بما أن العُنوسة لها مفهوم أخلاقي في علم الاجتماع فقد أصبح مفهومُها «سوسيولوجيا» تأخر سن الزواج أو العزوبة المطولة والتي تغيرت حتى من حيث المحتوى والأسباب، فقد أصبحنا اليوم نتحدّث عن تأخر سن الزواج او العزوف عنه ولو لفترة عند الفتيات اللائي لم تُعدّ «العنوسة» بالنسبة إليهن تمثل مصدر قلق، رغم أنهن غير عاطلات. ومنهن من تشتغل وتمتلك السيارة وحتى الشقة حتى صرنا نتحدث عن عازبات من فئة 5 نجوم. ولا يختلف الباحثون في علم الاجتماع في أن العزوبة تشمل مختلف الفئات العمرية من الاناث والذكور لكنها بنسق أسرع لدى الجنس اللطيف. ويبدو أن تأخر معدل سنّ الزواج عند الإناث الى 29 سنة و33 عاما للذكور كان له تأثير على ارتفاع نسب العزوبة او تأخر سن الزواج المرتبط بعدة أسباب منها الوضع المالي والاجتماعي وكذلك ارتفاع نسب التمدرس؛ لكن يبقى الزواج إرثا ثقافيا إذ هناك من يؤجل الارتباط إلا ان فكرة الزواج تبقى راسخة في الاذهان وموجودة اكثر الآن لدى الإناث من أجل الامومة وليس من أجل الزواج في حدّ ذاته. من يختار من ولم يخف الباحثون في علم الاجتماع بروز ما يسمّى بالعزوبية الاختيارية لدى الإناث رغم انهن يملكن كل المواصفات (شغل وأملاك) وهذا التأخير سببه «من يختارمن؟» فأحيانا تتوفر كل الشروط لكن يبقى مشكل الاختيار هو القائم، فكلما كانت الفرص ضيقة إلا وتأخر سن الزواج باعتبارأن شباب اليوم يفضل أن يكون اختياره نابعا منه فقط، خلافا للسابق، فقد كانت العائلة تساهم بنسبة 50 % في الاختيار وتصل أحيانا النسبة 70 % لكن في الوقت ذاته يفضل الإناث الأمومة رغم تأخر الاختيار. من جهته يرى باحث علم الاجتماع فوزي بوعزيز الذي اشتغل على هذه الظواهر بديوان الأسرة والعمران البشري ان مسحا عنقوديا مؤخرا بالاشتراك بين معهد الإحصاء ومكتب اليونيسيف بتونس ان نسبة الزواج المبكر للفتيات المتراوحة أعمارهنّ بين 15 و18 سنة قد تقلصت بصفة محلوظة حيث يقول محدثنا:»هناك تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية عميقة أثرت على التمثلات الاجتماعية للزواج، ومسّت التمثلات الفردية والجماعية ليصبح الإشكال في ايجاد تعريف للعزوبة المطلقة، يمكن اعتبارها عزباء وكذلك الأرملة تماما مثل من لم تتزوّج بعد؛ لكنّ تعريفنا العامي يختلف عن المفاهيم السوسيُولوجية ويعطي معنى سلبيا للعزوبة يرتبط اساسا بالأنوثة. تضارب الأرقام وفيما تتحدث بعض الأرقام عن وجود أكثر من مليوني عزباء أو تأخر سن الزواج لديهن فإن المؤسسات الرسمية لا تعتمد هذا الرقم وتعتبر ان المسح العنقودي الثالث متعدّد المؤشرات لسنة 2006 ويعطي فكرة واضحة عن الوضع الحالي باعتبارأن اسباب تأخر سن الزواج لم تتغير، و90 % منها ارتفاع تكاليف الزواج ثم صعوبة الحصول على عمل واستكمال الدراسة وجملة أخرى من الأسباب على غرار كيفية اختيار القرين؛ لكنها جلها مترابطة اذ يقول الباحث في علم الاجتماع :»من التمثلات الاجتماعية الجديدة ان الزواج رغم محافظته على مكانته كمؤسسة أساسية فإنه لم يعد أولوية لدى عدة نساء لأنهن يفضلن بناء هوية اجتماعية ومهنية مستقلة عن الأب والزوج». ومن الأمثلة على ذلك ان الضغط على الفتاة لدخول القفص الذهبي تقلص،حتى لا نقول اصبح شبه منعدم، وهو ما ادّى الى تطوّر نسبة العزوبة. الاسقاطات والقراءات كما ان التحولات الاجتماعية غيرت النظرة للعزباء والمطلقة وأصبح المجتمع يقبل بهن كعزباوات خلافا للنظرة الدّونية في السابق، وبما أن نسب الطلاق قد ارتفعت بدورها فإن عدد العازبات من شأنه ان يشهد ارتفاعا واضحا، على ان كل ذلك يمثل مشكلا رئيسيا لدى علماء الاجتماع، حيث يقول فوزي بوعزيز:»هناك انعكاسات لتأخر سن الزواج وهي المشكل الديمغرافي. فمن وجهة نظر ديمغرافية ظاهرة العزوف عن الزواج اوارتفاع سن العزوبة يمسّ حتميا اغلب التونسيين والتونسيات. وفي تحليل للأرقام والمؤشرات والإسقاطات الممكنة تبين ان نسبة العازبات اللائي تجاوزن سن 34 سنة من مجموع الفتيات البالغات 20 سنة فما اكثر، قد بلغ 16 % سنة 2006 مقابل 7 % في عام 1994 وهو تطور ملحوظ خلال الفترة المذكورة وازداد ارتفاعا بمرورالأعوام ممّا يطرح مشكل الخُصوبة والتهرّم السكاني. ويقابل ذلك تأخر سنّ الزواج لدى الرجال ايضا، وهذا ناتج لدى علماء الاجتماع عن التمثل الجديد للحياة الجنسية لدى الشباب. رقم ومعطى - تشير الإحصاءات إلى أن نسبة العازبات البالغات 30 سنة فما أكثر قد تطورت إلى 29 % في 2006 مقارنة ب 17 % في سنة 1994 كما أن نسبة العازبات من الفئة العمريّة 25 26 سنة قد ارتفعت ب 3% خلال الفترة المذكورة؛ مما يعني أن الظاهرة قد ازدادت ارتفاعا من 2006 حتى السنة المنقضية. - بلغت نسبة العازبات ممّن تبلغ أعمارهن 25 سنة فما فوق 56 % من مجموع العازبات . ويتأخر سن الزواج أكثر عند المتعلمات البالغات 20 سنة فما فوق من ذوات المستوى التعليمي الجامعي 27 % في 2006 مقابل 3 % فقط في 1994 وهذه النسب تطوّرت بصفة ملحوظة في الأعوام الأخيرة حيث أصبحت نسبة التمدرس لدى الإناث تفوق 60 % مقارنة بالذكور... كما تطوّرت نسبة العزوبة رافقها تطوّر واضح في نسبة التمدرس لدى الإناث اللائي يمثلن أكثر من نصف مجموع الطلبة في مختلف المستويات... دعاة «التعددية» في نجدة مليوني «عانس»!!؟ الحديث عن نسبة العانسات أواللائي طالت عزُوبتهن في تونس قد تجاوزت 62 % من مجمل عدد الإناث طرح أكثر من إشكال على مستوى التحاليل والدراسات وكذلك على المستوى الرسمي وخاصة لدى ديوان الأسرة والعمران البشري الذي ينفي علاقته بمثل هذه الأرقام التي صدرت. وهذه الأرقام تعُود لمعطيات إحصائية قامت بها إذاعة هولندية حول نسبة العنُوسة في الوطن العربي سنة 2013 واستندت في ذلك إلى منظمات غير حكومية... وباعتماد النسب المذكورة يُلاحظ أنه عند القول بأن أكثر من 60 % عانسات يعني أن مليونين و250 ألفا من الإناث فاتهن قطارالزواج من مجمل 4 ملايين و900 ألف امرأة في تونس... وهذه القراءات مغلوطة لعدّة أسباب منها، أن معدل سنّ الزواج لدى الإناث 29 و30 سنة لأسباب موضوعية تتعلق بارتفاع نسبة التمدرس، فضلا عن أن هذا المعطى عام، ولم يدقق أي لم يحصر نسبة العازبات اللائي تجاوزن 34 سنة من مجموع الفتيات غير المتزوّجات البالغات 20 سنة فما أكثر، واعتبرت كل الفتيات المؤهّلات للزواج عانسات وهو ما لا يستقيم... ويبدو أن التعامل مع جهات غير حكومية هو سبب نشر هذا الرقم المفزع وخاصة منها الأطراف التي تدعُو إلى تعدّد الزوجات أو الزوجة الثانية، بما يمكنها من تبرير هذه المطالب التي لا تتماشى مع مدنيّة الدولة التونسية، ولا أيضا مع مجلة الأحوال الشخصية التي تمنع تعدد الزوجات... ويبدُو أيضا ان شيوخ «النكاح» ودعاة الزواج بخلاف الصيغ القانونية تحت غطاء الشرع أبرز من يروّج لمثل هذه الأرقام المفزعة. ◗ عبد الوهاب بالحاج علي الصباح الاسبوعي بتاريخ 20 جانفي 2014