كل يوم جمعة يعتلي آلاف الأئمة المنابر، لإمامة الناس في صلاة الجمعة والخطبة فيهم وموعظتهم بما ييسّر لهم شؤون دينهم ودنياهم، مع ضرورة الالتزام بآداب الصلاة والسلوك الحسن والوقور ومراعاة الكياسة واللباقة اللازمتين لحث الناس على التمسّك بمكارم الأخلاق ومزايا الدين الحنيف.. ولكن يبدو أنّ إمام الجمعة بجامع الرحمان بالمنزه السادس بأريانة، قدّ شذّ عن كل ذلك وحاول أن ينحت لنفسه على منبر الجمعة شخصية «مختلفة» و»طريفة» فسقط في «الابتذال» و»التهريج» و»التبديع» في السلوك وفي التأصيل الشرعي لفتاويه، وفق ما أكّده لنا عدد من المصلين بالجامع المذكور، الذين استفزّهم الامام ب»تصرّفاته» المفتقرة للرصانة والوقار، وفق شهاداتهم، وجعلهم «ينفرون» من الصلاة بجامع الرحمان، ويتوجهون الى جوامع أخرى بأحياء مجاورة، خاصّة وأن أغلبهم تقدّم بعرائض ممضاة من عدد من المصلين الى السلط المحليّة والجهوية، وأيضا إلى وزير الشؤون الدينية، ولكن إلى اليوم لم يحرّك أحد ساكنا! فبعد أن نشرت «الصباح» مقال «تحرّش.. عنف.. تحريض وتكفير: أئمة يسيئون ل»المنابر» في غياب التأهيل والتكوين» بتاريخ 14 أكتوبر الجاري، اتصل بنا عدد من مصلّي جامع الرحمان بالمنزه السادس، للفت انتباهنا لما «يأتيه إمام الجمعة» بالجامع المذكور وهو ما اعتبروه إساءة بالغة للمنبر ولهم كممصلّين. وبمزيد التقصي والتحرّي في المسألة اتضح لنا من خلال استماعنا الى شهادة عدد من المصلين، وكذلك الاطلاع على العرائض الممضاة ضدّه والتي كان يتم توجيهها منذ أشهر الى السلط الجهوية بأريانة وأخيرا مراسلة وزير الشؤون الدينية في المسألة، أن هناك تجاوزات وخروقات «خطيرة» يقوم بها هذا الامام.. كما اتضح من خلال معاينة خطبه المنشورة على صفحته الرسمية على موقع «يوتيوب» بالخصوص أو من خلال كتبه المنشورة التي يحاول في كل مرّة استغلال المنبر للإشهار والترويج لها بين المصلين بنية «بيعها»، أن الامام المعني، ابتعد أن دوره كأداة لتنوير العقول وتقريب الناس من عقيدتهم وسقط في «ترّهات» و»مهاترات» تسيء الى الدين الحنيف ولا تخدمه.. عندما "يُفتي" الإمام في اسم "الفتّاح" في العرائض المقدّمة الى الهياكل والسلط المعنية بإشكال الحال، اشتكى عدد من المصلّين من تعنّت الامام مثل منعه تلاوة القرآن قبل صلاة الجمعة واعتبار ذلك من البدع الضالة التي ستؤدي بصاحبها الى «النار» لأن «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»... ويقول أحد المصلين «لقد منع عنّا تلاوة الحديث الشريف الذي اعتدنا في مساجدنا تلاوته قبيل صلاة الجمعة بدعوى أنه «مكذوب» كما منعنا من تلاوة الأذكار وقراءة الفاتحة التي تعوّدنا على تلاوتها اثر صلاة الجمعة بعد أن صرّح من فوق المنبر بأن ذلك من البدع وأن كل بدعة في النار..». عدد من المصلين اتهموه بالتشيّع للفكر الوهابي وذلك «لتشدّده ورفضه لكل اختلاف» معلّلين ذلك بأنه «كثيرا ما كان يستأنس في خطبه بإدارة البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد بالمملكة العربية السعودية وشيوخها من أمثال ابن الباز والشيخ ابن عثيمين»... وحسب الشهادات التي وثقناها بلغ الأمر حد عدم تورّع الامام من استعمال عبارات رأها عدد من المصلين «منافية» للأخلاق والآداب العامة وفيها الكثير من «الابتذال» و»الاسفاف» الذي لا يليق ب»إمام» من قبيل قوله في معرض حديثه عن النساء «يا بنات مهما تعريوا رواحكم زايد الراجل يحب الطفلة (المكشتية)» - بمعنى يحب الفتاة البكر والعذراء! - أو قوله في احدى الخطب «شوف الريزو طالع مع ربّي أو موش طالع»!! كما لم يتورّع الامام وفق شهادات عن سب وقذف السياسيين في عدّة مناسبات والمس من أعراضهم «السياسيين تمشي تخدم بنساهم باش يتحصّلوا على المناصب».. ويؤكد عديد المصلين أن هذه الأفعال والممارسات ليست أفعالا منعزلة بل أفعالا تتكرّر أسبوعيا كما أن الامام المعني قام وفق شهادات لمصلين بالاستهزاء بالأولياء الصالحين وخاصّة «سيدي بلحسن الشاذلي». ولكن الأخطر أن هذا الامام دعا في أكثر من مناسبة الى تطبيق الحدود في جرائم الزنا والسرقة في «شارع بورقيبة» وتجاوز قوانين الدولة.. هذه الدولة التي عيّنته ليخطب في الناس يوم الجمعة. ولم يكتف بذلك بل إنه في إحدى خطبه «حرّم التعامل مع شركات الايجار المالي» واعتبرها نوعا من «الربا» والربا من الكبائر. لكن أغرب ما قدّ تسمعه وأنت تتابع خطبة له منشورة على قناته الخاصة على «اليوتيوب» بتاريخ 12 سبتمبر 2016 وهو يشرح اسما من أسماء الله الحسنى وهو اسم «الفتّاح» اذ يباغتك الامام الجليل بتفسير صاعق لمعنى الاسم ويقول حرفيا «الفتّاح هو من فتح لك ثقبا تدخل منه المأكولات وفتح لك ثقبا آخر تخرج منه الفضلات «... يقول ذلك وهو في ذروة الانفعال على المنبر ويصرخ بحماسة معقّبا على شرحه ل «الفتّاح»: «الله أكبر يكفي أن تعلم أن الله فتح لك ثقبا من فوق ومن أسفل حتى تقيم صلاتك».. ويستمر هكذا طوال الخطبة والخطب الأخرى في «التراقص» و»التمايل» على المنبر، والصراخ لشرح أفكاره باستعمال عبارات «سوقية» لا تنسجم مع هيبة ووقار المكان الذي هو فيه وبعيدة كلّيا عن المدرسة الزيتونية المعروفة بوقار ورصانة أئمتها. هذا الامام الذي له مؤلفات منشورة ومنها كتاب «حلاوة الدعاء وفرحة الاجابة» وكذلك كتاب آخر بعنوان «أمراض القلوب ومعاصي الجوارح» أو كتاب «فقه العبادات وثمرة الطاعات» ليس الاّ عينة من عشرات الائمة الذين يفتقدون الى التكوين والتأهيل العلمي والشرعي والأخلاقي الذي يؤهلّهم لاعتلاء المنبر ولكنهم مع ذلك يعتلون المنابر دون حسيب ورقيب.. وبعد هذا كلّه لا يجب أن نتساءل كيف تسرّب لعقول شبابنا «الفكر الداعشي» واستوطنه دون أن نجد الى اليوم آليات للتصدّي لهذا الفكر الظلامي.. لأننا ببساطة لن نجدّد الفكر الديني ولن نقنع الأجيال الجديدة بالتعاليم الصحيحة للعقيدة بأمثال هؤلاء الأئمة... منية العرفاوي