توصلت إيران والقوى العالمية الست إلى اتفاق في وقت مبكر من صباح أمس للحد من برنامج إيران النووي مقابل تخفيف محدود في العقوبات في مؤشر على بداية تقارب قد يغير قواعد اللعبة ويخفف من خطر اندلاع حرب اوسع في الشرق الاوسط. وحظي الاتفاق المؤقت الذي يستهدف انهاء مواجهة مستمرة منذ فترة طويلة بين ايرانوالولاياتالمتحدة وفرنسا والمانيا وبريطانيا والصين وروسيا بتأييد حاسم من الزعيم الايراني الاعلى آية الله علي خامنئي. وقالت الولاياتالمتحدة إن الاتفاق يوقف تقدم برنامج إيران النووي بما في ذلك بناء مفاعل اراك للأبحاث الذي يثير قلق الغرب بشكل خاص إذ ان بامكانه انتاج البلوتونيوم وهو مكون آخر من مكونات القنبلة النووية. وقال مسؤول امريكي كبير ان الاتفاق سيحيد مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة وهي نسبة تجعل إيران تقترب من المستوى اللازم لانتاج أسلحة ويدعو الاتفاق إلى عمليات تفتيش دقيقة تجريها الأممالمتحدة. وذكر بيان الحقائق الذي اعده البيت الابيض بشأن الاتفاق أن إيران ستكون ملتزمة أيضا بوقف عمليات تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز نسبة الخمسة بالمائة وهو المستوى المناسب لتشغيل محطات الطاقة النووية كهدف معلن لايران. ويوفر اليورانيوم المخصب النواة الانشطارية للقنبلة النووية اذا خصب لمستوى اعلى. وفي المقابل يوقف الاتفاق عقوبات معينة على الذهب والمعادن النفيسة وقطاع السيارات الايراني وصادرات ايران البتروكيماوية بما يتيح لايران ايرادات تقترب من 1.5 مليار دولار. لكن مسؤولين امريكيين قالوا ان الاتفاق رغم تجميده الخطط الأمريكية بخفض أكبر لصادرات النفط الإيرانية فلن يسمح بوصول المزيد من النفط الإيراني إلى السوق أو يتيح وصول مستثمرين غربيين في مجال الطاقة إلى البلاد. وستظل صادرات النفط الايرانية في الوقت الحالي عند مستوياتها المنخفضة بصورة ملحوظة. وجاء في بيان الحقائق "سيتم السماح بنقل 4.2 مليار دولار من حصيلة هذه المبيعات على دفعات إذا أوفت ايران بالتزاماتها". وسيبقى معظم هيكل العقوبات التي ترتكز على حظر غربي على صادرات النفط الخام الايراني ومنع ايران من استخدام النظام المصرفي الدولي ساريا انتظارا للاتفاق النهائي الهادف الى ازالة جميع المخاطر المتعلقة بحصول ايران على قنبلة نووية. وقال البيت الابيض "الاعفاء الذي يقارب حجمه سبعة مليارات دولار ما هو الا جزء بسيط من التكلفة التي ستواصل ايران تحملها خلال هذه المرحلة الاولى في ظل العقوبات التي ستظل سارية. الغالبية العظمى من حيازات ايران من النقد الاجنبي التي تقارب 100 مليار دولار لا يمكن الوصول اليها او الوصول اليها مقيد". ونقلت وكالة مهر الايرانية للانباء عن ظريف قوله ان الاعفاء من العقوبات سيبدأ خلال اسبوعين او ثلاثة. وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ على تويتر إن التوصل لاتفاق مع إيران "خطوة أولى مهمة ومشجعة ..هذا يظهر ان من الممكن العمل مع ايران وان نتصدي بالدبلوماسية للمشاكل المعقدة". واضاف "انه جيد للعالم اجمع بما في ذلك دول الشرق الاوسط وشعب ايران نفسه. المفاوضات كانت مؤلمة. غدا يبدأ العمل الشاق الخاص بتنفيذ وبناء الاتفاق." وقال مسؤولون أمريكيون إن اتفاق جنيف لا يعترف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم. غير ان قادة الجمهورية الاسلامية رحبوا بالاتفاق وشددوا على انه يرقى الى ما يقولون انه حق ايران في تخصيب اليورانيوم. وكتب خامنئي صاحب القول الفصل في سياسات ايران في رسالة إلى الرئيس حسن روحاني نشرتها وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية "يمكن أن يكون هذا أساسا لمزيد من الخطوات الذكية. دون شك فان فضل الله ودعاء الشعب الإيراني عامل في هذا النجاح". وقال روحاني وهو معتدل حقق فوزا ساحقا في يونيو حزيران متعهدا "بتواصل بناء " مع العالم وإعفاء بلاده من العقوبات "نتيجة هذه المفاوضات هي ان القوى العالمية اعترفت بحقوق ايران النووية". وكان مسؤولون أمريكيون وإيرانيون قد عقدوا اجتماعات سرية في اماكن بعيدة مثل سلطنة عمان واستخدموا طائرات عسكرية ومداخل جانبية ومصاعد الخدمات للتكتم على جهودهم لوضع الاساس للاتفاق النووي الذي جرى التوصل اليه أمس الأحد. وساعدت الاتصالات التي كانت وكالة اسوشيتد برس أول من اعلن عنها بالتفصيل وأكدها لاحقا مسؤولون أمريكيون ومسؤول إيراني سابق في ابرام اتفاق قد يساهم في انهاء ازمة مستمرة منذ عشرة اعوام حول انشطة إيران النووية. وتوضح الاتصالات ايضا رغبة الولاياتالمتحدة التي تعود إلى بداية تولي إدارة أوباما السلطة في جانفي 2009 في استكشاف ما اذا كان هناك سبيل للتصالح بين بلدين كانا على قطيعة لمدة تزيد على ثلث قرن. وبعد محادثات استمرت اربعة ايام توصلت إيران والقوى العالمية الست بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولاياتالمتحدة والمعروفة باسم مجموعة خمسة+واحد إلى اتفاق مؤقت للحد من برنامج إيران النووي مقابل تخفيف بعض العقوبات. وقال مسؤول أمريكي كبير ان الطريق إلى ذلك الاتفاق شمل سلسلة من الاجتماعات السرية -التي وافق عليها أوباما شخصيا- بين مسؤولين كبار من وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض والحكومة الإيرانية هذا العام. وأكد مسؤول إيراني سابق المحادثات السرية وقال انها جرت بموافقة متحفظة من الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الذي كان متشككا من نتيجتها لكنه وافق على عقد كل الاجتماعات. وقال المسؤول الأمريكي الذي طلب عدم نشر اسمه ان من بين الشخصيات الأمريكية الكبيرة التي شاركت في المحادثات وليام بيرنز نائب وزير الخارجية الأمريكي وجيك سوليفان مستشار نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن للأمن القومي. وأضاف المسؤول أن الرجلين اجتمعا مع مسؤولين إيرانيين ما لا يقل عن خمس مرات هذا العام وكان ينضم اليهم احيانا مسؤولون اخرون مثل بونيت تالوار عضو مجلس الامن القومي التابع للبيت الأبيض. وقال المسؤول إن بيرنز وسوليفان وخبراء فنيين وصلوا إلى مسقط في عمان في مارس على متن طائرة عسكرية -حفاظا على السرية- للاجتماع مع إيرانيين. وقال المسؤول الإيراني الكبير السابق الذي شارك في احد الاجتماعات انهم حصلوا على موافقة خامنئي المتحفظة على هذه الاجتماعات. وأضاف "كل الاجتماعات مع الأمريكيين حظيت بمباركة الزعيم (الأعلى). الاجتماع الأول كان الاصعب لانه كان علينا اقناع سلطتنا العليا بشأن النتائج الايجابية لمثل هذه الاجتماعات." وقال "أعطى الزعيم (الأعلى) موافقته لكنه لم يكن متفائلا ازاء النتيجة.. جازفنا لكننا فزنا". وساعد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في دفع الاجتماعات التي عقدت في سلطنة عمان فقام عندما كان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بزيارة لم يعلن عنها من قبل إلى السلطنة للاجتماع مع المسؤولين العمانيين. وعندما اصبح كيري وزيرا للخارجية وهو المنصب الذي يشغله منذ الاول من فيفري كان قد تقرر استمرار محادثات عمان لدعم محادثات خمسة+واحد وزار كيري بنفسه عمان في ماي لاجراء محادثات مع المسؤولين هناك. وقال المسؤول الأمريكي الكبير ان اربعة من الاجتماعات الأمريكيةالإيرانية السرية جرت منذ تنصيب روحاني رئيسا في دلالة على ان الولاياتالمتحدة كانت تحاول استغلال الفرصة التي اتاحها صعود روحاني للسلطة. واجتمع كيري مع وزير الخارجية الإيراني في الجمعية العامة للامم المتحدة في سبتمبر وبعد ذلك بوقت قصير تحدث أوباما وروحاني هاتفيا في اول اتصال على اعلى مستوى بين الولاياتالمتحدةوإيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979. وتحدث كيري ايضا مع وزير الخارجية الإيراني هاتفيا في 25 اكتوبر وفي الثاني من نوفمبر وهي المحادثات التي لم تكشف عنها وزارة الخارجية الأمريكية في حينها. وحرصت واشنطن على سرية دور بيرنز وسوليفان حتى انها أوفدتهما إلى جنيف مرتين هذا الشهر لاجراء محادثات اوسع نطاقا بين إيران والقوى العالمية لكنها ابقت اسميهما خارج قائمة الوفد الرسمي واستخدما مداخل جانبية في الفندق ومصاعد الخدمات للإمعان في السرية. وعندما سئل المسؤول الأمريكي عما اذا كانت الاجتماعات السرية ساهمت في ابرام الاتفاق النووي بين إيران والقوى الست الكبرى قال "نعم".