قال الشاذلي العياري محافظ البنك المركزي إنّ نسبة التضخّم المستهدفة ضمنيا لا تعدو أن تتجاوز ال 4 %. وأوضح العياري خلال ندوة صحفية اليوم الإثنين : " في تونس ليست لنا إلى حدّ الآن نسبة تضخم مستهدفة معلنة ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار معدّل هذه النسبة خلال العقدين الأخيرين فإنّها لا تتعدى %3,6 وبالتالي يمكن لنا الاستنتاج بأنّ النسبة التي يمكن استهدافها ضمنيا لا تتعدى %4". كما بيّن أنّ هذه الندوة الصحفية تندرج في إطار إرساء تقاليد تواصل جديدة بين البنك المركزي التونسي والعموم بهدف إضفاء المزيد من الشفافية حول الطريقة التي تدار بها السياسة النقدية وشرح الأسباب التي تفسّر القرارات التي يتّخذها مجلس إدارة البنك المركزي التونسي في إطار قيادة السياسة النقدية والرقابة المصرفية والاستقرار المالي بصفة عامة، وفق ما جاء في بلاغ صادر عن البنك المركزي تلقت "الصباح نيوز" نسخة منه. وللإشارة، فإنّ القانون الأساسي للبنك المركزي التونسي قد حدّد جملة من الأهداف التي يتعيّن على هذه المؤسسة السهر على تحقيقها، ومن بينها المحافظة على استقرار الأسعار كما ينصّ على ذلك الفصل 33 من هذا القانون. وقال العياري : "في الحقيقة إنّ المحافظة على استقرار الأسعار هي المهمة الرئيسية التي تعمل البنوك المركزية في جلّ أنحاء العالم على تنفيذها. وأوّد الإشارة في هذا الإطار إلى أنّ السياسات النقدية للعديد من البنوك المركزية أصبحت تستهدف منذ بداية التسعينات نسبا محددة للتضخّم تتراوح في أغلبها بين 2 و%3 على المدى المتوسط. وهو ما يعني أنّ هذه البنوك تكيّف سياساتها النقدية بحسب آفاق تطوّر مستوى الأسعار وذلك من خلال التغيرات التي تدخلها من حين إلى آخر على نسبة الفائدة الرئيسية بما يمكنها من التأثير على المستوى العام للأسعار حتّى لا يحيد بصفة مطوّلة عن المستوى المستهدف". وأضاف : "غير أنّ الفترة الانتقالية التي تمرّ بها البلاد منذ الثورة أفرزت منذ النصف الثاني من سنة 2011 تسارعا ملحوظا لنسق ارتفاع الأسعار لتبلغ هذه النسبة%5,6 في 2012 مقابل %3,5 في 2011 ونحن نشهد منذ بداية السنة الحالية المزيد من الضغوط التضخمية لتقترب هذه النسبة من عتبة %6 وهو ما يعتبر مستوى عاليا بكلّ المقاييس فهو أعلى من معدّل التضخم المسجّل خلال الخمسين سنة الأخيرة الذي لا يتجاوز %5,2 وهو كذلك أعلى من المعدّل المسجّل خلال العقدين الأخيرين والذي كما قلت سابقا لا يتعدى%3,6 وهو كذلك أعلى من النسبة التي تستهدفها العديد من البلدان الناشئة المشابهة لتونس والتي تتراوح بين 3 و%4".
شروط تأجير الودائع لأجل
وحول شروط تأجير الودائع لأجل والحسابات الخاصة للادخار، بيّن الشاذلي العياري أنّ البنك المركزي التونسي قد قام في ديسمبر 2011 باتخاذ إجراءات تعديلية تتعلق بشروط الودائع لأجل تمثلت أساسا في منع التسديد المسبق لهذه الودائع وتحديد سقف لتأجيرها بحيث لا تتجاوز نسبة التأجير نسبة الفائدة في السوق النقدية زائد 1 %. وأكّد أنّ هذا التدخل للبنك المركزي جاء في الحقيقة لتعديل واقع سوق الودائع التي شهدت في 2011 احتدام المغالاة في نسب التأجير لتبلغ معدل %4,5في الوقت الذي انخفض فيه معدل نسبة الفائدة في السوق النقدية ب 40 نقطة مائوية ليتراجع إلى 4 %. كما بيّن أنّه بعد أكثر من سنة على العمل بسقف نسبة الفائدة في السوق النقدية زائد 1 % لاحظ البنك المركزي أن هذا الإجراء كان له أثر ايجابي في إعادة توازن السوق بتوجيه ودائع المؤسساتية للسوق النقدية باعتماد شهادات الإيداع، قائلا : "وباعتبار أن هذا الإجراء يكتسي طابعا استثنائيا أي محدودا في الزمن حيث أن الأصل في تأجير الودائع هو الحرية قرر البنك المركزي حذف سقف التأجير ليصبح تحديد النسب متروكا للبنوك بالتفاهم مع الحرفاء". وفي نفس الإطار، أعلن عن قرار البنك المركزي أيضا بالترفيع في النسبة الدنيا لتأجير الادخار ب 25 نقطة مئوية لتبلغ %2,75 لمزيد ملاءمتها مع نسبة الفائدة في السوق النقدية بهدف تحسين مردودية الادخار وتطوير حصته في الناتج الداخلي الخام التي تراجعت إلى 16% علما وأن تأجير حسابات الادخار يحدد بحرية من قبل البنوك وأن النسبة التي يضبطها البنك المركزي هي نسبة دنيا لا يجوز النزول تحتها وذلك ضمانا لحد أدنى من التأجير لصغار المدخرين الذين ليست لهم القدرة لفرض شروطهم على البنوك على عكس كبار المودعين.
تخفيض نسبة الاحتياطي الإجباري على قروض الاستهلاك
وعن قروض الاستهلاك، ذكّر العياري أن البنك المركزي التونسي قد اتخذ في بداية أكتوبر الماضي إجراءات تخص قروض الاستهلاك تمثلت أساسا في اشتراط احتياطي إجباري لدى البنك المركزي التونسي بنسبة 50% من تطور هذه القروض، موضحا أنّ الهدف من هذه الإجراءات كان في الواقع ترشيد إسداء البنوك لقروض الاستهلاك للتحكم في النسق السريع لتطورها إلى جانب المساهمة في التقليص من تفاقم عجز الميزان التجاري ومن التحكم في التضخم. و باعتبار أن هذه الإجراءات هي إجراءات ظرفية كان من الضروري أن يُقيم البنك المركزي التونسي آثارها بعد ما يقارب نصف سنة من العمل بها. وتطرّق العياري إلى نتائج هذه الإجراءات التي قال إنّها كانت ظرفية، مؤكّدا أنّ المعطيات قد بينت أن حجم قروض الاستهلاك سجل خلال هذه الفترة استقرارا وفي المقابل لوحظت بوادر تطور نسق التمويلات المسداة للمؤسسات بما يعني على الأقل بلوغ هدف ترشيد تدخلات البنوك. أما على مستوى المؤشرات الكلية أي التضخم و عجز الميزان التجاري و إن تم تسجيل تحسن في العجز، بيّن أنّ تقييم مدى اثر الإجراءات على هذه المؤشرات يتطلب فترة أطول نسبيا خاصة وأن هنالك عوامل ضغط أخرى على هذه المؤشرات. وعلى هذا الأساس وفي إطار الملاءمة بين الأهداف المرجوة من هذه الإجراءات والحفاظ على توازنات القطاع البنكية أعلن العياري أنّ البنك المركزي التونسي قد قرّر التخفيض في نسبة الاحتياطي الإجباري على تطور قروض الاستهلاك ب 20 نقطة مائوية لتصبح 30 % فقط.
الانعكاسات السلبية للتضخم وعن الانعكاسات السلبية لظاهرة التضخم،، قال العياري إنّ من أبرزها : * تدهور القدرة الشرائية للمواطن وهو ما نلمسه جميعا من خلال التذمرات التي يعبّر عنها الشارع،
* انعدام الرؤية بالنسبة للمستثمر باعتبار عدم قدرته على القيام بتقديرات مقبولة لربحية المشروع الذي يعتزم إنجازه في ظلّ صعوبة تقييم تكاليف الإنتاج في المستقبل كالأجور وأسعار المدخلات (Inputs ( ممّا يجعله متذبذبا في اتخاذ قرار الاستثمار،
* تدهور القدرة التنافسية للمنتوج التونسي باعتبار أنّ ارتفاع سعره يجعله أقلّ تنافسية من المنتوجات الأجنبية في الأسواق الخارجية والداخلية وهو ما من شانه أن يزيد في الضغوط المسلطة على ميزان المدفوعات وعلى الرصيد من العملة الأجنبية،
* التشجيع على الاستهلاك على حساب الادخار باعتبار أنّ نسبة الفائدة أقلّ من نسبة التضخم وهو ما يمكن أن يعيق نسق الاستثمار وبالتالي آفاق النمو للاقتصاد.
وللتذكير فإنّ مؤشّر أسعار الاستهلاك قد سجّل خلال شهر فيفري الماضي ارتفاعا ب5,8% مقابل 6% في الشهر السابق و5,7% في نفس الشهر من سنة 2012 بالعلاقة خصوصا مع ازدياد أسعار كل من المواد الحرة والمواد المؤطرة ب7,1% و2,9% مقابل 7,6% و1,9% على التوالي في السنة المنقضية. وأشار العياري كذلك إلى أنّ نسبة التضخم سجلت تراجعا ب0,1% متأثرة أساسا بموسم التخفيضات الشتوية الذي شمل بالأساس أسعار الملابس والأحذية (-4,9% مقابل +0,5%).وأضاف أنّه على مستوى التضخّم الأساسي، فقد تطوّر نسق نموّ مؤشر الأسعار دون المواد المؤطرة والغذائية الطازجة ليبلغ بحساب الانزلاق السنوي 6,2% مقابل 5,9% خلال شهر جانفي الماضي. أما بخصوص التضخم الملموس «Inflation perçue» وهو مؤشر يشمل أسعار المواد المستهلكة بوتيرة عالية فقد بلغت نسبته في فيفري الماضي بحساب الانزلاق السنوي 6,2% مقابل 4,6% للمواد المستهلكة