الدم له.. صاحت الأم ولكن الوقت كان قد فات باعتبار أن الممرضة انتهت من حقن أيوب بدم ليس من فصيلة دمه وانتهى الأمر مما جعل الطفل يدخل في غيبوبة استوجبت إيداعه بقسم الإنعاش حيث بقي هناك لمدة 17 يوما ثم فارق الحياة. قالت سامية كنت أشاهد ابني وهو يحتضر وعندما حاولت الاستفسار عن حالته من الطبيبة المباشرة له قالت لي حرفيا «ننزعلك الطبلية تلبسها أنت كنّا عندو ولدك ولا باس عليه» قبل أن يرحل أيوب إلى الأبد. قضية جزائية.. قالت سامية بكل حرقة «بعد ما مات ولدي وليت كل يوم في الجبانة.. تحرقت في حياتي وفي عيشتي.. حياتي ادمرت..»، وأضافت «والله الي صار فيا راني نحكيه لحفار قبري» فبعد ان دخل ايوب الى قسم الانعاش قامت ادارة المستشفى باعلام السلط الأمنية بعد الحالة الهستيرية التي دخلت فيها الأم فتم اقتيادها رفقة زوجها بعد تكبيلهما ب «المينوط» الى مقر منطقة الأمن بعد ان اتهمتهما ادارة المستشفى باحداث الشغب ومحاولة حرق المستشفى وقالت سامية «ولدي قاعد يموت وهو ما سلسلوني أنا وراجلي وهزونا للمنطقة» كما تم الاعتداء على زوجها وكسر أنفه قبل ان يتم إطلاق سراحهما. وأضافت انها تقدمت بقضيتين إحداهما منشورة لدى المحكمة الإدارية بتونس والثانية منشورة لدى قلم التحقيق بالمحكمة الابتدائية بسوسة وقد تم ختم الأبحاث فيها وعينت لها جلسة يوم 10 أكتوبر الجاري أمام دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف وقد تمت إحالة ممرضة بحالة سراح ووجهت إليها تهمة القتل غير العمد. مأساة.. قالت سامية «مأساة.. مأساة.. حياتي تقلبت سافلها على عاليها.. حرقة كبيرة في قلبي..» وأضافت إن التقرير الطي جاء فيه أن ابنها يعاني من قصور كلوي وفيروس كبدي كما انه يعاني من انتفاخ في القلب وغيره وقالت» على حسابهم هوما وقتلي دخلت ولدي عبارة إنسان ميت ناقص كان القبر يحطوه فيه مالا كيفاش عاش ثلاثة سنين» وأكدت أن لها كل الإثباتات الطبية التي تؤكد أن ابنها سليم بل وفي صحة جيدة وبحوزتها تقرير طبي للطبيب المباشر لحالته يؤكد انه معافى ولا يعاني من أي مرض باعتبارها كانت تنوي أن تقوم له بعملية تجميل على مستوى فكه واستلزم ذلك قيامها بجميع التحاليل والصور اللازمة له لإجراء العملية والتي أثبتت انه في صحة جيدة وأكدت أن ما جاء في التقرير الطبي حصل لأيوب بعد حقنه بفصيلة الدم الخاطئة مما أدى إلى تدهور صحته ودخوله في غيبوبة ومن ثمة وفاته وقالت «راهو دمار..مقت..مقت..» مؤكدة انه تم الادعاء بأن ابنها معاق للتفصّي من العقاب والمسؤولية مما جعلها تتقدم بكل الصور التي تملكها لابنها وأودعتها لدى قاضي التحقيق المتعهد بالقضية والتي تثبت بأنه لا يعاني من أي مرض كان. وأضافت سامية بأنها ذاقت الأمرين بعد وفاة ابنها منذ ست سنوات بسبب الإهمال والتقصير ومازالت تعاني باعتبار أن رحلتها طالت بين المحاكم لإثبات حق ابنها وختمت حديثها بقولها «ربي ينورلو حقو وانشاء الله القضاء يأخذ مجراه». ◗فاطمة الجلاصي الصباح بتاريخ 4 اكتوبر 2017