- التعلّل بالأمن القومي لا يجب أن يكون «حجّة دائمة» لوزارتي الدفاع والداخلية - الهيئات المستقلّة ليست مفردة بباب خاص في قانون الميزانية مثّل إحداث هيئة النفاذ إلى المعلومة خطوة هامّة للقطع مع سياسة التعتيم وموروث حجب المعلومات، ورغم أنها تعدّ من الهيئات المستقلّة الفتية، حيث لم يمض على إحداثها إلا بضعة أشهر إلا أنه يعوّل على هذه الهيئة كثيرا خاصّة في علاقة بمكافحة الفساد وفي إلزامية النشر التلقائي للمعلومات من طرف الهياكل والمصالح العمومية . في هذا الحوار المطوّل والأوّل الذي أدلى به رئيس الهيئة عماد الحزقي ل«الصباح» أكّد أن الهيئة في المراحل الأخيرة من الإعداد اللوجستي للبدء في عملها وفي تقبّل الطعون، وهذا يعدّ من أبرز المهام الموكولة للهيئة والتي تنتظر في وجاهة الطعون كما يمكنها إصدار أحكام ملزمة للهياكل العمومية ولا يمكن الطعن فيها إلا بالاستئناف أمام المحكمة الإدارية، كما أن الهيئة تقوم بإصدار تقارير سنوية بخصوص مراقبتها لمدى التزام الهياكل العمومية بالنشر التلقائي للمعلومة أمام مجلس نواب الشعب، وتنسحب مراقبة الهيئة على كل الهياكل التي تتلقّى تمويلا عموميا بما في ذلك الجمعيات ومشغّلي الهواتف المحمولة. وفي ما يلي تفاصيل الحوار.. *بعد أشهر من صدور القانون المحدث لهيئة النفاذ الى المعلومة، هل انطلقت الهيئة في أعمالها بصفة فعلية؟ المرحلة التأسيسية لأي هيئة تستغرق بالضرورة وقتا، لا يكفي أن تصدر النصوص ويتعيّن الأعضاء لتنطلق في العمل.. فهذه الهيئة تم إحداثها لأوّل مرّة، وبالتالي لم يكن هناك مقرّ سابق أو تجهيزات سابقة، إذن ما سيحصل أننا سنخلق كل ذلك، وبعد استكمال مرحلة انتخاب الأعضاء صدر أمر التسميات ثم بعد ذلك أدينا كأعضاء اليمين في 21 سبتمبر الماضي التاريخ الفعلي لاستكمال الإجراءات، ومنذ ذلك التاريخ كان هناك عمل جبّار يتمثّل أساسا في تحضير مشروع الميزانية التقديرية، وإيجاد مقرّ للهيئة . واليوم حصلنا بعد الموافقة على «التسبقة المالية» اللازمة للانطلاق فعليا في النشاط . *الحكومة هي من منحكم هذه التسبقة؟ بطبيعة الحال.. ونظرا لأن مرحلة تأسيس الهيئة أتت في مرحلة متأخّرة من السنة لم يتسنّ لأفراد الهيئة باعتمادات أو ميزانية خاصّة في مشروع قانون المالية بعنوان 2018، اذن وقع الاتفاق على اسنادنا ل «تسبقة» كل مرّة تخوّل لنا العمل إلى حين إفرادنا بميزانية في مشروع الميزانية القادم . *أليس من الغريب ان تحمل الهيئات صفة «مستقلة» وهي ملحقة بميزانية رئاسة الحكومة؟ هناك مسألة قانونية أعمق ففي القانون الأساسي للميزانية ليس هناك باب مفرد للهيئات المستقلة، وفي وزارة المالية هناك وعي بهذا الاشكال وهما الآن منكبون على تحضير قانون أساسي للميزانية في 2018 سيتضمن ركنا بعنوان «الهيئات المستقلة» وبالتالي هذه الوضعية لا تخصّ بالضرورة هيئة النفاذ للمعلومة بل الأمر ينسحب تقريبا على جميع الهيئات. * كرئيس هيئة ورجل قانون واعتبارا من كون هذه الهيئات تعتبر عمادا وضمانة للديمقراطية هل ترى أنه من الوجاهة أن تكون ميزانيات جلّ هذه الهيئات ملحقة بميزانية رئاسة الحكومة بما قد يخلق نوعا من التبعية أو التوظيف؟ -أوّلا لا بدّ من الإشارة إلى أن ميزانية هيئة النفاذ ألحقت بميزانية الحكومة للأسباب التي ذكرتها . *ولكن أنتم في الأصل وحسب القانون الأساسي للهيئة لستم مستقلون ماليا ؟ -ربما ذلك بسب السهو أمّا الهيئة فقد وقع التنصيص صلب قانونها الأساسي كونها تتمتّع بالشخصية المعنوية. *إجابة ديبلوماسية لا تحجب كونه في القانون الأساسي المنظّم للهيئة ليست هنالك استقلالية مالية.. أنت قلت أن هذا كان من باب السهوا فكيف سيتم إصلاح هذا السهو؟ -لقد تم إصلاحه.. وقلت لك إننا تلقينا تسبقة مالية لتفعيل نشاطنا والقيام بالمهام الموكولة للهيئة، وبالتالي نحن لدينا تسبقة على الميزانية نتصرّف فيها. *لكنكم مقيدون في المعاملات المالية بمراقب المصاريف العمومية؟ لا هذا أمر أخر فنحن كما تعلمين نخضع لمجلّة المحاسبة العمومية وذلك خلافا لبقية الهيئات الأخرى وهذا طبعا يقيّد الهيئة من حيث التصرّف في الموارد المالية ولكن من ناحية أخرى يعتبر ذلك ضمانة وحماية للهيئة باعتبار أننا نخضع في معاملاتنا المالية إلى مراقب المصاريف العمومية ورغم أني كنت أفضّل ربما لو كانت الهيئة مثل بقية الهيئات الأخرى خاضعة للمجلّة المحاسبة التجارية ولكن من ناحية أخرى اذا كانت الهيئة تشتغل في كنف الشفافية فلا ضير في إخضاعها لمراقب الحسابات العمومية. *الميزانية التقديرية التي أعدّتها الهيئة في حدود كم؟ -نحن اعددنا ميزانية تقديرية لأنه انطلقنا في الأشهر الأخيرة من 2017 وهناك تجهيزات ضرورية للانطلاق الفعلي للهيئة وقد قدّرنا ذلك في حدود 700 ألف دينار، طبعا نحن لم نحصل على كل المبلغ ولكن ما تحصّلنا عليه قد يكون كافيا للانطلاق الفعلي لعمل الهيئة . *كهيئة ما هي المعلومات غير المتاح الحصول عليها ؟ -الحق في النفاذ للمعلومة هو حق مبدئي ولكن له بعض الاستثناءات، وهذه الاستثناءات موجودة في كل تشاريع العالم وهي تتعلّق بكل المعلومات التي من شانها أن تلحق ضررا بالأمن العام أو بالدفاع الوطني أو بالعلاقات الخارجية أو ما يتعلّق بحماية المعطيات الشخصية للأفراد وحماية الحقوق الملكية والفكرية وحتى هذه الاستثناءات هي استثناءات مقلقة بالنسبة لنا اذا كانت ستغطّي على انتهاك لحقوق الانسان أو تغطي على جرائم حرب أو اخلالات فادحة في الصحة العمومية ويمكن ابطالها . *هل آراء الهيئة استشارية ؟ -لا هي تصدر قرارات بمثابة الأحكام القضائية الملزمة للهياكل العمومية وقابلة للاستئناف أمام المحكمة الادارية وبالتالي هي لديها صبغة الأحكام . *هيئة بهذه القيمة في وقت تعلن تونس الحرب على الفساد وعلى الارهاب والمعلومات تُحجب شئنا أم أبينا.. هل تشعر أن هناك تخوّفا من هذه الهيئة من طرف أجهزة الدولة الرسمية؟ -سؤال مهم ولكن دور الهيئة ليس تخويف الهياكل العمومية ولكن حتى ولو كانت غير معلنة هناك مخاوف دون شكّ لأننا كمجتمع لسنا متعودين على ثقافة الشفافية بل بالعكس نحن متعوّدون على ثقافة حجب المعلومة، اذن هناك موروث ثقافي وسياسي قائم على حجب المعلومة ويجب أن نقطع معه لنتقدّم وكما أسلفت القول دور الهيئة ليس التخويف بل العمل على ترسيخ ثقافة الشفافية . *كيف تتوقّع أن تكون العلاقة بين هيئة مكافحة الفساد من جهة وهيئة حماية المعطيات الشخصية من جهة أخرى؟ -بالنسبة لهيئة مكافحة الفساد فان دور هيئة النفاذ للمعلومة سيدعم دور هذه الهيئة في مكافحة الفساد والتصدّي له، لأنه بقدر نشر ثقافة الشفافية وبقدر تكريس انفتاح الهياكل العمومية على المواطنين ودعم الثقة بينهما بقدر تعزيز آليات التصدّي للفساد . بالنسبة لهيئة حماية المعطيات الشخصية ، فان حماية المعطيات الشخصية هي استثناء في حق النفاذ للمعلومة وهنا طبعا الهيئة سيكون لها دور تنسيقي مع هذه الهيئة عند الطعن في مطالب النفاذ ،وقتها يمكن للهيئة أن تستأنس برأي هيئة حماية المعطيات الشخصية ،للتثّبت في مدى وجاهة الرفض بتعلّة حماية المعطيات الشخصية. *وزارتا الداخلية والدفاع طالما تعللتا بحماية الأمن القومي عند حجب المعلومة، فكيف ستتعاملون مع ذلك؟ - ربما خصوصية العمل الأمني والعسكري تستوجب وجود معلومات لا يمكن الكشف عنها لأنها من شأنها عند كشفها أن تهدّد الأمن القومي ،والنظام العام ولكن لا يجب استعمال هذا المبرّر بطريقة مبالغ فيها ،بمعنى أن كل حجب يتم التعلّل فيه بالأمن العام وكذلك لا يجب أن ننسى أن هذين المرفقين هما من المرافق العمومية التي لديها جوانب مالية وادارية يجب أن يكون المواطن من حقّه معرفة كيفية التصرّف المالي والإداري في هذه المرافق. * موقفكم من قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين ؟ -نحن نرفض المشروع في صيغته الحالية فالفصول 4 و5 و6 منه فيه مخالفة للفصل 32 من الدستور الذي يقول أن الدولة تضمن حق النفاذ للمعلومة، فيه أيضا مخالفة للفصل 15 من الدستور الذي يتحدّث عن الشفافية، خاصّة وأنه يستثني القوات الحاملة للسلاح من حق النفاذ للمعلومة لأنه يعتبر كل الأسرار والمعلومات المتعلّقة بسير هذه المرافق أسرار عسكرية وأمنية ويسلّط عقوبات زجرية وخطايا . * ماهي القوانين أو مشاريع القوانين التي تتناقض في تقديركم مع حق النفاذ؟ -قانون الوظيفة العمومية الذي يورد «واجب التحفّظ» مثلا ويجب حقيقة توضيح هذا «الواجب»... والقانون يسمح لنا بالتقدّم بمقترحات لمراجعة بعض الفصول في القوانين والتي لا تتماشى مع حق النفاذ للمعلومة، وهناك نصوص أخرى تتعلّق بالأرشيف فالوثيقة التي يمكن النفاذ إليها لدى الهيكل العمومي يتواصل حق النفاذ إليها حتى بعد إحالتها للأرشيف .. *فعليا متى تنطلق الهيئة في عملها وفي تقبّل الطعون؟ -نحن بصدد وضع اللمسات اللوجستية الأخيرة في عمل الهيئة وأتوقّع أن يكون ذلك مع بداية السنة القادمة. *ما هي الصعوبات التي تتوقعون مواجهتها؟ -الصعوبات هي أساسا الموروث السياسي والثقافي القائم على التعتيم وحجب المعلومة صلب الإدارة نفسها، والنشر التلقائي للمعلومة الذي يستوجب كذلك وجود هيكلة وتنظيم متطوّر للإدارة على مستوى الأرشيف وتصنيف الوثائق . منية العرفاوي