المدرسة الابتدائية سيدي احمد زروق: الدور النهائي للانتاج الكتابي لسنوات الخامسة والسادسة ابتدائي.    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تعزيز جديد في صفوف الأهلي المصري خلال مواجهة الترجي    طبرقة: المؤتمر الدولي لعلوم الرياضة في دورته التاسعة    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    أقسام ومعدّات حديثة بمستشفى القصرين    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    اليوم.. انقطاع الكهرباء بمناطق في هذه الولايات    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    تخص الحديقة الأثرية بروما وقصر الجم.. إمضاء اتفاقية توأمة بين وزارتي الثقافة التونسية و الايطالية    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الفيفا يهنئ الترجي ع بمناسبة تاهله لمونديال الاندية 2025    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بن سعد (دستوري) ل«التونسية»:لا يمكن ل«الطيور المهاجرة» أن تكون دستورية
نشر في التونسية يوم 06 - 10 - 2015


أؤمن بوطن لا «يمين» فيه طاغ ولا «يسار» مهيمن
لا مجال لتبييض الإرهابيين تحت أيّة لافتة
ولاء الأحزاب الدستورية بعد الثورة للأشخاص وليس للإرث التاريخي
حوار: أسماء وهاجر
بعد الزّخم الإعلامي الذي رافق مبادرة توحيد الدساترة من قبل «حزب المبادرة الدستورية» في محاولة لبناء كيان سياسي فاعل على الساحة، فرضت أسئلة نفسها منها: هل تجسّدت هذه المبادرة فعليّا في ظلّ وجود مبادرات أخرى تحمل نفس الهدف؟ لماذا لم يؤمن الدساترة إلى اليوم بمشروع حزب «النداء» ويعتبرونه «صناعية إعلامية» رغم أنّه الحزب الأول ويتحدث بعض المحللين عن تحقيقه بعض المكاسب خاصة ما يتعلق منها بمقاومة الإرهاب رغم حساسية الفترة التي تمر بها البلاد؟ أي معنى لفكرة فتح باب التّوبة أمام الإرهابيين ومبادرة المصالحة مع رجال الأعمال؟؟؟؟ هذه بعض محاور حوار «التونسية» اليوم مع السيد محمد بن سعد - مناضل دستوري من مواليد 1951 بالقلعة الكبرى... الذي انخرط في الحزب الاشتراكي الدستوري منذ 1964... وتحمّل عدة مسؤوليات وطنية كانت أولها الكتابة العامة لمنظمة الشباب الاشتراكي الدستوري والكتابة العامة للاتحاد التونسي لمنظمات الشباب والإدارة العامة للشباب والطفولة ثم عُيّن أمينا قارّا بالتجمع الدستوري الديمقراطي مكلفا بالشباب والطلبة والإعلام والثقافة وأمينا عاما مساعدا مكلفا بالهياكل والتعبئة. كما شغل منصب وال بالقصرين ووال بصفاقس ثم رئيس مدير عام ديوان التونسيين بالخارج . يعمل منذ 1992 في القطاع الخاص ويدير مكتب دراسات وتكوين واستشارة ضيفنا أكد أنه من الحكمة اليوم اعتماد التوجه البورقيبي في التعامل مع بعض المواضيع الحساسة كموضوع المصالحة وخاصة تطبيق قاعدة الأهم قبل المهم ورغم اعتقاده بأن هذا القانون هو أخلاقيّا غير عادل فإنّه لم يتردّد في القول بأنّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي يدفعه إلى القبول به ومساندته.
أين وصل برنامج توحيد العائلة الدستورية الذي كان قد أطلقه حزب المبادرة؟
- الدستوريون عائلة سياسية كبرى منتشرة في كل ربوع البلاد اكتسبوا الانتماء الدستوري حسب الأدوار التي لعبوها بقيادة الزعيم الخالد الذكر المجاهد الاكبر الحبيب بورقيبة في خدمة الوطن... فمنهم من ناضل من أجل تحرير البلاد من ربقة الاستعمار ومنهم من ساهم في وضع اسس الدولة العصرية وبناء مؤسساتها ومنهم من انتمى الى مختلف أجيال النضال عبر منظمات الشباب وهياكل الحزب الحرّ الدستوري ثم الحزب الاشتراكي الدستوري والتجمع الدستوري الديمقراطي وتحمّل أعباء قيادة البلاد والنهوض بها وتحقيق مطامح شعبها في تعليم عمومي مجاني وشامل وسكن لائق وصحة مضمونة للجميع وبنية تحتية تفتح آفاق الاستثمار والتنمية ونشر الفكر الحداثي الوسطي المعتدل الضامن لهوية الشعب التونسي العربية الاسلامية وللنظام الجمهوري وأرجع السيادة للشعب.
وقد اتسمت الهوية الدستورية التي تجمع مكونات هذا الطيف السياسي ذي التاريخ المجيد بمقارباتها الواقعية والبراغماتية فلم يكن الحزب الدستوري حزبا ايديولوجيا بل جعل الحراك السياسي يتلاءم حسب المراحل التاريخية مع المستجدات وما يعيشه المجتمع من تطورات ومن شواغل واهتمامات ذات أولوية. وكان الفكر البورقيبي يشكل دائما الارضية التي تبنى عليها استراتيجيات العمل السياسي والاجتماعي والتنموي.
بعد 14 جانفي 2011 تم حلّ «التجمع الدستوري الديمقراطي» الذي لم تحرك قياداته آنذاك ساكنا لمواجهة الهجمات الشرسة على هذا الحزب وعلى مكاسبه التاريخية عبر شعارات عدائية مشحونة بالكراهية والحقد من نوع «سحقا سحقا للرجعية ...دساترة واخوانجية» والتي روّجها اليسار المتطرف غارسا بذلك الاحقاد عوضا عن روح التضامن والتلاحم والمحبة وضاربا بذلك مفهوم الوحدة الوطنية التي عمل الزعيم الحبيب بورقيبة على غرسها واعتمادها أرضية صلبة لبناء مسار تونس الجديدة وذلك بالرغم من ان لا صلة للدستوريين بالحركات الاخوانية التي كان الدستوريون يعتبرونها حركات معادية للنموذج المجتمعي الوسطي والحداثي الذين عملوا على تجذيره بأرض الوطن.
تشتّتت العائلة الدستورية وظهرت محاولات لتجميعها منذ البداية ... ولا فائدة في الرجوع اليوم الى تفاصيلها ومواقف بعضهم منها... ولكن محاولات الحفاظ على وحدة الطيف الدستوري جُوبهت برغبة جامحة لدى بعضهم بالبروز في الصفوف الأولى وبادر عدد منهم الى بعث احزاب تحمل كلها المرجعية الدستورية... وقد استجابت السلط العمومية آنذاك الى تلك الرغبات وأعطت التأشيرة القانونية لحوالي ثلاثين حزبا ذا مرجعية دستورية بالرغم من أنّ القانون قد يمنع ذلك... فتشتت جزء من هذا الطيف الدستوري بالولاء للأشخاص وليس بالولاء للفكر والإرث التاريخي.
وتواصلت التجربة التي شهدت انتكاسة عبر الانتخابات الاولى والثانية بالرغم من تميز حزب دستوري وحيد بالنجاح جزئيا في التموقع داخل المجلس التأسيسي ومجلس نواب الشعب .. وهو حزب «المبادرة» الذي تحوّل بعد اندماج مجموعة من الاحزاب الدستورية الأخرى معه الى «حزب المبادرة الوطنية الدستورية».
وقد أعلن هذا الحزب منذ فترة وجيزة، بعد إجراء تقييم معمق لمساراته خلال الأربع سنوات الماضية، عن برنامج لإعادة هيكلته وفتح المجال امام عدد هام من الرموز الوطنية للانضمام اليه والانطلاق مجددا برؤى دستورية تتلاءم في محتواها ومناهجها مع مقتضيات المرحلة... بدءا باقتراح رئيس الحزب السيد كمال مرجان لبرنامج وطني للإنقاذ ومرورا بإعادة هيكلة الحزب جهويا ووطنيا والتفتح عل كفاءات عالية من الجيل الجديد.
وتفيد المؤشرات الاولى لهذا العمل التوحيدي للطيف الدستوري بأنّه يسير على درب النجاح خاصة أنّ القواعد الدستورية اقتنعت في أغلبيتها الساحقة بأن هذا الحزب أضحى يشكل البديل الوحيد القادر على جمع شمل هذه العائلة وتوحيد صفوفها.
وهي مناسبة تتاح لي اليوم لأوجه الدعوة من جديد لكل رفاق دربي عبر سنين النضال الوطني من الشباب الاشتراكي الدستوري والطلبة الدستوريين من أجيال السبعينات من القرن الماضي وما تبعهم ... الى رفاق الدرب في هياكل الحزب الذين جمعتنا محبة البلاد وحرصنا على خدمتها وخدمة أبنائها بأنّ ينضموا الى رحلة النضال الجديدة وان نستعيد معا تلك القوة النضالية الفاعلة التي عشناها معا بكل نشوة واعتزاز...
وإنّي أعتبر أن الانطلاقة الجديدة لتوحيد العائلة الدستورية القائمة على اعتماد مبدإ الايمان بمجمل القيم البورقيبية الاصيلة والالتزام الوطني الراسخ ستتوفق الى تحقيق النجاح المأمول وسوف تدفع بالدستوريين الى التموقع من جديد في طليعة القوى الوطنية المناضلة من اجل إنقاذ الوطن وتعزيز مكاسبه التاريخية وفتح آفاق جديدة أمام القوى الشابة التي تتطلع الى الأفضل.
لماذا تعتبرون أن المبادرات التي ظهرت تحت راية جمعيات دستورية أو ما شابهها هي مجرّد أدوات لتنفيذ مخططات «الأذكياء» من أجل مواصلة تمزّق الدساترة؟
- نعم... اعتقد ذلك... لكن من يعتقدون انفسهم «اذكياء»... ويعملون على تحريك «الاغبياء» لصالحهم قد علموا شيئا وغابت عنهم أشياء... ان الذين يقفون وراء بعث هذه الجمعيات الهادفة هي الاخرى لتجميع العائلة الدستورية يتوهّمون مرة اخرى ان الدستوريين الذين استعملوهم سابقا كحطب انتخابي... سيصدمون بأن الناخبين من الدستوريين البورقيبيين كانوا يأملون في ان تجسم الاطراف التي حظيت بثقتهم مشروع المجتمع البورقيبي الحافظ لحقوق المرأة خاصة والضامن لقواعد حماية السيادة الوطنية من كل عمالة او تدخل أجنبي علما وأنه لا يكتسب صفة المناضل الدستوري.. إلا من كان من جيل المقاومة من أجل الاستقلال الوطني ثم جيل الوطنيين الذين ساهموا في بناء الدولة عبر النضال التطوعي صلب هياكل الحزب وتحملوا اعباء المسؤوليات القيادية والتعبوية... ثم تلك الأعداد الهامّة من الشباب والمنخرطين الذين تمرسوا بالعمل السياسي القاعدي والجهوي والوطني عبر منظمات الشباب ...وبواسطة التجربة النضالية يتدرج المناضل الى المسؤوليات القيادية... في الادارة والمؤسسات...
أما في العشريتين الاخيرتين... فقد اصبحت صفة المناضل تُكتسب عبر المرور بالمواقع الادارية التي تمكّن الشخص من تحمّل مسؤوليات سياسية... فترى من تخرج من الكلية وعيّن معتمدا مثلا يدخل الحزب بتلك الصفة الإدارية ....وغير ذلك ينطبق على عمليات اسناد الصفة النضالية لكل المتسلقين عبر الادارة والمهمات الوزارية وغيرها...ويتم اقصاء كل من له جرأة النقد وابداء الرأي المخالف للقيادات والقيادات الجهوية المؤثرة...
وبالنسبة لي... فانه ليس دستوريا إلاّ من تدرج بالمسؤولية الحزبية النضالية من مرحلة الشباب الى الهياكل القاعدية فالجهوية فالوطنية... ويظل غير هؤلاء ممن ذكرت من «الطيور المهاجرة» التي مازالت تغرّد خارج السرب...
اعتبر أحدهم أنّ الثعالبي جدّ مشترك بين «النهضة» و«الدساترة». وقد أشرت في إحدى كتاباتك الى وجود صراع بين الثعالبي والمجاهد الاكبر الحبيب بورقيبة... بين النموذج المجتمعي المحافظ... والنموذج المجتمعي الحداثي... بين «أنصار الشريعة» وأنصار المعرفة والتقدم.... رأيكم في الموضوع؟
- إلى الذين يروّجون بأنّ الشيخ عبد العزيز الثعالبي جد الدستوريين... أقول إنّه لا يمكن أبدا أن يكون الثعالبي أبا لبورقيبة ولا للبورقيبية... فالثعالبي كان قد أسس حزبا سياسيا يحمل اسم الحزب الحر الدستوري لم يتجاوز المطالبة بدستور للبلاد ولم يطلب يوما انهاء حالة الاستعمار وتحقيق الاستقلال الوطني ولم يتوفق الى نشر الروح النضالية في القواعد الشعبية ولم يناضل يوما من اجل بناء دولة عصرية ولم ينبس ببنت شفة حول تحرير المرأة ولم يطالب باسترجاع الشعب السيادة المسلوبة... وظل حزبا فوقيا لا اتصال له بالقواعد الشعبية ...لذلك فانه لا صلة للبورقيبية بالحركة الثعالبية التي يرى فيها البعض ملاذا للتقرب من الدستوريين اليوم... الشيخ الثعالبي رجل محترم ذو نزعة اصلاحية لا شك في ذلك ولكنه لم يروج لمشروع سياسي مبهر مثل الذي روّج له بورقيبة ونجح في إرسائه... الشيخ الثعالبي اراد ان تسند منظومة الحماية الفرنسية بدستور ينظم تلك العلاقة... ولم يجد بورقيبة الذي انضم إلى حزب الثعالبي صلب هذا الحزب ما يشفي غليله... فانشق عنه ودعا الى تأسيس حزب جديد يفعّل بواسطته توجهاته الحداثية والاصلاحية ويفعّل عبره ارادة الشعب في تحقيق الاستقلال الوطني وتكريس السيادة الوطنية. وكان له ذلك عند انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب في مدينة قصر هلال يوم 2 مارس 1934. لذلك فانه لا علاقة لحزب بورقيبة بحزب الثعالبي ومن يعتبر أنّ هناك تواصلا بين الحزبين فهو مخطئ... لأن الانشقاق عن حزب هو قطع نهائي معه وانطلاق نحو مسار آخر لا علاقة له مع الماضي. وقد واصل حزب الثعالبي نشاطه إلى أن اندثر تماما...
والدستوريون اليوم بقدر ما يعتزّون بنضال المجاهد الاكبر ويتبنون فكره ومنهجية عمله النضالي الرائد بقدر ما يُكبرون النزعة الاصلاحية التي بادر بها كل من خير الدين وعلي باش حانبه والثعالبي والطاهر الحداد وغيرهم من رجال تونس الافذاذ.
أمّا أن يدّعي بعضهم ايضا أن الشيخ عبد العزيز الثعالبي هو جدّ الاسلاميين فانا اود ان اذكرهم بان جدهم الحقيقي والمؤسس الفعلي لحركتهم هو حسن البنّا الذي أطلق هذه الحركة لضرب كل حراك شعبي وقطع الطريق أمام نزعات التحرر من الاستعمار البريطاني وطمس التوجهات القومية التي بدأت تبرز لفك الارتباط مع الدولة العثمانية آنذاك.
وقد حسم المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة المسألة عندما سأله احدهم عما يفرق بين الدستوريين والاسلاميين فأجابه بأن بينه وبين الاسلاميين أربعة عشرا قرنا...من الزمن.
أمام كل هذا الاعتزاز ببورقيبة، يتساءل البعض ماذا قدّمتم له كدستوريين عندما كان في منفاه الأخير (بعد عزله من طرف بن علي و«سجنه» في المنستير
- المجاهد الاكبر الزعيم الحبيب بورقيبة الخالد الذكر هو الذي حرر البلاد من ربقة الاستعمار وهو الذي بنى الدولة العصرية وحرّر المرأة التونسية وعمّم التعليم المجاني ووفر السكن اللائق والصحة للجميع وقاوم الفقر والخصاصة. انجازاته ترسّخ ذكره في عقول التونسيين وتزرع حبه في قلوب جميع التونسيين... وبالرغم من وفاته منذ خمسة عشر سنة، فقد ظلّ كلّ التونسيين أوفياء لفكره مخلّدين ذكره معترفين له بالجميل... بل أكثر من ذلك، فان الشباب الذي لم يولد بعد زمن بورقيبة ظل اليوم يسعى لاكتشاف فكره وتبنّي منهجه النضالي. وقد لعبت الشبكات الاجتماعية و«الانترنات» والجمعيات البورقيبية دورا رائدا في ذلك.
أما عن صمت الدستوريين عندما كان بورقيبة في «سجنه» الأخير....فإنّي أجيب عن ذلك بأن بورقيبة أُبعد عن الحكم لاسباب «صحية» جعلت بعض المحيطين به يتلاعبون بمصالح البلاد والعباد وأصبحت البلاد مهددة بالدخول في متاهات الصراع حول وراثته... وقد يكون تناسي بورقيبة في تلك الفترة الزمنية راجع إلى غير البورقيبيين الذين واصلوا قيادة «التجمع» ولم يكن لعدد منهم جذورا دستورية. وأذكّر هنا بأنّ جلّ المواطنين التونسيين ظلوا على وفائهم للزعيم بدليل الحضور الشعبي العارم من كل الأجيال والفئات الاجتماعية والشباب على وجه أخص الذي حضر موكب دفنه بالرغم من المضايقات التي كانت مفروضة آنذاك.
رغم أنه الحزب الفاعل والأول أنت تعتبر أن «نداء تونس»... «صناعة إعلامية»... كيف ولماذا؟
- «نداء تونس»... في اعتقادي ليس حزبا كبقية الاحزاب التي عادة ما تكون لها اهداف وتوجهات متناغمة وقيادة متجانسة تعمل بصفة جماعية على تحقيق تلك الاهداف... لأن هذا التنظيم جاء الى الوجود لتحقيق طموحات «شخصية» لمؤسسيه أكثر منها لتحقيق اهداف وطنية... وتركيبة الحزب منذ التأسيس لم تعكس روح الوحدة الوطنية التي كان يعتمدها الحزب الدستوري ... إذ طالب مؤسسوه منذ البداية بأن يخبأ الدستوريون وجوههم... بمعنى أنّ يصطفوا خلف الوافدين الجدد والاكتفاء بلعب دور «حطب الانتخابات لا غير»...
الإعلام لعب دورا كبيرا في تضخيم هذا الحزب الظاهرة... لقد صدّقوا ان النهج البورقيبي قد طفا من جديد على الساحة... وصدقوا ايضا ان هذا الحزب سيقلص من حجم التيارات الإخوانية التي تهدف الى إحلال الدولة الإسلامية أو الخلافة محل الجمهورية والتي يهدد مشروعها كل مكاسب المجتمع وخاصة مكاسب المرأة... لكن الأيام أكدت ان منحى هذا الحزب الحقيقي كان بعيدا كل البعد عن التوجه البورقيبي... وإلّا فأين الاتصال المباشر بالشرائح الشعبية والجهات؟؟ اين الاصلاح الاجتماعي الواجب اتخاذه لحماية الطبقة الوسطى من الاندثار؟؟ أين آليات حماية المجتمع الوسطي؟
ما رأيك في فكرة قبول توبة الإرهابيين الذين قاتلوا في سوريا والعراق والحديث عن سنّ قانون في الغرض؟
- لا يمكن في رأيي اعتبار ما يسمّونه توبة الارهابيين توبة حقيقية لأن الإرهابي لا يمكن ان يتخلّى عن تركيبته الذهنية التي بنيت على اراقة الدماء والقتل وممارسة العنف بكل اشكاله...ومن مارس الارهاب يوما لن يتحول الى غير ارهابي مقنّع أو إلى خلية نائمة في انتظار موعد الانطلاق من جديد لسفك الدماء..
ومهما كانت محاولات تبرئة هؤلاء الدمويين سواء بالتوافق مع الحلفاء أو عبر التشريعات المفروضة بحكم الاغلبية البرلمانية فان الشعب التونسي الذي اكتوى بالارهاب في ثمانينات القرن الماضي وشهد الإرهاب يضرب مجدّدا الأبرياء والمؤسسات الوطنية والقطاعات الحيوية، لن يقبل بإعادة تبييض وجوه هؤلاء والقبول بما سموه توبة... لا بد في اعتقادي من التعامل بكل صرامة وفق ما يفرضه قانون مكافحة الارهاب مع كل من تورط في الارهاب سواء بالداخل او خارج الوطن بما في ذلك اولئك الذين هبّوا للجهاد في سوريا والعراق... بمعنى هبوا لقتال اخوانهم المسلمين... ولم نراهم يحركون ساكنا في وجه العدو الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية مثلا.
اعتبر البعض أن مؤسس حزب «النداء» نجح في جعل «النهضة» تتنازل عن العديد من أهدافها وفي إجبارها عن الفصل بين الدعوي والسياسي؟
- أنا لا أصدق مزدوجي اللغة... أولئك الذين يقولون ما لا يفعلون... الإسلام السياسي يضع في مقدمة قياداته بعض الذين يروجون للاعتدال والتسامح والوسطية ويضع في صفوفه الداخلية صقورا يرفضون كل تنازل عن مقومات السلطة الدينية تحت غطاء الشريعة ودولة الخلافة... اما الحديث عن نجاح الرئيس السابق لحزب «النداء» في جعل حركة «النهضة» تتنازل عن بعض ثوابتها فذلك في نظري من باب المقايضة السياسوية الظرفية...ومن باب الدهاء السياسي لقياديي «النهضة» الذين يريدون الابتعاد عن كل مواجهة ليست في صالحهم في هذا الظرف بالذات...لقد تنازلوا عن الحكومة...ولكنهم لم يتنازلوا عن الحكم كما قال رئيسهم. وظلوا يعملون وراء الستار للتموقع من جديد بأكثر قوة وفاعلية استعدادا للمستحقات الانتخابية المقبلة...ولعل الواقع الاقليمي يفرض عليهم أن يغيّروا من خطابهم ويظهرون للرأي العام في مظهر المعتدلين.
هل يمكن أن تكون «هيئة الحقيقة والكرامة» قادرة على تقديم خطوة نحو تحقيق أهداف العدالة الانتقالية أمام الجدل والاتهامات التي أحيطت بها ؟
- التجربة الإسبانية جديرة بالدرس والتمحيص والاستفادة منها في هذه المرحلة بالذات.
هل تعتقدون أنّ مشروع المصالحة الاقتصادية مقبول؟
- أعتقد أنّ ما قاله بورقيبة من أنّ «الأهم قبل المهم»... هو النهج الأمثل للتعامل مع هذا الموضوع. ورغم اعتقادي بأن هذا القانون هو أخلاقيا غير عادل فإنّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي يدفعني الى القبول به ومساندته.
البعض يتصور أن المرحلة القادمة ستبقى بيد «النداء» و«النهضة» مقابل اندثار بقية الأحزاب التي بدت ضعيفة بعد هزيمتها في الانتخابات ؟
- المرحلة القادمة ستكون مرحلة العودة القوية للدستوريين في أداء واجبهم الوطني لإنقاذ الوطن مما تردّى فيه من أوضاع اقتصادية واجتماعية لم تشهدها البلاد أبدا... نسبة نمو سلبية وبطالة مستفحلة وإحجام عن الاستثمار الداخلي والخارجي ..
الدستوريون يطرحون برنامجا وطنيا للإنقاذ... سوف نعلن عن مكوّناته في القريب العاجل ان شاء الله.
أما أنا فإنّي قد طرحت على النقاش جملة من الخيارات الاساسية التي أرى أنه يمكن بواسطتها ان نرسي منظومة حكم ديمقراطي يضمن الحريات ويحقق التنمية ويصون المكتسبات التاريخية...
أقترح... ولا أفرض شيئا... على الدستوريين وغير الدستوريين الراغبين في تحقيق وحدة الصف في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ تونس العزيزة ان يطّلعوا على النقاط العشرين التي سبق أن اقترحتها كأرضية لحوار وطني شامل من شأنه إنقاذ الوطن مما تردى فيه من تشرذم سياسي رديء جدا...
وحدة الدستوريين ومختلف الأطياف السياسية ذات التوجه الحداثي الوسطي المعتدل لا يمكن ان تقتصر على الاعتزاز بالماضي النضالي فقط ولا يمكن ان تكتفي بالاعتزاز بالمكاسب التي تحققت...
الوحدة الوطنية المنشودة يجب ان ترتكز على نهج سياسي تعود أصوله الى ظهور الحركات الإصلاحية التي تشكّل أدبياتها أرضية فكرية ذات أهداف نبيلة...لو عملت القيادة على تجسيمها على أرض الواقع لما تردت الأوضاع ولما ثار الثائرون على الفساد والفقر والتهميش...
وطن لا يمين طاغ فيه ولا يسار يهيمن...لأننا كنا ولا زلنا دعاة وسطية واعتدال وحداثة، الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية هدفنا...
هل تعتقدون أن حكومة السيد الحبيب الصيد نجحت في اتخاذ الإجراءات اللازمة في حربها على الإرهاب ؟
- نعم... لقد توفّقت حكومة السيد الحبيب الصيد في التصدي الناجع للإرهاب وقلصت من انتشار خلاياه وكشفت الشبكات الارهابية التي انتشرت عبر عديد الجهات والمناطق. ولكن المعركة ضد المنظومة الإرهابية تتطلّب مزيدا من الحزم في معالجة هذه الآفة وتفعيل كل آليات مقاومتها عبر الاجهزة الامنية والعسكرية ولكن ايضا بالاعتماد على روح المواطنة التي من واجبها إسناد الحكومة إسنادا فعليا...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.