في خطوة مفاجئة وغريبة عمدت مجموعة من الأشخاص الى توقيع عريضة للمطالبة بايقاف برنامج "جمهورية الثقافة" الذي تبثه القناة الوطنية أو على الأقل تعديل محتواه بدعوى ان هذا البرنامج الذي يعده ويقدمه الدكتور عبد الحليم المسعودي عودة للدكتاتورية من النافذة الإعلامية ويعبر عن رؤية آحادية وفاشية وإيديولوجية وحتى انتخابية وهو ما طرح أكثر من نقطة استفهام. وفي وقت كان يستحق المسعودي الدعم والتشجيع بعد النجاح الذي حققه البرنامج خلال السنة الماضية ونسب المشاهدة المحترمة التي أثبتت بالأرقام قيمة الاضافة التي قدمتها "جمهورية الثقافة" للقناة الوطنية الأولى ، فان من وصفوا ب"أعداء الثقافة" انخرطوا في محاربته والتحريض عليه في محاولة تبدو للكثيرين أكثر من يائسة في التأثير على البرنامج وحتى مجرد التشويش عليه باعتبار انه ينتصر للثقافة والتثقيف والتنوير والحداثة بل أن "جمهورية الثقافة" هي التي أعادت للثقافة مكانتها بعد ان كانت شبه مفقودة في تلفزتنا الوطنية. وردا على هذه الحملة الممنهجة قال الدكتور عبد الحليم المسعودي ل"الصباح نيوز" انه في الزمن الذي طغت فيه الرداءة و ثقافة الاستهلاك على المشهد السمعي البصري , يحاول برنامج " جمهورية الثقافة " الذي تبثه القناة الوطنية الأولى أن يكون بديلا ثقافيا و فكريا يتناول القضايا الفكرية و الثقافية و الاجتماعية لمناقشتها مع النخب التونسية في كل المجالات سواء كانوا كتابا أو إعلاميين أو جامعيين أو ناشطين في المجتمع المدني . و لقد نجح هذا البرنامج في موسمه الأول – و هو يواصل موسمه الثاني – في تقديم مادة ثقافية عالية المستوى من خلال طرافة الطرح و نوعية الضيوف نساء و رجالا على حد تعبيره. و وأوضح المسعودي ان فلسفة البرنامج كما هو معلوم و انطلاقا من عنوانه تسعى إلى جعل القضايا الثقافية و الفكرية في قلب هموم الفضاء العمومي التونسي من خلال بلورة مفهوم جديد للثقافة يلتصق التصاقا عضويا بالمفهوم الواسع للثقافي المرتبط بدوره بالسياسي خاصة في هذه المرحلة الإنتقالية التي تمر بها تونس بعد الثورة . متابعا ان " البرنامج ثقافي و فكري جدالي يتجاوز الإحتفال التقليدية بالأحداث الثقافية العرضية , لأنه يسعى إلى تأصيل الحوار الفكري الجاد في المشهد السمعي البصري و خاصة في القطاع العمومي مع احترام ذكاء التونسي". وشدد المسعودي على ان برنامج " جمهورية الثقافة " لا يتكلم باسم فئة أو حزب أو اتجاه فكري و سياسي , بل هو مفتوح لكل النخب التونسية القادرة على انتاج خطاب فكري مسؤول خارج المضاربات الأيديولوجية و السياسوية , و لأنه كذلك فقد أصبح منبرا استثنائيا لهذه النخب المثقفة التي لا يسمح لها بالظهور و الحديث و الاقتراح في بقية البلاتوهات التلفزيونية التونسية التي احتكرها السياسيون و الخبراء و أشباه المثقفين و الفنانين الاستهلاكيين وفق قوله. مستطردا قائلا "و لأن " جمهورية الثقافة " برنامج فكري يقوم على النقد و يتجه في تناول القضايا المتعلقة بالفضاء العمومي التونسي , فإن من أهم رهاناته التعويل على إنشاء سردية تنويرية و تحريرية و عقلانية في ظل هذا الحضيض الثقافوي و السياسوي الذي يطغى على حياتنا الرمزية. " وكشف معد ومقدم "جمهورية الثقافة" أن أطرافا " خفية " يزعجها هذا البرنامج , و قد عبرت مؤخرا على مدى انزعاجها منه من خلال عريضة نشرتها في إحدى الجرائد الإلكترونية مطالبة الإدارة العامة " لإيقاف" هذا البرنامج , معتبرة إياه " عودة للدكتاتورية من النافذة الإعلامية و استلاء على وسائل الإعلام العام باسم الطليعة الثقافية و الفكرية و العلمية و احتكار للشرعية و نوع من إعلام الحزب الثقافي الواحد. وتابع المسعودي قائلا "كما ورد في العريضة غاية في الركاكة و البلادة الذهنية و التهافت الفكري الضحل ما يلي: " أن المشاهد للقناة الوطنية الأولى و هو من دافعي الضريبة التلفزية يجد نفسه مستهلكا اضطراريا لرؤية ثقافة واحدة و لرأي سياسي واحد طوال الأسبوع و في ساعات الذروة . و ليس برنامج جمهورية الثقافة إلا مثال على ذلك . ذلك البرنامج الممتد الهويات ( لم أفهم شخصيا هذه العبارة : الممتد الهويات ) المسوق للمثقف العام المعادي للإختصاص , المحدود الضيوف , فاقع اللون الأيديولوجي , الذي يحتكر شرعية الرأي المخالف. في صورة مهينة لأبسط قواعد العمل الصحفي و إدارة الحوار , و في اعتداء مضحك تراجيكوميدي و يومي على شروط التوازن و التمثيلية الثقافية الدنيا . و غياب ملكة الضجر لدى فريق ( لم أفهم ما المقصود بملكة الضجر ) البرنامج تدعونا للتذكير بأن الخط التحريري ليس توسيعا لمجال الصنصرة بل هو خط واصح داخل شروط النقل المتوازن للخبر و التوزيع الوفي المتوازن للرأي . إننا كمواطنين مؤدين لواجب الضريبة التلفزية نطالب قسم البرمجة رأسا و من ورائه إدارة الإنتاج التلفزيوني و وحدة الإنتاج الثقافي و الإدارة العامة للتلفزة الوطنية بصفتها المسؤول المباشر على كل المادة الإعلامية المقدمة بالكف عن استعمال القطاع العمومي كمنبر دعاية ايديولوجية و حتى انتخابية. " واعتبر محدثنا انه جليّ انطلاقا من هذا الكلام أو الخطاب الوارد في العريضة طبيعة الخلفية الفكرية و السياسية التي تحرك من كتبها و من أمضى عليها. و هو ذات الخطاب الذي أراد الإستلاء على التلفزة الوطنية و جيش من أجل ذلك رهطا من الثورجيين و الظلاميين الذين نصبوا الخيام أمام مقر التلفزة بتعلة نفس الأسباب و الشعارات التي رفعوها. متابعا "والجلي في كل ذلك أيضا أن برنامج " جمهورية الثقافة " برنامج يقض مضاجهم و يهدد ما رسموه للبلاد من تمكين . و لا يستقر لهم أمر إلا إذا عادوا الثقافة و الأنوار و العقلانية و النخب , و لا يرتاح لهم بال إلا حين يسود الظلام و التجهيل و التطرف و التكفير ... برنامج " جمهورية الثقافة " سيظل بفضل هذه النخب ذاتها سراجا ينير هذا الظلام و إن هم أرادوا إطفاء هذا النور الفكري و العقلاني فإني أقول لهم ما قاله الله عز و جل في تنزيله المحكم " يُريدُون أن يُطفئُوا نور الله بأفواههم و يأبى اللهُ إلا أن يُتِمّ نُورَهُ و لو كَرِه الكافرُون" .