يؤكد جنرال إسرائيلي في الاحتياط ورئيس سابق لمجلس الأمن القومي في مذكراته أنه لا يقوى على إغماض عينيه في الليالي، ليس فقط بسبب أوجاع المرض بل نتيجة قلقه على مستقبل إسرائيل في ظل قيادات وسياسات خاطئة. في كتابه الجديد الصادر في ماي الماضي بعنوان «لا أنجح بإغماض عيني في الليالي» يتوقف الجنرال بالاحتياط غيورا آيلاند عند محطات مسيرته العسكرية والمدنية الطويلة وعند كل منها يحاول استخراج خلاصات ودروس مهمة بالنسبة لإسرائيل بشكل عام. آيلاند جنرال بارز شارك في عدة حروب خاصة حرب 1973 وحرب لبنان الأولى وفي عدة عمليات خاصة، مثل عملية «عينتيبي» لتخليص اسرائيليين مختطفين في أوغندا، وبعد الخدمة العسكرية عمل رئيسا للمجلس الأمني القومي في 2003 وقد اهتم كثيرا في خطة فك الارتباط عن غزة، وقضية الصراع والنووي الإيراني. ويتسم آيلاند الحائز على اللقب الأول في الاقتصاد، وعلى اللقب الثاني بإدارة الأعمال من جامعة بار إيلان في تل أبيب، بقدرته على التحليل والحديث الصريح، ولذا يشمل الكتاب اعترافاته بأخطاء ارتكبها خلال خدمته العسكرية. وفي مقدمة الكتاب يوضح آيلاند صاحب التوجهات النقدية في مقالاته وتصريحاته أنه يستصعب النوم في الليالي لقلقه على مستقبل إسرائيل ومن هنا يستمد الكتاب عنوانه. مرض السرطان وجاءت تسمية الكتاب لأن آيلاند أصيب بداء السرطان مما فاقم مشكلته المزمنة بعدم النوم العميق، لكنها تعكس أيضا قلقه على مستقبل إسرائيل. وردا على سؤال يتردد في الأوساط الإسرائيلية عما إذا يوجد احتمال بتكرار إخفاقات حرب 1973 قال آيلاند إنها كانت قاسية، لكنها لم تشهد مسا بالجبهة الداخلية. مرجحا أن تتعرض الجبهة الداخلية ومراكز السيطرة والرقابة والاتصالات داخل إسرائيل للهجمات في حرب مقبلة علاوة على استخدام حرب «السايبر» التي من شأنها تشويش الكثير من سيرورة الحياة اليومية و»هذا أحد أسباب قلقي». وبعد تجاربه الواسعة يخلص لاستنتاج بأن التخلص من معادلة سطحية تفصل بين الحكومة وصلاحياتها باتخاذ القرار وماذا ينبغي العمل وبين الجيش صاحب الصلاحية باتخاذ القرار كيف يتم ذلك. ويشير الى أن مثل هذه المعادلة لا تلائم صراعات مركبة قائمة في القرن الواحد والعشرين. مشددا على حيوية إشراك قادة الجيش في مداولات سياسية- دبلوماسية أيضا تشمل من جملة ما تشمله على سبيل المثال: ماذا يفعل الرئيس دونالد ترامب وما الذي يؤثر على الرئيس فلاديمير بوتين، على أن يبقى القرار طبعا للحكومة والمستوى السياسي، معتبرا تخويل رئيس الحكومة وزير الأمن باتخاذ قرار بالحرب دون الرجوع للحكومة قرارا إشكاليا. كما يبدي آيلاند قلقه من ميول بنيامين نتنياهو للاستبداد برأيه وبممارسة النخب السياسية حياة الترف والإسراف. كما يشير لقلقه من مدى نظافة واستقلالية صناعة القرارات الهامة وبعدها عن الاعتبارات والحسابات الغريبة، محذرا من خطورة استشراء الفساد. ويضيف «بدلا من تكريس الحكومة طاقات في العمل الدبلوماسي فإنها تنشغل بالعلاقات العامة وهذا يتسبب لإسرائيل بضرر فادح وإن كان ذلك يخدم مصالح السياسيين». وضمن انتقاداته يقول آيلاند إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مهتم بالظهور بصورة «المحقين» وبشيطنة الطرف الآخر دون الذهاب إلى الحلول، لافتا الى أن هذا ينطبق على موضوع إيران وعلى موضوع غزة. ويتابع بلهجة ناقدة ساخرة «هذا يميزنا فلدينا ميل للظهور محقين فنحن يهود. نحن ضحايا. نحن مساكين ولذا كم نحن محقون». والأهم يقول آيلاند بوضوح إن نتنياهو لم يرغب بأي مرحلة أن يبدو كمن هو راض من اتفاق بين دول الغرب وإيران حول مفاعلاتها النووية خوفا من أن يضطر لتسديد الثمن ب «تنازلات للفلسطينيين» ، وبذلك ينضم آيلان لمراقبين إسرائيليين يتهمون نتنياهو بالمبالغة في عرض مخاطر إيران بغية استخدامها فزاعة لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية داخلية وخارجية. ويضيف «نتنياهو ليس فقط لا يؤمن بإمكانية تطبيق تسوية الدولتين الآن بل هو غير معني بأي حل آخر، من منطلق تقييمه بأن استمراره في إدارة الصراع أفضل من أي حل، وهنا اختلف معه. وفي الشأن الإيراني يرى آيلاند أن إسرائيل منحت إيران أساسا لتكون دولة مع خطة نووية خطيرة في المستقبل مع تواجد عسكري في سوريا ومن هذه الناحية أيضا «أنا لا أنام جيدا في الليالي». إخفاقات حرب 1973 ويخلص للقول إنه سينام في الليالي نوما عميقا عندما تصبح إسرائيل أقل سطحية واستخفافا في اتخاذ القرارات، ويقدم مثالا على واقعها الراهن بالقول «يكفي أن ترى مسيرة اتخاذ القرار للمصادقة على الموازنة العامة». ويتابع أنا قلق جدا وأكثر من مرة أسأل ذاتي أي عالم سأترك لثلاثة أبنائي ولأحفادي؟». وعلى المستوى العسكري يرى أن فشل إسرائيل في حرب 1973 لا يكمن في الاستخبارات فقط أو في تأجيل قرار تجنيد الاحتياط حتى شنت مصر وسوريا الحرب لا بعدم إدارة الجيش النظامي كما يجب. ويضيف « بدلا من الدفاع وكبح جماح القوات العربية المتقدمة اختار الجيش الإسرائيلي الهجوم لكنه لم يكن مستعدا لذلك، ولذا كان الثمن باهظا جدا «. ويؤكد أن التحقيق الحقيقي بإخفاقات حرب 1973 كان ينبغي أن يتركز أيضا بالسؤال كيف حصل لا لماذا حصل فقط، مشددا على أن لجنة التحقيق الرسمية وقتها لم تقم بذلك. كما يشير إلى أن القواعد والثكنات العسكرية بنيت وقتها بطريقة غبية وكانت واحدة من سبب فشل تلك الحرب التي كبدت إسرائيل نحو 4500 جندي قتيل. ويحذر آيلاند من قدرة الدماغ البشري على تهميش وتجاهل كل حقيقة لا تستوي مع الواقع الذي يريده أن يكون، معتبرا إجماع قادة هيئة الأركان الإسرائيلي قبيل حرب 1973 والتمسك بمفهوم أمني تقليدي رغم نفيه من قبل جهاز الاستخبارات، هو مثال مؤلم وغير وحيد على ذلك». ويقول إنه كان يمنح الضباط تحت إمرته حرية التصرف مكتفيا بتعليمات تتمحور ب «ماذا» عليهم فعله تاركا لهم القرار كيف ينجزون الهدف، معتبرا أن هذه هي الطريقة لتنمية قدرات عقلية لدى القيادات وتعزيز تحليهم بالمسؤولية. ويبدي تحفظه من إقصاء الضباط في حال تورطوا بإخفاقات ويدعو للمحاسبة، لكنه يحذر من تفشي ثقافة «قطع رؤوس». ويضيف « قطع رؤوس من يرتكبون الأخطاء تحول الجيش إلى جيش متوسط وغير مبدع لاسيما أن معظم الأخطاء هي ليست شخصية إنما جزء من فشل النظام». ويرى أن الجيش الإسرائيلي وبخلاف رؤيته هو قد قلص منذ 1973 حرية العمل لدى الضباط الصغار وبالتالي تقلصت التوقعات منهم. ويقول إن التبعات السلبية للظاهرة ظهرت في حربي لبنان الأولى والثانية عام 1982 و 2006. اتفاق مع سوريا وينتقد آيلاند سعي إسرائيل لتوقيع اتفاق سلام مع سوريا في 1999 وفي 2007 ويقول إن ذلك يشبه نكتة «الكندرجي» الذي ضبط في سرقة وأدين بالإعدام، وكانت المشكلة أن لا أحد في المدينة سواه يستطيع تصليح الأحذية، فكان القرار بإعدام خياط بريء لأن هناك خياطاً آخر في المدينة. ويتابع «لأن التقدم في مفاوضات سلام مع الفلسطينيين بعد توقيع أوسلو مهمة غير سهلة فقد تقرر إنجاز سلام مع آخر بديل. في المقابل ورغم الانتقادات الموجهة لرئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك الذي قاد المساعي وصولا لسلام مع سوريا فإنه يمتدحه ويصف قراره بالانسحاب من لبنان عام 2000 ب «الحكيم والشجاع.» ويعترف أنه عارض كضابط وقتها فكرة الانسحاب. كما وجه انتقادات لحرب لبنان الثانية ويقول إنه في حرب قادمة مع حزب الله ينبغي إدارة المعركة ضد لبنان الدولة لأن ذلك برأيه سيزعزع شرعية حزب الله لدى اللبنانيين وتعزيز قوة الردع الإسرائيلية ويدفع المجتمع الدولي للتحرك لوقف النار بغية حماية لبنان. ويضيف «أن عمليات قصف مكثف كالتي تعرضت لها الضاحية الجنوبية في بيروت في مطلع حرب مستقبلية كفيلة بتقصير أمد الحرب وتخرج إسرائيل منها بصورة انتصار».. حرب لبنان الثالثة يشار الى أن انتقادات مماثلة صدرت في السنوات الأخيرة عن مسؤولين عسكريين وسياسيين في إسرائيل. ويوضح عدد من المراقبين أن الجيش الإسرائيلي تبنى الفكرة ويستعد للقيام بها لحسم الحرب بسرعة وبأقل تكلفة بحال نشبت مع حزب الله. وهناك من يعتبر أن الهجمات الإسرائيلية الكبيرة والمكثفة على أهداف إيرانية في سوريا في الشهور الأخيرة هي ترجمة عملية لهذه الاستراتيجية القائمة على ضرورة صيانة قوة الردع الإسرائيلية.(القدس العربي)