قال رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي إن إمضاء رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي على قانون المصالحة الإدارية هو عنوان نهاية دولة القانون وان هذه آخر ضربة للقضاء على حلم بناء دولة القانون والمؤسسات، معبرا عن تخوفه وقلقه على مستقبل تونس ومسارها الديمقراطي. الرئيس السابق تحدث في حوار أجراه مع الصباح عن علاقته بالإعلام والإعلاميين مستبعدا وجود أي إشكال مع هذا القطاع باستثناء البعض الذين اعتبرهم أداة سياسية. كما دعا إلى أن تكف بعض الألسن عن اتهامه بمقاطعة الإعلام التونسي في إشارة إلى منعه الأحد الفارط من دخول مقر إذاعة الرباط أف أم بمدينة المنستير لإجراء حوار صحفي. واستنكر الرئيس السابق عملية منعه واصفا اياها بردة الفعل الصبيانية لكنها خطيرة في نفس الوقت. لننطلق من المستجدات الأخيرة، ما هو موقفك من منعك من دخول مقر إذاعة الرباط أف أم لإجراء حوار صحفي مبرمج مسبقا، وحسب رأيك لماذا هذا التصرف؟ -أرجو من هنا فصاعدا أن تكف بعض الألسن عن اتهامي بمقاطعة الإعلام التونسي. نجاح اللقاء الشعبي في بوحجر من ولاية المنستير أيضا حجر في البركة الآسنة لمن يلعبون ورقة الجهوية الرخيصة، والمنع كان ردة فعل صبيانية لكن خطيرة على انعقاد الاجتماع والتفاف المواطنين وأريد أن أذكر هنا بمنع الأستاذ اللوز من النشاط في سليانة. إذا كان هناك أناس متخلفون لم يفهموا وحدة التراب الوطني وأنه ليس كانتونات، فمن واجب الدولة أن تكون بالغة الصرامة مع كل قطاع الطريق فهم الذين يحملون البذرة الكريهة لنزاعات المستقبل. إني أنتظر من الحكومة أشدّ الإجراءات في حق من منعوني من حق لم أمنعه عن أحد وأنا رئيس، وفي حق مواطن تونسي بالكلام في سليانة وإلا فإن هذه الحكومة ستكون أخلّت بأهم واجباتها وهي حفظ وتطبيق القانون على الجميع في كامل تراب الوطن. وبالمناسبة شكرا جزيلا لكل الأحزاب والشخصيات والمواطنين الذين عبروا عن تضامنهم، فهم ضمان تواصل وحدتنا الوطنية وديمقراطيتنا المهددة. لماذا هذا الشرخ المتواصل في علاقتك بالإعلام الوطني؟ -بالممارسة لم اضطهد أي صحافي إبان رئاستي وكل تصرفاتي تشهد بأنني دافعت عن حرية الرأي والتعبير وسأبقى على هذا النهج وهذا ناتج عن ثقافتي كحقوقي. لكن جزء من الإعلام وُظّف من قبل خصوم سياسيين استهدفني طيلة ثلاث سنوات الرئاسة وقبلها طيلة سنوات المعارضة عبر نشر الأكاذيب والإشاعات. هذا الجزء هو ضمن منظومة الفساد التي حاربتها ولا زلت أحاربها ومن الطبيعي أن تحاربني هي بوسائلها المفضوحة. هل لديك مشكل مع الاعلام التونسي؟ -رددت ألف مرة أنني ليس لي مشكل مع الإعلام بل مع الإعلام الفاسد، أنا مشكلتي ليست مع الإعلام كقطاع بل مع بعض الإعلاميين بصفته إعلاما للتضليل والذين استهدفوني عبر نشر الأكاذيب والإشاعات. اطلب فقط من كل الإعلاميين القيام بدورهم في تبليغ الرأي والرأي المخالف وأن لا يتصرف بعضهم كأداة في تصفية حسابات وخصومات سياسية. لماذا تتجنب التعامل مع الإعلام المحلي؟ كلما امنح الكلمة في الإذاعات أو التلفزات التونسية لا ارفض ذلك، وها أنت اليوم في مكتبي لإجراء حوار صحفي. ما هو تعليقك على إمضاء رئيس الجمهورية على قانون المصالحة الإدارية؟ -إمضاء رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي على قانون المصالحة الإدارية هو آخر ضربة لمشروع بناء دولة القانون والمؤسسات التي نحلم بها ونناضل من أجلها منذ ثلاثين سنة. في قضية الحال رئيس الجمهورية هو الخصم والحكم، كأننا في وضع سارق حكم على نفسه بالبراءة من جريمة سرقة. نذكر بان الباجي قائد السبسي هو خصم في هذه القضية إذ تقدم إلى البرلمان بمشروع قانون رُفض لعدة أسباب من جزء كبير من الرأي العام والبرلمان والقضاة ولكن رغم ذلك امضي القانون مغتنما فرصة شلل المنظومة المكلفة بحماية الدستور وكان من المفروض على رئيس الجمهورية أن يعيد القانون إلى البرلمان لكن هو اغتنم الفرصة وأمضى. بإمضاء هذا القانون انتهى الفرق بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، أضف إلى ذلك مساعي إعاقة إحداث المحكمة الدستورية لخوفهم منها يتبين حجم المخاطر على ديمقراطيتنا الناشئة. لماذا هذا التخوف حسب رأيك؟ -رئيس الجمهورية لا يريد الهيئات الدستورية العزري إلي أقوى من سيدو ، وهذا دليل على رفضه لمفهوم استقلالية القضاء والمؤسسات الدستورية، إنها عقلية الاستبداد والخمسينيات وصدق من قال من شبّ على شيء شاب عليه ومن شاب على شيء مات عليه. ماذا تقصد باغتنام الفرصة؟ الباجي قائد السبسي بصفته رئيسا للجمهورية يجب أن يكون حاميا للدستور لكنه لم يفهم دوره بعد وسيتواصل ذلك الى حين أن يذهب في حال سبيله في 2019، ونأمل ان يكون الخراب ليس كبيرا لنستطيع إعادة بناء هذه الدولة من جديد على الأسس والعقلية الجديدة التي جاء بها الدستور الذي يصرّ على التشكيك فيه وتهديده. ماذا تقصد بأن يذهب رئيس الجمهورية في حال سبيله؟ - طبعا سيذهب في حال سبيله كما ذهبت أنا، فالتداول على السلطة اليوم هو القاعدة، انتهى عهد الحكم مدى الحياة والتوريث وإذا كان هذا الرجل الذي يبلغ من العمر 92 سنة يريد الترشح من جديد على ضوء هذه النتائج العظيمة التي نشهدها من حولنا فعلى الدنيا السلام. ما الذي يمنعه من ذلك؟ اين هي الانجازات والوعود التي قطعها الرجل للشعب التونسي بدءا بحكومات الكفاءات التي ستبني البلاد والقادرة على تسيير أربع دول. رحيله في 2019 مسألة واجب نظرا لعمره وإخفاقه وحتى لا أقول مسألة حياء. كيف تقيّم المشهد السياسي الحالي في تونس؟ -موضوعي هو هل أننا سنصل إلى سنة 2019 بسلام في ظل ما نعيشه من تسارع الأزمات الثلاث، الاقتصادية والسياسية والمعنوية. في حال تواصل الوضع على ما هو عليه ستتعمق الأزمة الاقتصادية لأنه لا توجد حلول في إطار الخيارات الحالية كما ستتعمق حالة الإحباط التي ألمّت بالشباب. أذكّر بأن رئيس الجمهورية وعد أن 2017 ستكون سنة الإقلاع، لم يبق على نهايتها إلا شهران ولم نر إلا إقلاع الأسعار وانهيار الدينار، وبالنسبة لسنة 2018 ستكون أصعب فماذا سيخترع من شعار كاذب؟ ما هو تقييمك للمناخ الديمقراطي في ظل منظومة الحكم الحالية؟ -نحن دخلنا الى الديمقراطية من أفسد الأبواب أي المال الفاسد والشركات السياسية وإعلام نخره الفساد في جزء منه، وزاد الطين بلّة إمضاء قانون المصالحة الإدارية الذي شرّع للفساد، أضف لهذا التهديد لاستقلالية المؤسسات الدستورية الموجودة، أضف إلى ذلك تعطيل المحكمة الدستورية، والتشكيك في الدستور، ويكادوا يتهمونه بانه دستور انفصال بما أنهم انتبهوا اليوم أن فيه بندا للحكم المحلي، زد على هذا تعليق الانتخابات البلدية إلى أجل غير مسمى. وقريبا سيكون السؤال في تونس عن أي ديمقراطية تتحدثون ؟ بماذا تفسر الإيقافات الأمنية في إطار الحرب على الفساد؟ -عمليات الإيقافات الأخيرة بدعوى مكافحة الفساد هي تمثيلية على الشعب بينما هي معارك كما يعرف الجميع تصفيات بين اللوبيات. كيف تريدين أن نحمل على محمل الجدية قصة كهذه وهم بيد يقبضون على بعض الفاسدين وباليد الأخرى يخلون سراح المئات من أي متابعة. أذكّر بأنه في عهد الترويكا مئات القضايا على الفاسدين أحيلت على القضاء ووضعت كل الآليات الكبرى لمحاربة الفساد ولم نقم بعملية استعراض عبر القيام بإيقافات بل وضعنا قوانين وآليات كبرى مكنت من استرجاع أموال هامة إلى خزينة الدولة. بما ذا تفسر تأخير الانتخابات البلدية؟ -متخوفون منها، الخوف الأول من ردة فعل الشعب التونسي بالعزوف عن الإقبال، والثاني من المفاجأة غير السارة بالنسبة إليهم. تقصد النهضة والنداء؟ -النهضة والنداء شركاء يتحملون مسؤولية الوضع السياسي الحالي. لماذا تتهم حركة النهضة بخيانتك؟ -لم أستعمل أبدا هذه اللفظة ولست منخرطا في اتهامات، من حقي أن أختلف سياسيا عن أي حزب وأن أدافع عن خياراتي لا عن خياراته. ثمة اليوم خلاف جوهري بين الحراك والنهضة، هي ترى أن مصلحة البلاد تقتضي التصالح مع المنظومة القديمة. لا من باب الثورجية أو التطرف أو قلة الخبرة السياسية، أقول أن الموقف خاطئ، فالنظام القديم متمثلا اليوم في النداء كالطفل غير الشرعي للتجمع هو نظام قاد تونس للفقر والثورة ويجب القطع معه إذ يستحيل في هذا القرن التعايش مع منظومة كرسّها بورقيبة وبن علي في الستينات والسبعينات والتسعينيات وهي منظومة الدولة المركزية الاستبدادية الفاسدة، تونس لن تنقذ بمن أوصلوها وما زالوا لحافة الهاوية. بماذا تفسر التنازلات التي تقدمها اليوم النهضة لشريكها في الحكم نداء تونس؟ -للنهضة حساباتها السياسية وهي حرة في ذلك. لماذا تفصل دائما بين النهضة القيادة والنهضة القواعد؟ -النهضة ككل حزب لديه مناضلون تتحكم فيهم الحركة، لكن من انتخبوا الحركة ليسوا ملكا لها أو لأي حزب، هم مواطنون فيهم الكثير ممن ناصروني ومن حقي التوجه لهم ولكل أفراد الشعب التونسي حتى للذين صوّتوا للنداء بناء على أكاذيب اتضح اليوم حجمها. تواجه تقريبا الأحزاب التي تتحالف مع النهضة نفس المصير بماذا تفسر الانشقاقات والاستقالات داخل النداء؟ -نحن الآن في مرحلة مخاض عسير والانشقاقات الحاصلة في عديد الأحزاب تعتبر لحظات طبيعية للبحث عن توازنات والوصول إلى حالة أكثر استقرارا. في تقديرك، ما هي الأحزاب التي ستصمد في المشهد السياسي في السنوات القادمة؟ -في السنوات المقبلة لن يبقى من المائتين حزب الذين ظهروا بعد الثورة إلا ثلاثة أو أربعة أحزاب كبرى، سيكون حراك تونس الإرادة أو الحراك كما أصبح معروفا ضمنها، وهي التي ستحكم البلاد مستقبلا لذلك لا يجب أن يشتم المستقبل كما يقول الفرنسيون لأن تونس لن تحكم من طرف شخص أو حزب واحد حسب النموذج القديم. على القوى الديمقراطية إذن أن ترمي الجسور بينها لأن ساعة التداول ليست بعيدة ويجب أن نكون جاهزين لإخراج تونس من وضعها المأساوي الحالي. لكنني متخوف من كره الناس المتصاعد للطبقة السياسية بعد إعطائها هذه الصورة السيئة عن الديمقراطية، قد يؤدي الأمر الى عودة حركية استبدادية وحنين إليها وهذه ستكون طامة جديدة. كيف تقيم برنامج الحكومة الحالية؟ -عن أي برنامج تتحدثين، لا أرى إلا تخبطا فظيعا وأذكر بأن هذه ثالث حكومة في ثلاث سنوات، والحال أن رئيس الدولة يتوفر على أغلبية مطلقة داخل المجلس مع حلفائه وأنه كان بوسعه أن يعطينا حكومة مستقرة وهذا شرط ضروري لبرنامج ينقذ تونس، لكن يبدو أن كفاءاته لإدارة أربع دولة لم تكن إلا واحدة من بين كل أكاذيبه. هل ستترشح الى الانتخابات الرئاسية القادمة؟ -لكل حدث حديث. من هي الأحزاب التي يفكر الحراك في التحالف معها؟ -لم نتوقف يوما عن المشاورات والتفاوض في إطار البحث عن توافقات سياسية مع عديد الأحزاب القريبة من الحراك. جلسنا مع التيار الديمقراطي وحركة وفاء والتكتل والبناء. هل هناك إمكانية للتحالف مع المؤتمر من أجل الجمهورية؟ -المؤتمر من اجل الجمهورية انتهى فعليا وقانونيا وانا مؤسسه وأؤكد ذلك. وجهت إليك اتهامات من بعض السياسيين عن سعيك لإثارة النعرات الجهوية، لماذا؟ -أرفض الرد على هذا السؤال تماما لان في الرد عليه تطييح قدر وإعطائه قيمة وهو ليس له أي قيمة. ماذا تقصد بإفساد التمويل الاجنبي للحياة السياسية في تونس؟ -في الحملة السياسية الاخيرة دخلت عديد الاموال الاجنبية الى تونس والكل يعرف هذا، وثمة اليوم أمام القضاء قضية رئيس حزب نطالب منذ مدة بالتثبت في مصدر أمواله، ثمة قضية رئيس حزب لا يخفي أنه يملك مصنعا في إيطاليا وننتظر معرفة مصدر أمواله وكيف يستثمر في بلد خارج وطنه. الحراك مستعد للتصريح بكل موارده المالية ومصادرها. قضية تسليم البغدادي وقضية السفارة الامريكية هي قضايا مفتوحة لكن حقائقها لازالت مخفية، لماذا هذا الغموض الذي يحيط بالملفين؟ -لا غموض ولا هم يحزنون، بالنسبة لتسليم البغدادي المحمودي هناك وثيقة رسمية نشرتها وفيها رفض تسليم الرجل. التسليم تمّ رغما عني وحمّلت المسؤولية في ذلك لرئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي وحكمت في لا شرعيته المحكمة الإدارية التي رفعت إليها القضية. وفي قضية السفارة الامريكية القضية واضحة وضوح الشمس فقد ارتكبت أخطاء في تأمين السفارة كادت تؤدي لكارثة ولتفادي تبعاتها الخطيرة على البلاد أعطيت الأمر للأمن الرئاسي لحماية السفارة وتفادي أزمة كبرى وهذا ما تمّ وإن كانت لأي طرف سردية مغايرة فليتفضّل نحن لا نخشى المناظرة. هل من الممكن التحالف مع النهضة من جديد؟ -من يتقاطع معنا في نفس الخيارات النهضة او غيرها باب التحالف معه مفتوح. هذه الخيارات هي مواصلة أهداف الثورة وقبلها أهداف كل الحركة الديمقراطية أي قطع مؤسساتي جذري مع المنظومة القديمة، بإرساء الديمقراطية الاجتماعية ومركز همها الطبقة الوسطى والفقيرة، إعطاء أكبر قدر من السلطات للبلديات، إرساء الحكم المحلي الذي لا علاقة له بتقسيم البلاد كما يشيع الخبثاء، فرض السيادة الوطنية على الثروات الطبيعية كما هو مضمن في الدستور، دفع عجلة الاقتصاد الحرّ المحرّر من الفساد بجانب الاقتصاد التضامني وعودة دور الدولة في التمييز الايجابي لتنمية المناطق المحرومة. لن ننخرط في أي عملية تحالف خارجة عن سياقات هذا المشروع والمبادئ التي تسنده. أجرت الحوار: جهاد الكلبوسي الصباح بتاريخ 1 نوفمبر 2017