ظهر المنتخب التونسي بوجه مرضي إجمالا في كأس أمم إفريقيا التي تتواصل حاليا في ملاعب الغابون وغينيا الاستوائية. لكن الأداء الجيد والتنظيم والحماس لم تكن كافية للفوز على منتخب غانا وتجاوز عقبة الدور ربع النهائي. التحسن الواضح في الأداء مقارنة بالبطولات الماضية وروح الفوز والإصرار التي كثيرا ما غابت عن "النسور" في العشر سنوات الماضية لا يجب أن تُنسى بمجرد هزيمة. فالدروس من المشاركة الحالية كثيرة والاستفادة منها هي طريق الفوز باللقب الإفريقي في المستقبل. ومن أبرز ما بقي من مشاركتنا الإفريقية المخيبة للآمال:
أهمية الإيمان بالقدرات واجه منتخبنا يوم الأحد شبحا للمنتخب الغاني وكان أفضل منه على الإطلاق لكن تحضيرات النسور لهذه المباراة والخطة الدفاعية التي لعب بها سامي الطرابلسي (سبعة لاعبين بصبغة دفاعية والمهاجم الذوادي في دور دفاعي) والتوتر المبالغ فيه والهالة الإعلامية التي سبقت المباراة أعطت الانطباع أن منتخب غانا الأفضل في العالم وكبّلت أرجل اللاعبين حتى وقعوا في الفخ وارتكبوا هفوات بدائية أهدوا بها التأهل لمنتخب غانا الذي لم يكن يحلم بالهدية. الواقعية والتواضع مهمّان في الرياضة لكن النجاح في المستوى العالي يتطلب أيضا ثقة عالية في النفس وإيمانا بالقدرة على فرض اللون على المنافسين. واللعب بثقة من شأنه أن يربك المنافس ويهز ثقته في إمكانياته لكن العكس هو الذي حصل لأبناء سامي الطرابلسي ضد الغابون وضد غانا.
التركيز والتحكّم في الأعصاب لدغ منتخب تونس مرة أخرى من جحر الأخطاء الفردية للاعبيه. وإن كان خطأ الحارس المثلوثي فادحا وبدائيا إلاّ أنه لم يكن متعمّدا وكان بإمكان لاعبينا قلب المعطيات مرة أخرى وإحراز التعادل لو لم يقترف أيمن عبد النور تلك الهفوة التي لا تغتفر وغير المبررة بالمرة التي تسببت بطرده. سيطرة المنتخب التونسي كانت كلية وواضحة في الفترة الإضافية الثانية من مباراة غانا رغم أنه لعب منقوصا من لاعب، ولو لم يقص عبد النور لربّما كان مصير المباراة مغايرا. ما أتاه عبد النور غير مقبول خصوصا من لاعب خبر المستوى العالي وأصبح مطلوبا من فرق أوروبية كبيرة. فالفوز بالألقاب يطلب لاعبين قادرين على التحكم في أعصابهم وتحمّل الضغط البدني والإرهاق النفسي.
حسن التصرف في التغييرات كان تعويض جمال السايحي بعصام جمعة في منتصف الشوط الثاني من مباراة تونس وغانا نقطة تحول في المباراة. السايحي كان أفضل لاعبي منتخبنا إلى حد خروجه ولم تظهر عليه علامات التعب وكان الجميع ينتظر إدخال صانع ألعاب (الشيخاوي أو الدراجي) أو إدخال جمعة مكان خليفة المصاب والمرهق والذي خسر كل صراعاته مع الدفاع الغاني. وبإخراج السايحي، قدّم الطرابلسي لغانا أولى هدايا المباراة وحرر لاعبيها الذين سيطروا على وسط الميدان وعادوا إلى تهديد دفاعنا بعد أن حرموا منه طوال المباراة. ولم نفهم خروج زهير الذوادي أفضل عنصر في الهجوم وصاحب تمريرة هدف تونس الوحيد وكان لخروجه تأثير سلبي على الثقل الهجومي للمنتخب لأنه حرر مدافعي غانا الذين ركّزوا بعد ذلك على مراقبة المساكني.
حسن اختيار اللاعبين لم يكن الإطار الفنّي لمنتخبنا موفقا في اختيار اللاعبين للبطولة. وإضافة لحادثة عادل الشاذلي الذي ضمه للفريق منذ بداية التحضيرات دون التعويل عليه ولو دقيقة واحدة رغم خبرته الطويلة وإمكانياته التي لا يرقى لها الشك، شكّلت دعوة المدافع أنيس البوسعيدي والحارس رامي الجريدي خطأ فادحا يتحمّله الإطار الفني. فاللاعبان أثبتا أن ليس لهما مكان في المنتخب وأن أكثر من لاعب تونسي أفضل منهما في مركزيهما وسيتحدّث التونسيون طويلا عن مباراة الغابون التي عجزنا فيها عن فوز كان سيبعد عنّا منتخب غانا في ربع النهائي. كما لعب بلال العيفة ضد غانا وهو مصاب والجميع يعلم ذلك بمن فيهم لاعبو غانا. ولم يقدر العيفة، رغم عزيمته وشجاعته، على إكمال المباراة فخسر المنتخب التونسي تعويضا كان بالإمكان استثماره بطريقة أجدى.
تطور المنتخبات الإفريقية تكتيكيا عكست النسخة الحالية لكأس أمم إفريقيا تطورا لافتا لمستوى المنتخبات الإفريقية خصوصا على المستوى التكتيكي. فقلّما شاهدنا الأفارقة يلعبون بانضباط وتنظيم تكتيكي وتركيز مثلما شاهدنا في غينيا الاستوائية والغابون. وليس صدفة أن المنتخبات التي برزت في البطولة، الغابون ومالي وزمبيا وغانا، عرفت استمرارية في الإشراف الفني ويقودها فنيون من مدارس الواقعية والفاعلية (الألمانية، الفرنسية، الصربية) في كرة القدم. الأفارقة أصبحوا واعين أن الفنيات الكبرى والبنية الجسمانية الرهيبة التي عرفوا بها وتميزوا لا تكفي لوحدها لتحقيق النتائج الإيجابية والأمثلة لا تحصى على خيبات منتخبات إفريقية تعج بالنجوم لكنها لعبت بسذاجة وغرور. ويعني هذا أن الانضباط التكتيكي والواقعية التي عرفت بها بعض المنتخبات ومنها تونس لم يعد سلاحا كافيا لكسب المعركة لأنها أصبحت تتساوى فيها مع عديد المنتخبات الأخرى.
النسخ القادمة أصعب من حسن حظ المنتخب التونسي وحظ المنتخب الذي سيحرز اللقب أن البطولة الحالية خلت من عمالقة اللعبة. وبعودة المنتخبات العملاقة، مصر والكاميرون ونيجيريا والجزائر، ستكون البطولات القادمة أصعب بكثير وقد يندم المنتخب التونسي على تفريطه في فرصة تاريخية للفوز بالكأس الثانية في تاريخه.
تقاعد وجوبي سيبدأ منتخب تونس بعد أشهر قليلة تصفيات كأس أمم إفريقيا القادمة ثم تصفيات كأس العالم 2014. وسيكون من الجيد المحافظة على المكاسب ودعم النقاط الإيجابية التي لاحت في المشاركة الحالية. لكن على الإطار الفني، سواء كان بقيادة سامي الطرابلسي أو بغيره، أن يتحلّى بالشجاعة ويحيل على التقاعد اللاعبين الذين لم يعد لهم مكان في المنتخب. ومهما كان ماضيهم وإنجازاتهم، علينا الاعتراف بأن لاعبين مثل كريم حقي وعصام جمعة وأنيس البوسعيدي على الأقل لم يعد لهم ما يقدّمونه للمنتخب. وعلى أي إطار فني سيشرف على منتخب تونس في قادم الأسابيع أن يضع في اعتباره أن منتخبات الشبّان تزخر باللاعبين الممتازين الذين يلعبون في أكبر الفرق التونسية وحان الوقت لتطعيم المنتخب الأول بالبعض منهم شيئا فشيئا.