أزمة تلد أخرى... هذا تقريبا التوصيف الملائم للوضع في البلاد اليوم. في المقابل تبدو الحكومة مرتبكة أو بالأحرى كرجل المطافئ أو كما يقول المثل التونسي»هز ساق تغطس الأخرى». وتؤكد تلك الصورة القادمة أمس من مجلس النواب سواء الوقفات الاحتجاجية أمام قصر باردو أو المستجدات خلال الجلسة العامة أن المناخ العام سيء ومحتقن. لقد تنفس الكثيرون الصعداء بعد انقضاء شهر جانفي الفارط دون حراك اجتماعي عنيف كانت كل المؤشرات والتحاليل حينها تحذر منه وتتوقع أن تكون تداعياته الأخطر على امتداد مسار الانتقال الديمقراطي. وكانت الحكومة أول المستبشرين بانقضاء كابوس شهر جانفي، والأهم توصلها لاتفاق عسير وثمين في الآن ذاته مع الجامعة العامة للتعليم الثانوي ومع المركزية النقابية، أنهى أزمة خانقة بعد مقاطعة الأساتذة للامتحانات وما خلفه من احتقان لدى الأولياء والعائلات التونسية، كما نجح في الغاء اضراب 20 و21 فيفري المقرر في الوظيفة العمومية والقطاع العام بعد التوصل لاتفاق في الزيادة في الأجور. اليوم تعود تلك الأجواء المحتقنة التي رافقت نهاية السنة الماضية وبداية العام الحالي لتسيطر على المشهد وتنبئ ب»ربيع ساخن» هذه المرة قد تواجهه حكومة الشاهد في قادم الأيام ليعيدها إلى مربع الضغط العالي. تعرف الأوضاع الاجتماعية وعديد القطاعات في الآونة الأخيرة جملة من المستجدات السلبية والأحداث المؤسفة هزت الرأي العام على غرار الحادثة الأليمة لوفاة الرضع في مستشفى الرابطة والتي تتواصل تداعياتها إلى اليوم في انتظار ما ستكشفه نتائج التحقيق وما سيلوح من جدية في محاسبة المقصرين من عدمه. أزمات متشعبة أحداث عرضية وأخرى مزمنة أثرت على المزاج العام للتونسيين خاصة مع تواصل التداعيات السلبية للأوضاع الاقتصادية الصعبة والضغوط الناجمة عن أزمة التضخم وقرار الترفيع المشط في نسبة الفائدة المديرية الذي اتخذه مؤخرا البنك المركزي وخلف موجة تململ واستياء كبيرة. زد على ذلك تواصل نسق ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية حيث تشهد أسعار الخضر واللحوم ومختلف المواد زيادات مشطة لم تنجح اجراءات الحكومة ووعودها بالسيطرة عليها وكبح جماحها إلى الآن. وتعيش العائلات التونسية اليوم تحت وطأة ضغط الخوف من مزيد التهاب الاسعار مع اقتراب شهر رمضان والمواسم الاستهلاكية الأخرى. تعيش أيضا عديد الهياكل المهنية والقطاعات على وقع أزمات مؤجلة منذ فترة ولم يتم الحسم فيها وهي تعرف اليوم موجة من الاحتجاجات والتصعيد المتواصل على غرار قطاع المعلمين النواب والأساتذة الجامعيين (إجابة) وعمال الحضائر والعاملين في عدد من المؤسسات الإعلامية المصادرة الذين سئموا الضبابية في التعاطي مع تسوية وضعيات تلك المؤسسات إضافة إلى التململ في القطاع الفلاحي الذي يتخبط في أزمات ويطالب بتفعيل جملة من الإجراءات لمرافقة صغار الفلاحين. حراك "البنزين" ولعل القرار الحكومي الأخير بالزيادة في سعر المحروقات ومؤشرات التعاطي القطاعي والشعبي معه إلى حد الآن تؤكد أنه قد يكون الشعرة التي قد تقصم ظهر البعير وربما تجد الحكومة نفسها مضطرة للتراجع عنه لوقف موجة الاحتجاجات المتصاعدة. فبعد الدعوات التلقائية على صفحات التواصل الاجتماعي لرفض الزيادة في سعر المحروقات بإيقاف محركات السيارات في بعض المفترقات، تصاعد نسق الاحتجاج ليتحول إلى ظاهرة عامة في غلق الطرقات وبرمجة تحركات واضرابات في عدد من القطاعات المتضررة على غرار الفلاحين وقطاع تعليم السياقة وسيارات الأجرة «لواج» و»تاكسي» والموانئ وقد قررت الجامعة الوطنية للنقل قيام منظوريها بتحركات ميدانية مرفوقة بالتوقف عن العمل ابتداء من الاثنين القادم بكامل تراب الجمهورية. كما دخلت المركزية النقابية ومنظمة الأعراف على خط المنددين بقرار الترفيع في أسعار المحروقات حيث أكد أمس الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، مساندة المنظمة الشغيلة للتحركات السلمية الشعبية الرافضة للزيادة في أسعار المحروقات. وأضاف الطبوبي في تصريح أن هذه الزيادة ستؤدي إلى مزيد من التوترات الاجتماعية، خاصة أنها تتزامن مع تراجع أسعار النفط على المستوى العالمي وأضاف أنه سيجتمع مع رئيس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وكذلك رئيس اتحاد الفلاحة والصيد البحري، للإعلان عن موقف موحد من الزيادة. الاستثمار السياسي في المقابل لا تبدو الساحة السياسية والحزبية على أحسن ما يرام كما أن تزامن الحراك الاجتماعي والأزمات المستجدة مع تصاعد وتيرة التجاذبات الحزبية وبداية الحملات الانتخابية المبكرة للأحزاب يطرح مخاوف من سيطرة الاستثمار السياسي للأزمات على حساب الدفع نحو الحلول وتقديم البدائل حفاظا على السلم الاجتماعية. والملاحظ أن الحملات الانتخابية المبكرة لم تخل للأسف من خطاب عنيف وبدأت تلوح من الآن بأحداث عنف كالتي سجلت في اجتماع الحزب الحر الدستوري بسيدي بوزيد. هذا بالإضافة إلى رجوع موجة التشنج والاتهامات والشجار في الحوارات والبلاتوهات التلفزية جعلت الكثيرين يشعرون بالقلق من تطوره وتداعياته المحتملة مع اقتراب العد التنازلي للاستحقاقات القادمة. أزمات ومؤشرات تضع الجميع أمام مسؤولية الحفاظ على المناخ الملائم لبلوغ الانتخابات في ظروف مناسبة. على أن ينجح التونسيون عبر الصندوق في تغيير أوضاعهم إلى الأفضل. منى اليحياوي