لم يكن الدستوريون أكثر تشتتا طوال تاريخهم مثلما حصل بعد ثورة 14 جانفي، حيث لم تزد هم هذه اللحظة التاريخية الفارقة الا فرقة وتشتتا، وخاصة بعد حل الحزب الحاكم السابق التجمع الدستوري الديمقراطي. حاول بعض السابقين من اللاحقين على ما بعد سقوط التجمع، أن ينهلوا من تاريخ هؤلاء، البعض منهم ذهب رأسا إلى مؤسس الحزب الحر الدستوري الجديد والرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة ليكون مرجعيته وأولهم الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي، البعض الآخر ركز على كامل فترة سيطرة الدستوريين والتجمع على دواليب الدولة ليكون تواصلا لحزبه الجديد ما بعد الثورة ومنهم الحزب الحر الدستوري ورئيسته عبير موسي، وكذلك حزب وزير الخارجية والدفاع الأسبق كمال مرجان حزب المبادرة، أما البعض الآخر فتحول في تموقعه إلى طريق آخر وحط قريبا من الإسلاميين، وأبرزهم الأمين العام السابق للتجمع محمد الغرياني الذي بات قريبا من رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، بعد أن كان مستشارا لقايد السبسي في حزب نداء تونس. ويبدو أن الدستوريين "في حرب" تموقعهم "من المستحيل أن يتوحدوا من جديد"، هكذا رأى رئيس حزب المستقبل الطاهر بن حسين الذي كان في وقت ليس ببعيد عضوا في حزب بناه مؤسسوه على مرجعية "بورقيبة دستورية"، قبل أن يستقيل ويؤسس حزبا جديدا. بن حسين الذي تحدث ل"الصباح نيوز" يؤكد أن "الراكب في السيارة لا يمكن أن ينظر في مرأة العاكسة لما وراء السيارة لقيادتها إلى الأمام"، مشيرا إلى أن كل سياسي من الدستوريين السابقين أصبح يمثل نزعة سياسية بمفرده، وأن كل منهم أضحى ينظر إلى الساحة السياسية حسب قناعاته لا حسب ماضيه. ماض يبدو أن الكثير من الدستوريين باتوا ينظرون إليه كحجة جديدة ومتجددة لاضفاء "شرعية تاريخية" في ممارسته للسياسة، حتى بات البعض ممن لم ينتم إلى هذه العائلة السياسية ينهل منها، فبعض الإسلاميين أكدوا أنهم امتداد لهذه العائلة انطلاقا من مؤسس الحزب الحر الدستوري القديم عبد العزيز الثعالبي، بل واستعمل الثعالبي كشعار في فترة معينة ل"شرعنة" التقارب بين حزبي نداء تونس والنهضة الحاكمين. ولعل هذا "التهافت" على تاريخ الدستوريين ومن كل حدب وصوب هو الذي جعل بن حسين يتحدث على أن "الدساترة اليوم موزعون على أكثر من 40 حزب سياسي"، مثاله في ذلك كمثال أن "دماءهم تفرقت بين القبائل"، فمنهم من اختاروا اليمين ومنهم من شرق يسارا ومنهم من ارتأى البقاء مستقلا و"فوق الأحزاب" مثلما يرى الناشط السياسي الدستوري عمر صحابو. صحابو تحدث ل"الصباح نيوز" وأكد أنه ب"مثل ما يرى أن توحيد العائلة الدستورية من جديد في حزب سياسي جديد ستكون مفيدة لهم ولتونس.. بمثل ما يرى أنه غير معني بها". رد فعل صحابو تأتي بعد تجربة سياسية "سيئة" له ضمن الحزب الحاكم الحالي نداء تونس والتي أدت الى خروجه منه بالرغم من أنه انضم اليه بعد انصهار حركته "الدستوريون الأحرار" ضمنه في سنة 2014. وبالرغم من هذه النظرة المتشائمة التي يرى بها كل من بن حسين وصحابو الى مبادرة توحيد الدستوريين ضمن تنظيم سياسي موحد فإن البعض مازال يأمل في توحدهم، مثال ذلك القيادي في حزب المبادرة محمد الصافي الجلالي، الذي قال أن حزبه يدعم "كل مبادرة للم العائلة الدستورية". وأضاف الجلالي، في تصريح ل"الصباح نيوز"، أن الدستوريين خيروا منذ الثورة الابتعاد عن الساحة السياسية وعدم البروز لكي لا تتشنج الأوضاع أكثر، مشيرا إلى أنهم تعرضوا لعملية شيطنة واقصاء. وأشار الجلالي أن الدعوة للم العائلة الدستورية تأتي في اطار المساهمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأن الدعوة تأتي في إطار توحيد الطيف الدستوري حول مشروع وطني. وأردف الجلالي قائلا أن حزبه كان من أول من اشتغل على توحيد العائلة الدستورية وايلائها الأهمية اللازمة. كلام الجلالي يأتي في إطار رده على بيان أصدره ثلة من "المنتمين" إلى العائلة الدستورية والذي جاء فيه أن "مسؤولية الدستوريين في عملية الإنقاذ الوطني العاجل تاريخية في ان يكونوا قاطرة فاعلة في تجديد وتحديث العمل السياسي الديمقراطي بحكم تجربتهم الطويلة وخبرتهم المشهود لها في تسيير الشأن العام"، وأنهم يريدون المشاركة في الشأن العام تعبيرا "عن انشغالهم بالوضع المتردي الذي أصبحت تعاني منه تونس اليوم". وقد صدر البيان احياء للذكرى 66 لاندلاع الثورة التونسية المسلحة ضد المستعمر الفرنسي، واستلهاما ل"نضال كل زعماء الحركة الوطنية الدستورية" في ذلك.