في الوقت الذي توقعه فيه الكثيرون ميلاد ازمة حكم جديدة وعجز حركة النهضة الحزب الفائز في البرلمان عن تشكيل حكومة جديدة، فان الراهن الجديد قد يحمل في طياته انفراجا في الافق لتجاوز تعقيدات الوضع السياسي بعد اعلان عدد من الاحزاب الالتجاء الى جبهة المعارضة. مراجعات... وثلاثة سيناريوهات في الأفق ويبدو واضحا اليوم ان تشكيل الحكومة القادمة سيكون اسهل مما كان متوقعا في ظل المراجعات الحاصلة للمواقف بعد ان أخذت بعض الاحزاب خطوة الى الوراء اثر الاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية والهزيمة المدوية للمترشح نبيل القروي امام منافسه قيس سعيد. معطيات جديدة تدفع في اتجاه ايجاد ثلاثة سيناريوهات محتملة في قادم الايام رغم سقف الطموحات العالي للاحزاب الفائزة في الانتخابات وطرحها الحكومي أو اصرار بعضها على البقاء في المعارضة في اطار المكابرة أو المناورة السياسية التي تنتهجها الاحزاب عند كل تشكيل حكومي لتحقيق اكبر جزء ممكن من التنازلات. قلب تونس خطوة إلى الوراء فرضت نتائج الانتخابات الرئاسية تحولا في الموقف السياسي لحزب قلب تونس اثر هزيمة مرشحه نبيل القروي، تحول من شانه ان يدفع بالحزب للقبول بالمشاركة في الحكم بدل البقاء خارج دائرة السلطة. ويدرك الحزب ان عدم تشكيل الحكومة او عدم التصويت عليها وسقوطها من شانه ان يحمل الجميع لاعادة الانتخابات البرلمانية وهو ما لا يساعد قلب تونس بعد الصفعة الانتخابية لمرشحه نبيل القروي والنسب المحرجة التي تحصل عليها والتي ستنعكس بالضرورة على النتائج في حال تمت الدعوة الى تشريعية ثانية لاعادة الانتخابات بما قد يعني فقدان قلب تونس لعدد من المقاعد بعد فوزه بالترتيب كثاني حزب برلماني بعد حركة النهضة، سيما بعد ان شن الناخب التونسي حملة فايسبوكية رهيبة على قلب تونس اثر ما بات يعرف «بالفضيحة الاخلاقية» لاحد أعضائه وايضا بسبب الملاحقات القضائية لرئيس الحزب واتهاماته بالتهرب الضريبي وتبييض الاموال وهي شبهات كان لها تاثيرها على الحزب في معركته الانتخابية وقد تكون ضربة سياسية للحزب الناشئ وهو في المهد. تغيير الاستراتيجيا .. هكذا امر دفع بالقيادي في الحزب حاتم المليكي الى تغيير استراتيجية الخطاب السياسي وقال «ان الحزب سيتفاعل بشكل ايجابي في صورة وجهت له الدعوة لتشكيل الحكومة». وبغض النظر عن طبيعة الحكومة سواء كانت سياسية او حكومة تكنوقراط وكفاءات فان تحولات الموقف وأخذه خطوة الى الوراء يكشف بوضوح فقدان قلب تونس لكل اوراقه السياسية واساسا ورقة الرئاسة ليدخل في توافق مع حكومة «النهضة» تحت شعار «مكره أخاك لا بطل». من الناحية النيابية فان بقاء قلب تونس في المعارضة سيدفع بعدد من النواب الى مغادرة الكتلة وذلك اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان علة وجودهم اصلا هي الحكم بعد ان احتل حزبهم لأشهر طويلة المرتبة الاولى في سبر الاّراء وهو ما فتح لهم شهية السلطة ليصطدموا بالواقع بعد النتائج وتحول حلمهم الى كابوس سياسي بمرتبة ثانية برلمانيا وخسارة مذلة رئاسيا. النهضة تناور وتحاصر واذا كان حزب قلب تونس واقعا في زاوية الأحداث دون حلول ممكنة، فان هامش المناورة عند حركة النهضة اصبح اكثر اتساعا واساسا بعد الاعلان الأولي لنتائج الانتخابات الرئاسية. فحركة النهضة تعلم ان جل الاحزاب خرجت مهزومة ماديا بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية وبالتالي فان استعدادات الاطراف الفائزة في الانتخابا التشريعية لاعادة جولة جديدة تشريعيا يعد مغامرة غير محسوبة وبمثابة الدخول في حفل قمار حيث الفوز غير مضمون والخسارة اقرب. هكذا موقف يجعل من حركة النهضة اكثر أريحية من بقية الاحزاب وهو ما ويفتح أمامها افقا جديدا لتشكيل الحكومة بأخف الأضرار حيث ستصوت جل الكتل البرلمانية للحكومة الجديدة دون ان تكون مشاركة فيها في اطار التصويت للاستقرار اولا وتفاديا لاعادة الانتخابات ثانيا. ومن المتوقع ان تدفع حركة النهضة بحزب قلب تونس للتصويت للحكومة القادمة دون ان تكون مكونا لها. فوضعية قلب تونس اشبه ما يكون بوضع النداء في مراحله الاخيرة وذلك بعد ظهور بوادر انقسام على تراس الكتلة وهو ما من شانه ان يربك الحكومة القادمة. سعيد ضمانة لحركة الشعب والتيار الديمقراطي يبدو وجود رئيس الجمهورية قيس سعيد في قرطاج ضمانة للعمل السياسي المشترك بين حركة النهضة من جهة وحركة الشعب والتيار الديمقراطي من جهة اخرى. فقد نجح سعيد في تجميع الفرقاء السياسيين بالتوحد حوله علمانيين وقوميين وليبيراليين واسلاميين دعوا للتصويت له قبل الانتخابات الرئاسية وهو ما يعني طمانة هذه الاحزاب لشخص رئيس الدولة الجديد. طمانينة من شانها ان تسرع التفاعل الكيميائي بين الاحزاب والقبول بالجلوس على طاولة الحوار ونفض ما تعلق بهم من خلافات نتيجة النيران الصديقة التي امتدت على نحو سنة كاملة. كما أن إمكانية وجود سعيد كوسيط محايد في عملية تجميع العائلة السياسبة الثورية على قاعدة المشاركة في الحكومة او التصويت لها سيجنب الجميع الاطاحة بالبرلمان لاحقا بما يمكن من ربح الوقت وتعطيل تسيير دواليب الدولة الذي لن يكون في مصلحة اي جهة وطرف. وتتقاطع وساطة سعيد عمليا مع الموقف الذي أعلنه الرباعي الراعي للحوار والقاضي بضرورة الإسراع بتكوين الحكومة وهي الشيفرة التي ستلتقطها الاحزاب المترددة في الالتقاء مع حركة النهضة. ورغم اهمية الدعوة الصادرة عن الرباعي فانها تركت الحرية للاحزاب لاختيار شكل الحكومة القادمة حاثة اياهم على اهمية الإسراع وعدم اهدار الوقت في المناكفات السياسوية نظرا للظرف الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. وهو موقف يكشف ايضا عدم رغبة الرباعي في اعادة الانتخابات نظرا للكلفة السياسية والاقتصادية في وقت لا تحتاج فيه تونس اَي تاخير وذلك بالنظر الى حجم انتظارات المواطن التونسي. خليل الحناشي